مقومات استمرار الاحتلال الامريكي للعراق


جاسم ألصفار
2022 / 2 / 2 - 15:46     


في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2021، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي انتهاء مهمة الجيش الأمريكي في البلاد. وأعلن رسمياً خروج الجيش الأمريكي من القواعد العسكرية "حرير" و "عين الأسد" و "القائم"، إلى جانب عدد من المنشآت الأخرى في عموم العراق. الى هنا تكون حكومة الكاظمي قد حققت إنجازا وطنيا مهما يحسب لها، لولا أن تبع ذلك شرح من البنتاغون، شطب من حيث الواقع مغزى ما أعلن عنه الكاظمي.
فقد ذكرت القيادة المركزية للجيش الأمريكي أن الوحدات العسكرية الامريكية في العراق ستواصل أنشطتها هناك مع تغيير في طبيعة مهامها. قد تنطلي تفاصيل التوضيح الرسمي الأمريكي للإعلان العراقي على أحد إذا كان المرء لا يعرف تاريخ الوجود العسكري الأنجلو ساكسوني في الشرق الأوسط. فمنذ عام 1914 إلى عام 1956، أعلنت بريطانيا انتهاء وجودها العسكري في مصر أكثر من 80 مرة. وفي كل مرة بقيت القوات والأسطول البريطاني في مواقعهم حتى إعلان الجمهورية في مصر.
إن تصرفات الولايات المتحدة في العراق تكرر بشكل عام النهج البريطاني. فمنذ الإطاحة بنظام صدام حسين في أبريل 2003، صرح البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون بانتظام أن القوات الأمريكية ستغادر العراق عند توفر الظروف الملائمة لذلك، دون أن تحدد طبيعة تلك الظروف. ومع أن عدد القوات الامريكية العاملة في العراق قد انخفض في فترات زمنية محددة بشكل كبير، لكنه زاد مرة أخرى تحت ذرائع مختلفة. هذا مع ان البيانات الرسمية تشدد على أن القوات العسكرية ألأمريكية التي اجتاحت العراق عام 2003 أنجزت مهامها بحلول عام 2011. أما ما تبقى من قوات على الأرض، حسب زعمها، فهي للمساعدة في التصدي للإرهاب و "الحاجة إلى تدريب عناصر الجيش العراقي الجديد".
إذا كان البنتاغون قد وضع لنفسه هذه المهام حقًا، فانه على علم باستحالة تحقيقها آنذاك. ففي عام 2014، انهارت قوى الجيش العراقي الجديد في غضون أيام بعد اجتياح الجماعات المسلحة التابعة للدولة الإسلامية لمساحات واسعة من العراق، وخلق واقع جديد "يضطر" البنتاغون الى أخذه بالاعتبار وانشاء ما يسمى "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في العراق".
على أن التصدي الجاد والحاسم للإرهاب لم يدخل فعليا في حسابات ذلك التحالف آنذاك، ولو ركن العراقيون الى الدعم الذي قدمه التحاف لمواجهة تمدد الدولة الإسلامية، لفقدوا عاصمتهم. وان شئنا ان نكون موضوعيون فان النشاطات العسكرية الامريكية، وقتها، لم تؤثر بشكل فعال على موازين القوى بعد اجتياح الإرهاب لمساحة تقدر بثلث البلاد، وبدل عنها تحملت وطأة الحرب فصائل المتطوعين الذين استجابوا لنداء المرجعية. هؤلاء هم من لعب دوراً حاسماً في معارك تحرير مدن تكريت والفلوجة وسامراء وشمال بغداد وجرف الصخر ومساحات واسعة من الرمادي والموصل.
ومع ذلك، لم تستطع الولايات المتحدة السماح بأن يصبح الانتصار على داعش انتصارًا لتلك الفصائل وسندها الرئيسي إيران. لذلك أصرت القوات الامريكية على عدم مشاركة فصائل الحشد الشعبي في معارك عاصمة "الخلافة" - مدينة الموصل. أدى ذلك إلى تكبد القوات العراقية خسائر فادحة خلال الهجوم، الذي استمر من 16 أكتوبر / تشرين الأول 2016، لينتهي في يوليو / تموز 2017، على الرغم من الضربات الجوية المنتظمة لسلاح الجو الأمريكي.
لا يهم الامريكان حجم الخسائر التي يتكبدها العراقيون في معركة أخذوا على أنفسهم قيادتها، لذا أداروها بطريقة لا تأخذ بالحسبان، لا ألزمن ولا عدد الضحايا. كل هذا كان مدعاة للتفكير بأن البنتاغون لا يسعى لمغادرة العراق في القريب العاجل. ولم تغير من هذا الاستنتاج حقيقة أن مع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، تم الإعلان رسميًا عن انتهاء وجود الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. ولا بأس في أن نتذكر هنا بأن دونالد ترامب، الذي وصل إلى السلطة تحت شعار "كفى حروبًا"، أدلى بتصريح مماثل عندما تولى السلطة. لذلك، ليس من المستغرب أن بايدن، مثل ترامب، من غير المرجح أن يقرر انسحابا كاملا للقوات الامريكية من العراق، فهذا لن يسمح به اللوبي القوي المؤيد للحرب، والذي يستخدم لجني الأموال في الشرق الأوسط " حرب لها بداية وليس لها نهاية ".
وأخيرا، فمع أني أقف مع خيارات محددة أثبتت أنها الأمثل وفقا لتاريخ طويل، يمتد الى أواسط القرن الماضي، تعاملت فيه دول أخرى مع استمرار الوجود العسكري ألأمريكي على أراضيها، على أنه لابد من الإشارة الى أن ليس من مهام هذه المقالة اقتراح حلول لقضية شائكة يبدو فيها أن السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يرشح آليات وطنية تفرض على البنتاغون الانسحاب الكامل لقواته من العراق، هو التوافق الكامل بين مكونات الشعب العراقي وتوحيد الموقف من الاحتلال على أساس المصالح الوطنية تحديدا، وليس الحزبية أو الطائفية أو الاثنية، وهذا أمر صعب التحقيق في ظروف تنشغل فيها القوى السياسية التي أفرزتها المحاصصة بالصراع على السلطة واضعة نصب عينيها بالدرجة الأولى، المكاسب والخسائر السياسية التي يمكن ان تنتج عن بقاء أو انسحاب القوات الامريكية.