كهربة البلد والخروج من فخ الغاز والنفط


حازم كويي
2022 / 1 / 30 - 15:25     

كلاوديا كيمفيرت*
ترجمة: حازم كويي


أعاد الارتفاع الحاد غير المعتاد في أسعار النفط والغاز والفحم في الأسابيع الأخيرة الجدل حول تحول الطاقة. سرعان ما أنتشرت كلمة "أزمة أسعار الطاقة" ، وظهر المنطق الملتوي واللوم.
حيث يلقي نقاد تحول الطاقة باللوم عليهم في ارتفاع الأسعار ويزعمون أن التحول إلى الطاقات المتجددة لا يمكن تحمله. يعلن البعض أن سعر ثاني أكسيد الكربون هو أصل كل الشرور ويدعون الآن إلى العودة إلى الطاقة النووية الأقل تكلفة والتي من المفترض أنها صديقة للمناخ. إنه العكس تماماً، للطاقة المتجددة تأثير في خفض الأسعار، سواءاً على تبادل الكهرباء أو بين الصناعة والمستهلكين.
حقيقة أن انتقال الطاقة ليس هو المشكلة، ولكن الحل واضح بالفعل من حقيقة أن جميع أولئك الذين يعيشون في منزل معزول جيداً، حيث الكهرباء والتدفئة المتولدة باستخدام الطاقة الشمسية، هذه التدفئة "الخضراء" لاتكون فواتيرها عالية، ونحو كذلك فواتير السيارة الكهربائية.
ويتعارض وضع السوق مع الأطروحة القائلة بأن الطاقات المتجددة والتغيير إلى زيادة كفاءة الطاقة هما المسؤولان عن زيادة التكلفة. وبدلاً من ذلك، فإن الوقود الأحفوري هو الذي يتسبب حالياً في ارتفاع الأسعار. إن سياسة الطاقة المٌضلِلة في السنوات القليلة الماضية والقوة الهائلة في السوق من خلال لاعبيها هي المسؤولة عن ذلك. لكن الأهم الآن هو فهم لحظة الأزمة كفرصة للتغيير. إن حماية المناخ التي تتم بشكل جيد لديها القدرة على خفض أسعار الطاقة، وفي النهاية تحفيز النمو الاقتصادي، حيث يتم إجراء الاستثمارات في أسواق مستقبلية مهمة. لهذا، يجب أن يحدث إنتقال الطاقة على الفور وبالكامل.
ولإرتفاع الأسعارالحالي ثلاثة أسباب رئيسية.
أولاً. أدى تخفيف كورونا هذا العام إلى إنتعاش الاقتصاد الذي يطلب المزيد من النفط عالمياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.
ثانياً. تمكنت الصين مؤخراً من إنتاج كميات أقل من الفحم بسبب اللوائح البيئية الأكثر صرامة في بلدها، وبالتالي يتعين عليها إستيراده من دول أخرى. هذا أيضا يزيد من سعر الفحم.
ثالثاً. من ناحية أخرى، تلعب روسيا دوراً حاسماً في ارتفاع أسعار الغاز. وبدلاً من تلبية الطلب المتزايد، خفضت موسكو صادراتها من الغاز. هناك أيضا حسابات سياسية وراء ذلك. من خلال تحفيز أعمال الغاز على المدى القصير، يعتزم الكرملين فرض إستكمال خط أنابيب الغاز الطبيعي (نورد ستريم 2)، من أجل تأمين قوته السوقية الخاصة في القارة الأوروبية على المدى الطويل.
حقيقة أن جمهورية ألمانيا الاتحادية تحت رحمة هذا الحساب،وهو يرجع أيضاً إلى أخطاء الماضي. تم بيع العديد من سعات تخزين الغاز إلى شركة غازبروم. تسيطر الشركة الروسية حالياً على حوالي ثلث مرافق تخزين الغاز الطبيعي في ألمانيا وهولندا والنمسا. تم إفراغ مرافق تخزين الغاز هذه بشكل كبير بشكل ملحوظ في الأشهر القليلة الماضية، مما يؤدي الآن إلى زيادة الطلب وإرتفاع الأسعار في هذا البلد. في البلدان الأخرى التي لا تمتلك فيها غازبروم أي منشآت لتخزين الغاز، تمتلئ هذه المرافق بالمستويات العادية.
