الثامن من شباط و (الحقد الأسود)


قاسم علي فنجان
2022 / 2 / 8 - 01:49     

((أي مصير ينتظر البلاد على ايدي هؤلاء الفاشست؟ انهم لا يربؤون بأنفسهم عن ارتكاب احط الأفعال)) رواية "الحقد الأسود" شاكر خصباك.

هل كانت نبؤة او توقعا او حدسا من نوع ما؟ ام انها واقع كان لابد ان يحدث؟ فالوقائع والاحداث السابقة لذلك اليوم المشؤوم كانت قد أعطت الكثير من الرسائل بأن شيئا ما سيحدث، سيقلب الأمور رأسا على عقب؛ لكن هذا المعتقل المعذب حد الموت تكلم بعد ان رأى الجحيم بعينيه، بعد ان رأى اخس الأفعال واحطها من قبل هذه الزمرة الانقلابية.

منذر الونداوي يحلق بطائرة الهنتر، صباح يوم جمعة رمضانية، كانت علامتهم وشفرتهم وساعة صفرهم، منذرا ببدء ملحمة الموت والعذاب، لينطلق "هادس" من عالمه السفلي، ولتبدأ الأوركسترا بعزف نشيد الموت؛ عصا الأوركسترا كانت بيد الامريكان والبريطانيين "لقد جئنا بقطار امريكي" علي صالح السعدي؛ هم من كان يوزع فرق الموت والاغتيال والاقتحام، وهم من كان يرشد الى الشيوعيين والمثقفين.

شاكر خصباك 1930-2018، روائي وجغرافي كبير، كان أحد معتقلي ذاك الانقلاب، هو لم ينضم الى الحزب الشيوعي، لكنه كان من المقربين له؛ روايته "الحقد الأسود" هي ذاكرته وذكرياته وهو في معتقل "قصر النهاية"، رأى كل صنوف التعذيب والالم، لم يبخلوا عليه بأية وسيلة للتنكيل به، شاهد عمليات التعذيب وسمع انين وتأوهات المعذبين، ووقف على المنتحرين والذين يموتون تحت التعذيب، سمع قصص الاغتصاب التي كانت تجري؛ بعد ستة اشهر قضاها بمعتقلات الحرس القومي، سارع ليسجل ما علق في ذاكرته، فكانت سفر من 150 صفحة مليئة بالاسى والحزن.

صحيح ما عنون شاكر به روايته، فقد كان حقدا خالصا؛ وانت تقرأ الرواية ينتابك فضول عارم لمعرفة أساس هذا الحقد، وتتيه بين الاقتراحات والنظريات:
قد يكون الشيوعيين قساة مع القوميين والبعثيين؛ "اين ذهبت البطولة التي كانوا يدعونها اذن؟ كانوا يزعمون انهم سيقضون علينا بمثل لمح البصر".
او قد يكون هؤلاء القوميين والبعثيين هم من حثالة الطبقة العاملة، دون أي وعي او معرفة "أنتم احقر من دود الأرض...أنتم احط من دب على وجه الأرض".
او قد يكون الشيوعيين همشوهم ولم يلتفتوا إليهم مطلقا، وهو ما عزز ورسخ لديهم النظرة الدونية، والتي كانت سببا في حقدهم. "بالطبع، ما داموا بلا اخلاق ولا مبادئ".

امل، الشابة ذات السبعة عشر عاما انتحرت بعد ان تم اغتصابها؛ نعيمة التي تداري زوجها المعتقل معها بين حين وحين هي أيضا اغتصبت؛ وأخرى ماتت تحت التعذيب وهي حامل في شهرها السابع؛ اما ام جلال فقد انجبت طفلها في المعتقل.

ها قد مرت ستة عقود على تلك الذكرى الأليمة والمرة، على ذاك القطار الأمريكي القبيح، والذي لم يتوقف بعد، فبعد أربعة عقود ها هو يأتي محملا بأحفاد الحرس القومي والبعثيين؛ انه يرمي علينا بأوباش ومجرمي وفاشيو الإسلام السياسي، انهم مصرين على تدمير البلد بالكامل، لكن هذه المرة بيافطة "الديموقراطية" العفنة.

شاكر خصباك كان في روايته يتكلم مع نفسه، كان ينادي وعلى لسان بطله "رشاد" زوجته "ندى"، يشكو اليها الامه ومعاناته " ان هذا المكان هو الجحيم بعينه. لقد أدركت ان عذاب البشرية لا حدود له، لقد فاض قلبي بالحزن والأسى ولم يعد فيه متسع لمزيد؛ فكيف سأواجه الالام التي تخبئها لي الأيام في هذا المكان يا ندى، كيف؟".