فقراء الطوائف المنتفضون وقود مشاعل الثورة


حسن خليل غريب
2022 / 1 / 26 - 01:31     

تعريف الفقير في لبنان:
ينطبق التعريف أدناه على شتى فقراء الطوائف والمناطق، وعلى أساسه ينقسم الشعب اللبناني، في هذه المرحلة، إلى شريحتين اجتماعيتين: شريحة الموسرين. وشريحة الفقراء، والأشد فقراً.
إن شريحة الموسرين، هي الطبقة الغنية تاريخياً من أرباب الأعمال وورثة النظام الطائفي السياسي أباً عن جد، والنيو - موسرين الذين ركبوا موجة الطائفيين من جهة، وأمراء الطوائف من ورثة الميليشيات التي عاثت في حرب السنتين تخريباً ونهباً وخوَّات، ،.
وإن شريحة الفقراء، هم أبناء من كانوا يشكلون (الطبقة الوسطى)، باستثناء من ارتشى منهم أو سرق ونهب. هؤلاء الذين تدنَّت رواتبهم إلى مستوى الفقراء بعد أن نهب أمراء الطائف وتابعوهم موازنات الدولة بالنصب والاحتيال.
والشريحة الأشد فقراً، هم من الفقراء السابقين، الذين كانوا يتقاضون الحد الأدنى للأجور من جهة، ومن العاطلين عن العمل من جهة أخرى.
أدَّى هذا التقسيم الطبقي، إلى انقسام عامودي بين الفقراء وبين أمراء أحزاب السلطة الأكثر غنى وتابعيهم من الفقراء المضلَّلين، ومنه راحت الفجوة تزداد، والنقمة تنتشر، والنفوس تنفجر.
وإن أكثر تابعي أحزاب السلطة من الفقراء، لم يقتنعوا حتى الآن بأنه من حقهم أن يعيشوا بكرامة من دون أمراء طائفيين؛ أو من المقهورين الذين يوهمهم أولياء السلطة أن رغيفهم مِنَّة منهم. وعلى الرغم من كل ذلك، أخذ البعض منهم يكتشف الكذب في مزاعم أوليائهم، فراحوا يبطنون الغضب، وهي الخطوة الأولى التي ستؤدي إلى انفجارهم. وسوف يكون الانفجار مدوِّياً كلما تقلَّص حجم المساعدات التي تغدقها سفارات الخارج عليهم.
وعلى العموم فقد كسر المؤسسون للثورة حاجز الخوف، خاصة بعد أن أدركوا كم هو خطير تحالف أمراء الطوائف السياسيين، مع أمراء المؤسسات الدينية. وإذا كنا نرفع تحية الإكبار لرجال الدين، على قِلَّتهم، الذين تمرَّدوا على مؤسساتهم وأعلوا صوت الفقراء، فإن الآخرين منهم قد انكشفوا أمام شريحة واسعة من الجماهير الفقيرة والأكثر فقراً. ولذلك فقد أخذت تتعالى أصوات الناقمين لتصرخ في وجه أقطاب التحالف المتواطئ على خبز الفقراء هاتفين:
يا أحزاب السلطة في لبنان، وتجار الدين، وتجار الاقتصاد.
يا من جلبتم الكوارث على شعب كان آمناً في الحدود الدنيا من المذلة والإهانة.
كلكم من جميع الطوائف ومن جميع المناطق، فرداً فرداً.
يا من توزعتم الأدوار باسم طوائفكم.
يا من تتشاركون في الغنم وجني الأرباح وتتبرأون من الغرم. وتنفون الجريمة عن أنفسكم، ويضعها البعض منكم في رقبة البعض الآخر.
بدلاً من أن تجلبوا الفرح للبنانيين، فقد جلبتم المناحة إلى بيوتهم. والمناحة ستزداد نقمة.
إنكم بدلاً من أن يدفع كل أمير، بكونه مسؤولاً عن رعيته، غائلة الجوع والمرض. فقد أثخنتموهم بالجراح. وأتخمتم جيوبكم بالسرقات وأكثرتم منها. لقد عمَّ الشبع جيوبكم حتى التخمة. بينما شاع الجوع والمرض والجهالة والبطالة بين الأكثرية الساحقة ممن تزعمون حمايتهم.
وإذا كان هذا الواقع مُرَّاً، فإن الأمرَّ منه هي مشهدية رجال الدين، من شتى الأديان والمذاهب، وذلك لأنهم يُمثِّلون الله على الأرض، كما يزعمون. ورسالتهم أن يبشِّروا بالعدل والمساواة بين بني البشر، ولكنهم يفعلون العكس من كل ذلك.