كان من الممكن أن يؤدي التراكم الحكيم لاحتياطيات الغاز الوطنية إلى منع الأزمة الحالية وجعل إمدادات الطاقة المحلية مستقلة عن الاستراتيجيات الجيوسياسية. المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية أشارمنذ فترة طويلة إلى أنه من المنطقي بناء أحتياطي غاز وطني وأوروبي الآن، على غرار أحتياطي النفط الاستراتيجي. ومع ذلك، رفضت الحكومة الفيدرالية ذات اللون الأسود والأحمر(المقصود حكومة ميركل)السابقة هذا الطلب على الرغم من بعض الاقتراحات من الحزب الأجتماعي الديمقراطي فيما يتعلق بإمداد آمن مزعوم هذا الشتاء. قبل كل شيء، كان من شأن التوسع المستمر في الطاقات المتجددة أن يعزز استقلال ألمانيا عن سوق الطاقة العالمية. لذلك ينبغي النظر إلى الزيادات الحالية في الأسعار على أنها محرك للتغيير طويل الأجل ومستدام. يسعى الاتحاد الأوروبي جاهداً لتحقيق ذلك من خلال برنامجه "Fit for 55" الذي تم تقديمه في يوليو، ويهدف إلى تقليل إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 في المائة أقل من مستوى عام 1990 بحلول عام 2030.
هذا البرنامج شوكة في خاصرة الكرملين. من خلال أخطاء منطق السبب والنتيجة ، المنتشرة بذكاء في النقاش العام، يسعى حالياً إلى تحقيق هدف إبطاء سياسة حماية المناخ في الاتحاد الأوروبي.
الطاقة النووية كطريق خاطئ
في المقابل، الطاقة النووية التي أعيدت مؤخراً إلى الميدان بإسم حماية المناخ، لا تقدم أي مخرج، لا من أزمة تكلفة الطاقة الحالية ولا من أزمة المناخ. حيث تضغط فرنسا على وجه الخصوص من أجل إستثمارات مشتركة في الطاقة النووية داخل الاتحاد الأوروبي. لكن توسعها المتجدد، وتفكيك المفاعلات النووية في وقت لاحق، وقبل كل شيء التخزين اللاحق للنفايات المشعة لآلاف السنين، يثقل كاهلنا نحن والأجيال التالية بتكاليف هائلة.
فيما يتعلق بالسوق وحده، لا يوجد الكثير مما يمكن قوله عن التوسع في الطاقة النووية.
لا يمكن لأي بلد في العالم أن ينجح الاستخدام الاقتصادي للطاقة الذرية بدون إستثمارات حكومية واسعة النطاق. على العكس من ذلك، عادة ما يتبين أنها حفرة لا نهاية لها. في فنلندا على سبيل المثال، تضاعفت التكاليف ثلاث مرات أثناء البناء. قبل كل شيء، يستغرق الأمر حوالي 15 عاماً قبل التخطيط لبناء محطات الطاقة النووية الجديدة وبنائها وتشغيلها. إن الابتعاد السريع عن الوقود الأحفوري خلال السنوات القليلة المقبلة، هو أمر ضروري للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
في المقابل، الطاقات المتجددة متوفرة بجزء بسيط من التكلفة. إنهم يتجنبون الصراعات الجيوسياسية ويعززون مرونة إمدادات الطاقة والاقتصاد ككل. بدلاً من قبول التكاليف الهائلة وفترات البناء الطويلة، ينبغي الاستثمار في الطاقات النظيفة وكفاءتها. يشمل هذا الأخير أيضاً تجديد البناءالنشط بالإضافة إلى تعزيز التحول المروري.
