هل نحن شعب ميّت ؟!


عارف معروف
2022 / 1 / 26 - 12:57     

--------------------------

عبارة " عفا الله عما سلف " التي اطلقها وزير التجارة السعودي ، ضمن كلمته في ملتقى التنسيق السعودي العراقي والتي اعرب فيها عن صَفحِهِ وصَفح السعوديين عما ارتكبه العراقيون ومسامحتهم عن سلوكهم السابق ، تصدر كما لو كان العراقيون ، بالفعل ، هم الذين ارتكبوا، وخططوا وجندوا ، ودعموا ، ونفذوا الاف الجرائم التي طالت دماء الاف الابرياء من العراقيين عبر الاف التفجيرات والمفخخات والانتحاريين التي لم تسلم منها مدينة عراقية والتي اعترف بها وبضحاياها وزير الداخلية السعودي في فديو موثق ومنشور !
وهي ليست هفوة ، ولا غلطة مما يمكن ان يرد في سياق الكلام المرتجل عفوا ، ولا هي دليل على جهل او حماقة هذا الوزير ، وانما هي دليل على مدى الاستعلاء والعنجهية والخيلاء التي ينظر من خلالها النظام السعودي ويتعامل بها مع من يراهم ضعفاء ومحتاجين لعفوه وعطفه وكرمه ، وهي نفسها ، نظرة وطريقة وعبارات الخلايجة جميعا ، والتي وردت ، بالمضمون ذاته ولكن بعبارات اخرى ، اكثر انحطاطا ، على لسان وزير كويتي مع اللبنانيين !
لماذا هذا الاستعلاء وهذه المكابرة وهذا الدوس بالاحذية على الرؤوس وهذا الهدر للكرامات ؟!
لانهم يرون انفسهم ، سواء في لبنان او في العراق او اي مكان آخر مشابه ، امام ثلة بلا كرامة تدّعي انها تمثل الشعب وتستجدي لجيوبها باسمه وهي حريصة اشدّ الحرص على رضا هؤلاء الاجلاف باي ثمن !
فاذا كان بعض اللبنانيين الرسميين ، وحاشى الشعب اللبناني البطل والمقاوم ، يلتمسون العذر لتوددهم للسيد البدوي الجلف بحجة لي ذراع لبنان الفقير اقتصاديا وحاجته للمال الخليجي ، فما هي حجة اشباههم العراقيين والعراق كله ثروات ؟!

من يتذكر خشية السعوديين والخلايجة وتوددهم للراحل عبد الناصر وصغارهم امامه رغم تناقضهم معه وعدائهم المستحكم له ؟ !

من يتذكر صغارهم امام شاه ايران وتقبيلهم الأكف في حضرته ؟!

بل من يتذكر كيف اعادهم صدام حسين بطائراتهم الى عواصمهم للحصول على تفويض فوري في التوقيع على قرارات قمة بغداد 1978 وكيف عادوا بذل ومسكنة ؟!

ولا اعتقد ان احدا نسى ، فلم يمضي طويل وقت بعد ، كيف جاء ترامب الى السعودية واخذ منهم 400 مليار دولار " كاش " بل وجعلهم يرقصون له العراضة مع عجز مليكهم الظاهر عن الحركة ثم لم يكتف بذلك بل شتمهم وعيّرهم على رؤوس الاشهاد !!

اعرف ان الفقيد عبد الناصر شيء والشاه شيء آخر وصدام حسين شيء ثالث وكذلك ترامب ، وان لا رابط من شخصية او اعتبار او فكرة او مسار بين هؤلاء ، لكنني اريد ، هنا ، التركيز على جانب واحد فقط وهو : القوّة ، نعم القوّة والتهيّب الذي تفرضه والتي اعتقد انها الشيء الوحيد الذي يحسن الامراء السعوديون والخلايجة التعامل معه !

من اين تأتي القوّة والمهابة ؟؟

أمِنْ صعاليك تافهين يُفرضون على الشعب ويوضعون في اعلى المناصب بلا سعي ولا تاريخ ولا كفاءة ؟!

أَمِنْ لصوص وانتهازيين جاءت بهم الصدفة ودعمهم الخلايجة بمليارات الدولارات ليصبحوا زعماء طوائف ؟
ان امثال هؤلاء موجودون في كل عصر ومصر وانتهازهم للفرص من اجل التسلق وبيعهم للكرامات ، بل ولكل قيمة انسانية خيّرة ، في سبيل المصلحة الذاتية موجود هو الاخر في كل مجتمع ...فلا تعويل عليهم ولا عتب ، انما التعويل على الشعب ، على المجتمع ، على مثقفيه وقادة الرأي والفكر الحقيقيين فيه ، على شبابه الواعي ... الذين يسكتون ، وياللاسف ، عن كل هذه المهازل ويزدردون كل هذه الاهانات ، ناهيك عن قبولهم التفريط بحقوقهم واموالهم وتفويض كل من هب ودبّ بالتصرف فيها وبعثرتها كيف يشاء ولمن يشاء وساعة يشاء وهم في خصاصة وبؤس ! ولكم في انبوب نفط البصرة الذي يذهب الى الاردن ومصر بلا موجب ويتعين ان يتحمل كلفته العراقيون ، يعني " فوك كذا جيلة ماش " ، كما يقول المثل العراقي الدارج !
الواقع ان القوّة الحقيقية والمهابة الجديرة بالاعتبار ، لاي بلد ومجتمع ، تاتي من شعبه الحيّ. من تَمَثلُه واحترامه لتاريخه ومضامينه . من مؤسساته وثقافته ومدى رصانتها ، ومن اقتصاده وكفايته ، التي تعزز شعوره بالانا وتنمي احترامه لذاته ، وتقوي حرصه على مصالحه وامواله ، وحرصه على التعبير عن ارادته تعبيرا سليما وفرضه لكرامته واعتباراتها حتى على من يُفرض عليه من " قادة " وحاكمين باية قوة خارجية متسلطة، وقبل كل هذه الاعتبارات التي هي بناءات وتنمية ليست سهلة ولا بنت يوم وليلة ، قبل كل هذا من شعوره بالحياة والحرية ..... فهل نحن شعب ميّت وامة من العبيد ؟!