حزب الله ودروس الحرب الأهلية اللبنانية


رضي السماك
2022 / 2 / 6 - 14:43     

شاءت الأقدار التاريخية أن يُعلن عن أستقلال لبنان الحالي عام 1943 وفق صيغة الميثاق الوطني وهي صيغة توافقية ديمقراطية بين مكوناته الأساسية، أضطرت لها لتحقيق أستقلال وطنها، أيا تكن أيدي الاستعمار الفرنسي فيها-باطنة أم ظاهرة- أو لنقل ما خلفه من آثار فعلية تقسيمية على الأرض، لكن كان يُنشد منها أن تشكل حداً أدنى ممكناً من "النسيج الوطني الاجتماعي" للكيان العربي الجديد "، لكن ما حصل هو أن هذا الكيان مر البلد طوال تاريخه منذ انسحاب القوات الفرنسية عام 1946 عن أراضيه حتى يومنا هذا بهزات سياسية عنيفة بفعل تفجير تناقضات فئوية مفتعلة وتدخلات عربية وأقليمية وودولية؛ ما عرّض ذلك "النسيج" الجميل إلى حافة التمزق، بل كاد أن يهدد كيان الدولة برمته إلى الانهيار ، وخصوصاً مع لجوء كل طرف سياسي من ممثلي مكوناته الطائفية الأساسية إلى الاستقواء بالخارج. وكانت الحرب الأهلية ( 1975- 1990) بين القوى اليسارية ذات الأغلبة الإسلامية- وبضمنها المقاومة الفلسطينية- من جهة، والقوى اليمينية ذات الأغلبية المسيحية من جهة اخرى هي أخطر هزة سياسية يتعرض لها الكيان اللبناني، وقد خرج منها كلا الطرفين خاسراً مُنهك القوى، وأعترف كلاهما على أستحياء لاحقا بخطأ لجوئه للقوة لحل التناقض بينهما؛ بدلاً من الحوار الصبور ذي النفس الطويل مهما بدا صعباً وشائكا،في حين كان الخاسر الأكبر هو شعبهما بكل طوائفه وبلدهما المدمر الذي أستمرت آثار تدميره حتى يومنا ولم تتلاش نتائجه السياسية . ومع ذلك لم تكن علاقات لبنان حينئذ بمحيطه العربي-وخصوصا مع دول الخليج بهذه الدرجة من السوء الذي بلغته اليوم، رغم ما شاب حينذاك خطاب الطرف اليساري اللبناني - الفلسطيني متفاوت بين قواه بأستهداف -مباشر أو غير مباشر- سياسات بعض دول الخليج، لكنه على أي حال أستخلص العِبر الثمينة من تجربة الحرب المريرة الطويلة، وأهمها أستحالة فرض صيغة ذات صبغة يسارية أحادية على وطنه المتعدد الطوائف والأحزاب، وهذا مالم يفهمه ويستوعبه حزب الله في خطابه منذ تأسيسه بإسم المقاومة "الإسلامية" في القضية الوطنية اللبنانية والقضية الفلسطينية حتى بات كل من يختلف مع حزب الله في كل شاردة وواردة متهم بأنه ضد قوى المقاومة والممانعة وضد القضية الفلسطينية، بل وله أتصالات مشبوهة بالسفارة الأميركية !
وللأسف فإن ما ينساه حزب الله أو يتجاهله أن لبنان لايمكنه أن يعيش مستقراً بما يحفظ مصالحه الاقتصادية وأمنه وسط محيطه العربي والدولي بدون صيغته التوافقية التعددية المتعارفة تاريخياً عليها والتي تتوجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حاجته إلى التعايش بحياد في بيئة سياسية عربية ودولية ودولية وفق متغيراتها من مرحلة إلى اخرى، بعيداً عن الخطابات "الثورية" الملتهبة. لكن ما يُراد له اليوم-للأسف-أن هو يتبنى عملياً خطاباً متشدداً " ثورياً" على مقاس خطاب نظام الملالي "الثوري" الأنعزالي الذي تتبناه بحذافيره قيادة حزب الله التابعة له، وهو خطاب رغم مرور أربعة عقود ونيف على ثورة 1979 الإيرانية لم يغادر بعد منطق" الثورة" إلى منطق "الدولة"، ولم يتعلم كيفية بناء الدولة وتبني مبادئ التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة، والتي لا يمكن حفظ السلم العالمي وبناء التنمية الوطنية الداخلية مع الإخلال بتلك المبادئ، دون محاولة مصادرة حق كل دولة في أختيار فلسفة حكمها الخاصة بها والتي يُترك مسألة تغييرها باعتبارها شأناً داخلياً يخص شعبها بعيداً عن منطق تصدير الثورة صراحة أو بأي منطق آخر يؤدي عملياً نفس المعنى !