الناقص الاخلاقي في السياسة العراقية


سلام عادل
2022 / 2 / 1 - 21:56     

▪ما قيمة السياسي اذا كان بلا قيم ؟

صار يردد بعض السياسيين العراقيين بكثرة هذه الأيام مقولة تُنسب لرئيس وزراء بريطانيا المتوفي سنة (1965) ونستون تشرشل: "في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، هناك مصالح دائمة"، يرددونها على أنها من بديهيات العقل والمعرفة، وانها الترجمة العملية للسياسة، مع أن هذه المقولة محدودة ومحصورة في حدود الصراعات والعلاقات بين الدول، حين قالها صاحبها في أوقات حرب، ولا تعني جني المصالح والاستحواذ على المناصب بأي شكل كان داخل الدولة الواحدة.

وما يثير الاستغراب اكثر في الاوساط السياسية العراقية أن التنافس بين القوى السياسية صار يقوم على أساس التسابق في (السفالة)، حيث كلما صار السياسي منحطاً وعميلاً وفاسداً وكاذباً كلما صار يقال عنه سياسي ناجح، وهو حالة مرضيّة بلا أدنى شك، ومشوهة الى ابعد حد، لان السياسة منذ أن ظهرت وجرى التنظير لها كانت رديف الاخلاق، بحسب أرسطو الذي صنف السياسة من ضمن الاعمال الانتاجية الفاضلة، فالسياسة والأخلاق هما شيء واحد بالنسبة له بالنظر إلى أن هدفهما واحد، وهو اكتساب الفضيلة للوصول إلى السعادة، والسعادة عند ارسطو هي (الخير).

ولعلنا حين نقرأ في القرآن الكريم نجد أن كلمة (خير) قد ذكرت بحدود (180 مرة) بصيغة اسمية او كمصدر، حتى قيل إن (الخير) من الالفاظ المركزية في القرآن، وان معناها (عكس الشر) بكافة أشكاله ونوازعه "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"، ومن هنا وضع المؤسسون الأوائل للحركات الاسلامية متبنياتهم في العمل السياسي، ويقال إن حزب الدعوة الاسلامية حين التأسيس سنة (1957) قد بدأ حراكه السياسي من قوله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير".

ولكن واقع الحال هذه الأيام في العراق مرير جداً، حيث تبدو فيه متبنيات القوى السياسية على النقيض من الخير، وعلى الجانب البعيد عن الاخلاق، ويبرر لنا بعضهم هذا التوجه باتباع النهج البراغماتي، مع كونه يعرف أن (البراغماتية) مذهب غير اخلاقي في السياسة، وانها ليست المذهب الوحيد بقدر ما هي الأسوأ.

ولا احد يفرض على السياسيين في العراق تبني (البراغماتية)، مقارنة بمذاهب سياسية اخرى قد تكون اخلاقية اكثر، مثل مذهب علي ابن ابي طالب الذي يعتبر مؤسس المدرسة الاخلاقية في السياسة، والغريب أن من يتبنون البراغماتية اليوم يدعون وصلاً ونسباً بعلي ابن ابي طالب (عليه السلام) !!!، حتى صار احدهم، من السياسين الشيعة، يفتح أبواب النجف (مدينة مدارس الإمام) لمن هب ودب، ويستضيف فيها (الانفصالي) و (القمرچي) و (الارهابي) بحجة انهم (شركاء سياسيين) وأن المصالح السياسية تتطلب هذا النوع من التحالفات والشراكات مع هكذا أصناف من البشر.

ولست اعرف من قال إن المصالح لا تتحقق إلا من خلال شراكات مع (الاشرار) من الناس ؟!، في الوقت الذي نجحت فيه تجارب الجمع بين السياسة والاخلاق، وهي من ابرز نتاجات الفلاسفة العرب، من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا ومن ثم ابن رشد، الذين سعوا جميعاً لتبرير الجمع بين العقل والدين، وهي مباني تمظهرت في عصرنا الحديث من خلال نظرية (الجمهورية الإسلامية) التي أسسها الإمام الخميني سنة (1979)، الذي يعد امتداداً لمدرسة النجف، والذي تختصر تصوراته في مقولة شهيرة له: (ديننا سياسة، وسياستنا دين).

وفي اوربا اليوم، حيث تدور السياسة باشكالها المختلفة، لا تبدو فيها السياسة بهذا الشكل المنحط الذي نراه عندنا في العراق، فحتى البراغماتية لها حدود وعليها ضوابط، وهناك محاكم وسجون تتوعد الفاسدين من السياسيين مهما علا شأنهم وذاع صيتهم، وقد لا ينجو اكبر الرؤساء واكثرهم شهرة من الملاحقات في حال تخابر أو تخادم على حساب شعبه ووطنه، وحتى اسرائيل الكريهة لا تسكت عن السياسي الفاسد، لان لا قيمة لمن لا قيم له، هكذا هو الحال في السياسة او في غيرها.