في ذكرى رحيل كامل الجادرجي


فاضل عباس البدراوي
2022 / 1 / 31 - 22:18     

يوم الاول من شباط عام ١٩٦٨، توقف عن الخفقان قلب الزعيم الوطني ورائد الحركة الديمقراطية في العراق، الاستاذ كامل الجادرجي. رحل الجادرجي تاركا خلفه إرثا نضاليا خالدا في سفر نضال الشعب العراقي وحركته الوطنية الديمقراطية. منذ شبابه اواخر عشرينيات القرن الماضي انخرط كامل الجادرجي في العمل السياسي الوطني، متبنيا الديمقراطية منهجا في مسيرته السياسية التي دامت اربعة عقود تقريبا. انتمى لجماعة الاهالي التي شكلتها مجموعة من الشباب التقدمي المثقف، سرعان ما اختير قائدا لها للكريزما التي اتصفت بها شخصيته، استوزر في حكومة حكمت سليمان عام ١٩٣٦ لكنه استقال بعد أشهر قليلة من منصبه بعد ان وجد ان هناك تقاطع بين رؤاه ونهجه السياسي مع تلك الحكومة، حيث كان يصبو الى قيام نظام وطني ديمقراطي يلبي طموحات الشعب العراقي. اعاد اصدار جريدة صوت الاهالي عام ١٩٤٢ كرس معظم افتتاحياتها لفضح حقيقة الفاشية والنازية التي قال عنها انها لا تقل خطرا عن الاستعمار البريطاني. شكل مع عدد من زملائه السابفين في جماعة الاهالي الحزب الوطني الديمقراطي عام ١٩٤٦ واصبحت صوت الاهالي الجريدة الرسمية للحزب، وقف الجادرجي وحزبه الى جانب الإضرابات العمالية المطالبة بالحقوق المشروعة وانحاز الى جانب الطبقات الكادحة حيث كان ينادي بضرورة انهاء سيطرة الاقطاع على مساحات واسعة من الاراضي اضافة لنفوذه السياسي، ووقف بقوة مع الانتفاضات الشعبية ضد النظام الاستبدادي الرجعي واحلافه العسكرية، لقد سببت له تلك المواقف على تقديمه الى المحاكم لمرات عديدة وحوَّل تلك المحاكمات الى ساحات للدفاع عن مصالح العراق شعبا ووطنا. كان من ابرز المنادين باتباع سياسة الحياد الايجابي وسيادة منطق السلم في العلاقات الدولية، كان الفقيد مناصرا لحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة منددا بقيام نظام عنصري صهيوني على الاراضي الفلسطينية. كان الراحل الكبير لا يألو جهدا من اجل وحدة القوى الوطنية والديمقراطية، تزعم قائمة الجبهة الوطنية في انتخابات عام ١٩٥٤ التي فاز فيها مع عشرة من مرشحي الجبهة لكن نوري السعيد اصر على حل ذلك المجلس بعد شهرين على انتخابه حينما خاطب الوصي الذي كلفه بتشكيل وزارة جديدة انه لا يتحمل وجود ذلك العدد من النواب المعارضين في مقدمتهم الجادرجي. بالرغم من ايقاف نشاط حزبه واغلاق صحيفة الحزب الا انه واصل نضاله على الصعيدين الوطني والعربي بكل شجاعة وصلابة. عندما حصل العدوان الثلاثي على مصر عام ٥٦ كان على رأس وفد من الشخصيات الوطنية والقومية العربية في القاهرة من هناك ارسل رسالة احتجاج الى الملك بسبب الموقف المشين لحكومة السعيد من ذلك العدوان وعند عودته اودع السجن لمدة ثلاث سنوات. ساند ثورة ١٤ تموز لكنه رفض تولي اي منصب وزاري لكنه رشح اثنان من قياديي حزبه كوزراء في حكومة الثورة. كان الجادرجي يتوجس من العمل مع العسكريين بسبب تجربته السابقة، حيث ظل يطالب بضرورة انهاء فترة الانتقال بسرعة وقيام المؤسسات الدستورية، اثبتت الاحداث التي تلت ثورة تموز صحت استقراءه للاوضاع بسب انفراد العسكر بالسلطة.ان الحديث عن التاريخ الناصع لتلك الشخصية الفذة يطول.
وختاما اتساءل هل نال الجادرجي حقه في استذكار يليق بمكانته الوطنية وتضحياته الجمة في بلده الذي قدم الكثير من التضحيات له على حساب صحته وراحة عائلته وماله الخاص. أقول كلا شأنه شأن الكثير من الشخصيات الوطنية التي اجحدت بحقهم الانظمة المتعاقبة على الحكم وصولا الى النظام الحالي فلم يكلفوا انفسهم من تسمية ولو شارع صغير او مدرسة بأسم الجادرجي انه الجحود ونكران الجميل الذي اتسمت بها الانظمة في العراق.
تحية عطرة للجادرجي في ذكرى رحيله.