كل هذا يدل على أن الإجابة الصحيحة الوحيدة لأزمة الطاقة الأحفورية هي التحول المتسارع للطاقة. إن خفض دعم الوقود الأحفوري من شأنه أن يضع عبئاً أكبر على جميع أولئك الذين لديهم بصمة كربونية كبيرة نسبياً، ووفقاً لأوكسفام، فإن هذه تشمل قبل كل شيء القطاعات الأكثر ثراءاً من السكان. وبالتالي، فإن الحماية الذكية للمناخ يمكن أن تخلق المزيد من العدالة الاجتماعية. مشكلة تسعير ثاني أكسيد الكربون، وهو أداة مهمة لتحقيق الأهداف المناخية لأنه يعكس "التكاليف الإضافية" للطاقات الأحفورية الناجمة عن تأثيرات تغير المناخ، هي أن الزيادات الناتجة في الأسعار تضع عبئاً غير متكافئ على المستهلكين. بينما يمكن لأصحاب الدخل المرتفع تعويض ذلك بسهولة،حيث يشعر الأشخاص ذوو الدخل المنخفض بوضوح بارتفاع التكاليف في الحياة اليومية. لذلك فإن سداد نصيب الفرد من تسعير ثاني أكسيد الكربون أمر ضروري من أجل إعفاء الأسر ذات الدخل المنخفض على وجه الخصوص.
الكهرباء هي الزيت الجديد.
لا يزال من الممكن عدم تجاوز نقاط التحول المناخية التي لا رجوع فيها. و نظراً لوجود القليل من الوقت لذلك، لا يُسمح بمزيد من الاستثمارات في الطاقات الأحفورية - سواء كانت الفحم أو النفط أو الغاز.
بدلاً من ذلك، يتعين علينا تعزيز الطاقات المتجددة بشكل أسرع وأكثر إتساقاً من ذي قبل. وبعد ست سنوات من توقيع أتفاقية باريس، وأربعين عاماً من صدور التقارير المناخية العلمية الأولى، فإن الأمور تتحرك، وإن كان ذلك لا يزال بطيئاً للغاية.
في ألمانيا، ونتيجة الانتخابات الفيدرالية الأخيرة أتفقت الاحزاب المؤتلفة، التي تشكلت من (الديمقراطي الأجتماعي والخضر والليبرالي الديمقراطي)على ورقة أعدتها للتوسع السريع في الطاقات المتجددة بشكل عام، ومع ذلك فإن الطموحات ليست بدرجة كافية ولا يزال من غير الواضح كيف سيتم تحقيق الأهداف الواردة في الورقة. على الرغم من أن أعضاء التحالف يعيدون تأكيد إلتزامهم بالامتثال لتخفيض الحرارة الى1.5 درجة، إلا أنهم لا يُحددون كيفية تخفيض ثاني أكسيد الكربون والتدابير المتخذة لتنفيذ ذلك، فهناك ثغرات ملحوظة في قطاع النقل، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعزيز السكك الحديدية والنقل العام المحلي والتنقل الكهربائي.
علاوة على ذلك، فإن مسألة كيفية تمويل الاستثمارات الضرورية لم يتم حلها على الإطلاق. هناك شيء واحد مؤكد، الامتثال لفرملة الديون بدون زيادة ضريبية سيقلل بشكل كبير من نطاق الاستثمارات الضرورية في سياسة المناخ.
هناك أمران ضروريان:
أولاً، في العام المقبل، حيث فرملة الديون لازالت معلقة، يجب وضع صندوق مستقبلي لحماية المناخ بالائتمان. بمعدلات فائدة منخفضة والحاجة كبيرة، يجب إستثمار 50 إلى 80 مليار يورو سنوياً في توسيع وتقوية البنية التحتية للطاقة والنقل وكذلك في الرقمنة. يجب أن يضم مثل هذا الصندوق 300 مليار يورو على الأقل، ليقدم مصدراً هاما للاستثمارات المستقبلية. نظراً لانخفاض أسعار الفائدة وتعزيز الاقتصاد، يمكن توقع خفض الديون خلال عقدين من الزمن.