-من صلَّى منهم لقيامة السيد المسيح المخلِّص، فقد غرسوه في قلوبنا، ولكنهم نجحوا بتمويت المسيحيين قهراً وظلماً وجوعاً ومرضاً. وهم بذلك أحيوا المسيح، وأماتوا المسيحيين. فشتَّان بين ما دعا إليه، وبين ما يرتكبون باسمه من جرائم.
-ومن صلى منهم على النبي محمد، فقد عاش محمد في قلوبنا وضمائرنا، ومات المحمديون على أيدي من يتاجرون باسمه. فشتَّان بين ما دعا إليه، وبين ما يرتكبون باسمه من جرائم.
-ومن صلى منهم على (محمد وآل محمد)، فقد عاش الإمامين عليٌّ والحسين في ذاكرة البشرية، ومات الحسينيون من الذلة، والكثير من الذلَّة. فشتَّان بين ما دعا إليه، وبين ما يرتكبون باسمه من جرائم.
-ومن كلَّف نفسه من أمراء الطوائف بحماية أبناء طائفته، فقد عاشوا بالنعيم؛ ومات أبناء الطوائف على أبواب المستشفيات، وعلى أبواب الأفران. وماتوا برداً، ولكن بدون سلام.
وإذا كان تاريخ أكثر رجال السياسة مملوءاً بالجرائم والكذب على الناس، فما بال الكثير من رجال الدين منكم، خاصة أنهم زعموا أنهم الساعد الأيمن للفقراء، يخاطبكم فقراء لبنان متسائلين:
-إذا كان الصبر على الفقر يؤدي إلى الجنَّة، كما ترتفع أصواتكم وأنتم ترشدون الناس في بيوت الله؛ فما بالكم لا تتخلون عن امتيازاتكم وتكدسون الأموال والأملاك، التي جمعتموها من أجل الفقراء والمحتاجين وذوي السبيل ورحتم تنعمون بها على أنفسكم وأولادكم؟
-هل يمكنكم أن تتخلُّوا عن طوابير سياراتكم الفارهة والأحدث طرازاً؟ وهل تتخلون عن العيش بدونها في الوقت الذي يحلم فيها الفقراء بدراجة هوائية، أو حتى بحذاء يقيه شر الغبار خوفاً من أن يتسرب إلى قدميه العاريتين في الصيف. أو خوفاً من أن يتسرب إليهما مياه الشتاء؟
-هل تتخلون عن منازلكم الفخمة، في الوقت الذي يتمنى فيه الفقراء كوخاً من التنك لكي يقيهم قسوة حرارة الصيف، وقرًّ الشتاء؟
-وهل تتخلون عن جزء من موائدكم الدسمة، في الوقت الذي يشتهي فيه الفقراء بعضاً من فضلات موائدكم التي تلقونها في حاويات القمامة؟
إن المؤسسات السياسية المتحالفة مع المؤسسات الدينية، في هذا النظام الطائفي السياسي العفن، لن يلوثوا آذانهم بالاستماع إلى فقير، أو أن ينظروا إلى جائع، أو يتأوهوا مع مريض يشكو من الألم، كل ذلك خوفاً من أن يضعف نسيج هذا النظام الحاكم الذي يرتكب الجرائم بحق الفقراء.
ولأننا نعلم ذلك، فلن ندعو الفقراء إلى أن يكسروا رؤوسهم بجدران من صوان، بل ندعو من يلتزم بوعود أحزاب السلطة الكاذبة ويصدِّق إرشادات رجال الدين الذين يدافعون عن تلك الأحزاب، أن ينخرطوا في صفوف الكافرين بكل معالم النظام الطائفي السياسي. أولئك الكافرين الذين انكشف أمامهم زيف رجال السياسة منهم؛ كما انكشف أمامهم زيف إرشادات رجال الدين من التابعين، وتابعي التابعين. وعليهم جميعاً أن يعلموا بأن الله لا يحجب الرزق عن البشر، بل إن من يحجبه عنهم هم ممن يكدسون الأرزاق باسم الدين والطوائف.
ولأننا نعلم أن مربط خيل أحزاب السلطة ليست معلَّقة بآلام الشعب، بل مربطها خيلها مرتبط بذنب قوة خارجية تستثمرهم في مخططاتها المشبوهة. ندعو إلى الصراخ في آذانهم الصماء، ونكشف أمام عيونهم العمياء، لنكشف الغطاء عن جرائم من قتلوا الفقراء وساروا باكين في جنازتهم، لعلَّ تشع منها أنوار الثورة، وإن إشعاعها ليس ببعيد. لأن الثورة آتية لا ريب فيها ولو كره أرباب أحزاب السلطة، وكل من يدافعون عنهم، سواء كان باسم التجارة بالاقتصاد، أم كان باسم الدين.