ايران وحزب الله والقضية الفلسطينية .. والمطالب الإصلاحية الداخلية الملحة


رضي السماك
2022 / 1 / 30 - 23:44     

أستطراداً لمقالي السابق "الشمولية وعبادة الزعامات العربية" رب قائل: بأن هذا ليس وقت نقد إيران وحزب الله، لئلايستفيد منه أعداء القضية الفلسطينية، وبضمنهم الأنظمة العربية المطبعة مع العدو الأسرائيلي، ورب معترض آخر على قولي بأن حكم الملالي وحزب الله متطفلان على القضية الفلسطينية،
ولعل من المفيد التذكير هنا بأن القضية الفلسطينية لطالما اُتخذت أولويتها شماعة لتأجيل قضايا وطنية داخلية ملحة لا تقبل التأجيل، بل وقد يلحق تأجيلها أبلغ الضرر بالقضية الفلسطينية نفسها حينما يضع الحكام أولويتها المزعومة ذريعة للالتفاف على حل قضايا المساواة والفساد والديمقراطية في بلدانهم. ولنا في النموذج الناصري المصري خير مثال على ذلك، فغداة هزيمة 1967 الكارثية رفع الرئيس جمال عبد الناصر شعار " لاصوت يعلو على صوت المعركة" في وجه المطالبين بالديمقراطية والإصلاح الجذري، وأستمر في الاعتماد على أجهزة الأمن والمخابرات لتوطيد أركان حكمه، وعاد لاعتقال أصحاب تلك الأصوات الإصلاحية من رموز اليسار، فكانت النتيجة أنه ورّث بمنهجه المنفرد في الحكم والقرارات المصيرية خلفه في الرئاسة صديقه اليميني الرئيس أنور السادات الذي أجهز بعد فترة قصيرة من توليه سدة الحكم على كل المكتسبات التقدمية الاجتماعية الإيجابية التي تحققت خلال الحقبة الناصرية، وانتهج سياسة يمينية للتقارب مع الولايات المتحدة وأدار ظهره للأصدقاء السوڤييت، ثم قاد حرب اكتوبر 1973 كحرب تحريك لا حرب تحررية بنفس صمودي ، بل وبعقلية تهادنية أستسلامية عند أي منعطف صعب خلال مسار الحرب يواجهه تراجع مع العدو الأسرائيلي(ثغرة الفرسوارنموذجاً) وأنتهى به المطاف إلى الصلح المنفرد مع العدو الأسرائيلي عام 1978، الذي لم يثمر سوى عن إعادة شبه جزيرة سيناء منقوصة السيادة وبشروط مذلة أخرجت مصر من حلبة الصراع العربي الأسرائيلي.
على أي حال فمن الأهمية بمكان في تقديرنا توضيح ثلاث نقاط مهمة :
الأولى : إن حزب الله هو في الأساس مشروع إيراني لإيجاد موطيء قدم لنظام الملالي في المنطقة العربية لتسويق أيديولوجيته لعلها تكون عابرة للطوائف براية فلسطينية، وبالتالي فلم ينطلق هذا المشروع - كما يتوهم كثرة من العرب- من غايات أخوية جهادية، ومن ثم فإن إرادة حزب الله -كحزب"مقاوم"، أو "حزب ممانعة" كما يحب أن يطلق على نفسه، مناصر للقضية الفلسطينية- إنما هي مرهونة بالكامل لطهران تبعاً لمصالحها وسياساتها في المنطقة لا لمصالح القضية الفلسطينية. لذا وللمحافظة على تكوينه الطائفي وإحكام سيطرته -أيديولوجياً - على مقاتليه بعقيدة قتالية مغلقة فإنه يستلهم ويستحضر معركة من غابر التاريخ الإسلامي(واقعة كربلاء )ويطابقها على قضية تحرر وطني لها خصوصيتها المعاصرة وتخص الشعب اللبناني بكل مكوناته، وذات شروط وسياقات راهنة مختلفة تماماً عن شروط وسياقات تلك المعركة، ومن هنا لم يأتِ عبثاً رفض قيادته المتكرر لطلبات قوى وطنية وفلسطينية الأنضمام إلى تشكيلاته "المقاومة" إبان الأحتلال الأسرائيلي للجنوب ، فهي حتى مع حالة الوهن التي أضحت عليها تلك القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية( بما تبقى لهذه الأخيرة من مقاتلين مجردي السلاح) إلا أنها لم تكن بأي من الأحوال معدومة القدرة على رفد حزب الله بمجاميع ولو متواضعة من المقاتلين المنتسبين لها.
الثانية: حينما يتبنى أي حزب"مقاوم" قضية شعبه الوطنية ويدعم ويناصر في الوقت نفسه القضية الفلسطينية بعقلية شعبوية شمولية فهو يضر القضيتين معاً ولا يسدي لهما دعماً، مهما كانت تضحياته وتشدقاته في هذا الصدد والتي ما أنفك يمن بها على شعبه، بوعي منه أو بدون وعي، علما أن الشعب اللبناني -بمختلف مكوناته وقواه الوطنية- هو الحاضن الأول لأي مقاومة شعبية أيا تكن رايتها الحزبية.
الثالثة: لا نتفق مطلقاً مع مقولة تأجيل النقد بذريعة لئلا يستفيد منه أعداء القضية الفلسطينية، لأن المستفيد الأول من تأجيله نظام الملالي نفسه وتابعه حزب الله، فحيثما اُتيحت الفرصة لنقد مظاهر الشمولية والشعبوية ومقت الرأي الآخر في حياتنا السياسية العربية يجب أنتهازها، بغض النظر عما إذا ألتقت مع سياسات ومصالح هذا الطرف العربي أو ذاك الطرف العربي، لأن التأجيل ينطوي على خيانة المسألة الديمقراطية التي ما برحت ألسنتنا تلوكها، إذ ينبغي على قوى المعارضة العربية الأتساق مع ما تطالب به أنظمتها من حقوق وديمقراطية في الداخل مع ما تعانيه الشعوب الاخرى في الخارج من أنظمتها الدكتاتورية والتي تطالب هي الاخرى بحقوقها الديمقراطية، كما هو الحال في الموقف الذي يمارسه نظام الملالي الايراني في تنكيله وبطشه بالقوى الوطنية والديمقراطية، ذلك بأن قوى المعارضة الوطنية العربية إنما تفقد في الواقع مصداقيتها في المسألة الديمقراطية إذا ما توهمت بممالأة طهران بصمتها عن جرائمها بحق شعبها مقابل دعمها وتأييدها المزعوم لقضية شعبنا العربي الفلسطيني!