ثانياً، في قطاع النقل على وجه الخصوص،يتوجب إلغاء الإعانات الضارة بالبيئة الذي طال إنتظاره، بدءاً من الإعفاء الضريبي على الديزل، ونقص الكيروسين وضريبة القيمة المضافة على الرحلات الدولية إلى إمتيازات السيارات الخاصة بالشركات وبدل الركاب. الذين يخلقون المثبطات،الذي يتوجب إيقافهم بشكل عاجل. فامتياز أصحاب السيارات الخاصة بالشركات على وجه الخصوص ليسا فقط ضاران بالمناخ، ولكنهما أيضاً ظالمان اجتماعياً.
الالتزام بوقف إزالة الغابات، أو بدء عملية التخلص التدريجي من الفحم العالمي أو تقليل انبعاثات غاز الميثان. كل هذه إشارات مشجعة، ولكن المهم هنا قبل كل شئ هو الالتزام بالتنفيذ السريع.
من الجيد أن تكون حماية المناخ أخيراً على رأس جدول الأعمال السياسي. لا تكفي الطموحات وعدم التنفيذ، لتجنب المزيد من حروب الأسعار وفقر الطاقة، ناهيك عن تحقيق قرارات أتفاقية باريس للمناخ. وحتى هذه ليست طموحة بما يكفي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين أو حتى 1.5 درجة. سيتطلب هذا خفض الانبعاثات بنسبة 80 في المائة بحلول عام 2030 وابتعاداً تاماً عن الوقود الأحفوري.
إذن ما نحتاجه هو إنتقال سريع إلى إمدادات طاقة نظيفة ومتجددة مائة بالمائة. تشمل مصادر طاقة الرياح البرية والبحرية، والخلايا الكهروضوئية على الأسطح، والطاقة الشمسية المركزة، والطاقة الحرارية الشمسية لتوليد الحرارة، والكهرباء الحرارية الأرضية ، والطاقة الكهرومائية الحالية، وطاقة المد والجزر والأمواج. أصبح من الممكن توفير الكهرباء الكاملة لجميع المجالات تقريباً، لحركة المرور والتدفئة والطهي، وأخيراً وليس آخراً، الصناعة.
نظراً لكون الطاقات المتجددة أكثر كفاءة بكثير مقارنة بالطاقة الأحفورية والنووية، يمكن للكهرباء الكاملة أن تقلل من متطلبات الطاقة الأولية بأكثر من 50 في المائة ، حتى لو زاد في نفس الوقت الطلب على الكهرباء بشكل كبير.
تظهر العديد من الدراسات، أن الإمداد الكامل بالطاقات المتجددة بنسبة مائة بالمائة يؤدي إلى انخفاض تكاليف نظام الطاقة مقارنة بالإمداد بالطاقة التقليدية. يمكن أيضاً أن يتميز عالم الطاقة الجديد بمزيد من اللامركزية والمرونة والذكاء، حيث يشارك كل فرد في إنتقال الطاقة، على سبيل المثال، إذا كان ينتج الطاقة من خلال الأنظمة الشمسية أو محطات الطاقة والتدفئة الخاصة به، ليوفر تخزيناً للبطاريات عبر سيارة كهربائية.
ومع ذلك، فإن هذا يتطلب شجاعة سياسية ومضاعفة معدل التوسع الحالي أربع مرات. نحن بحاجة للطاقة الشمسية على جميع الأسطح والمزيد من طاقة الرياح. وللقيام بذلك ذلك يجب إزالة حواجز السوق، وتبسيط إجراءات الموافقة، وتعيين المناطق المناسبة وتجديد الأنظمة القديمة في أسرع وقت ممكن. باختصار، يجب على تحالف الحكومة الألمانية الجديدة، السعي بحزم وبكل قوة من أجل الإمداد الكامل من الطاقات المتجددة. من ناحية أخرى، إذا أستمرالحال كما كانت من قبل، فسيتم إستنفاد ميزانية الانبعاثات لدينا في غضون سبع سنوات. سيكون ثمن التكيف مع الاحتباس الحراري والأضرار التي يسببها أعلى بكثير للجميع،و في كافة أنحاء العالم.
*كلاوديا كيمفيرت: خبيرة أقتصادية ألمانية في مجالات أبحاث الطاقة والحفاظ على البيئة.