المادية اللاماركسية


كمال غبريال
2022 / 2 / 8 - 22:40     

نحن نعيش في وجود مادي تماماً. يخلو في أساسه الطبيعي من فكرة أو عقل مُخطط مسبق، يُحدث فيه ما نراه من بقع أو جزر انتظام، في محيط فوضى وعبث هائل.
الفكر أو العلم الإنساني كذلك ليس مفارقاً للمادة أو يعلو عليها. بل هو نتاج للوعي بالعلاقات الطبيعية للمادة. والتي تحتمها خواصها المحكومة بقوانين طبيعية حتمية الفاعلية.
إلى هناك ولا يبدو ثمة خلاف مع الحتمية المادية الماركسية. لكن الأمر في حقيقته ليس ذلك وأبعد من ذلك.
فحتمية القوانين المادية في غياب عقل مخطط لم تصنع ما نشهده من انتظام في الكون والوجود. وإنما صنعت بأدائها غير الموجه ما وصفناه بمحيط هائل من العشوائية. والنزر اليسير نسبياً من الانتظام الطبيعي. صنعته الصدفة التي تحسِبها رياضياً نظرية الاحتمالات.
أما الانتظام الذي يشكل المحيط الحيوي للإنسان، فمكون من الانتظام الطبيعي (الحتمي)، بالإضافة للجهد الإنساني، المصحوب بالفكرة المسبقة أو العقل المخطط. الذي يوظف الحتميات المادية الطبيعية، ليؤسس بها تشكيلات مبتكرة، تناسب أو تريح أو تسعد الإنسان.
المادة الخام هنا هي القوانين والعلاقات المادية الحتمية. لكن التشكيل أو الهياكل التي يشيدها الإبداع الإنساني بتوظيف تلك الحتميات المادية، ليست حتمية، ولا هي نتيجة آلية الديالكتيك المادي كما تصور ماركس.
العلاقة إذن بين المادية والفكر ليست علاقة بنية تحتية ببنية فوقية، يكون فيها الفكر انعكاساً آلياً لعلاقات المادة بما يقودنا لمصير مادي حتمي كما تصور ماركس، وأثبتت الأيام كذب نبوءاته وسقوط حتميته المادية.
بذات القدر ولذات الأسباب فالفكر الإنساني ليس حراً بصورة مطلقة، ليخلق ما يشاء من تشكيلات، بغض النظر عن حتميات الواقع المادي. فهو محكوم بإمكانيات الواقع. الذي يشكل الجزء المادي منه لبنات أو أحجار البناء. ويحدد الفكر الإنساني المبدع تصميم الهيكل أو شكله. محكوماً بطبيعة أحجار البناء، وما تسمح به طبيعتها من طواعية في تشكيل التصميم المستهدف.
الجدل المادي الحقيقي هكذا، لا يتم بهيئة بنية تحتية وفوقية تحدد علاقة المادة بالفكر. وإنما هي علاقة "عَرْضِية". يكتشف فيها الفكر علاقات المادة وإمكانياتها. ليدخل الإبداع الإنساني في المعادلة. بتوظيفه للوقائع والحقائق المادية. ليشيد منها ما تتيحه المعطيات من إمكانيات لتشكيلات.