شيطنة الطبقة العاملة . الجزء الأول


عبد الحسين سلمان
2022 / 1 / 24 - 20:02     

 إنّ البرجوازية تُنتج، قبل كل شيء، حفّاري قبرها. فانهيار البرجوازية , وانتصار البروليتاريا، أمران حتميّان …..البيان الشيوعي .

نعني بالبروليتاريا طبقة العمال الأجراء العصريين، الذين يُضطرون، نظراً لعدم أمتلاكهم لأي وسيلة إنتاح، إلى بيع قوة عملهم ليتمكنوا من البقاء في الحياة (ملاحظة إنجلس للطبعة الإنكليزية للبيان الشيوعي عام 1888).

مقدمة عن البروليتاريا proletariat و الطبقة العاملة working class .

هل هما مفهومان مختلفان لحقيقة واحدة, بحيث يكون مفهوم البروليتارية مفهوم فلسفياً أكثر من الثاني , والثاني مفهوماً إجماعياً sociological , أكثر من الأول .
( سيرج ماليه Serge Mallet 1927-1973 , عالم أجتماع فرنسي ) , يعتبر أن مفهوم البروليتارية يختلف عن مفهوم الطبقة العاملة . فالطبقة العاملة مصطلح أجتماعي sociological , وهو بهذه الصيغة مصطلح معقد و متعدد الأشكال , أن الطبقة العاملة المتجانسة من حيث التخصص ومستوى الدخل و الموقع في الإنتاج , لم تولد بعد . إما البروليتارية فقد حددتها النظرية الماركسية بوصف دقيق يقوم على ثلاث سمات:
أولاً : البروليتارية هي نتاج التنظيم الصناعي للعمل , بحيث لا يكون لوجودها أي معنى خارج هذا الإطار.
ثانياً : البروليتارية منتجة لقيمة زائدة او فائضة.
ثالثاً: البروليتارية محرومة من الاطمئنان على الاستمرار في العمل.

في الكتب, الثاني و الثالث والرابع , من رأس المال, غابت كلمة البروليتارية وحل محلها عبارة ( الطبقة العاملة working class ) .
في نصوص الأممية الشيوعية الأولى IWA 1864-1874 , فأن الغلبة فيها كان لمصطلح ( العمال ), حتى أن أسم الأممية الأولى , يحتوي على كلمة Arbeiter الألمانية , و Worker الإنكليزية وتعني العمال.
أن ماركس كان دائماً يكتب كلمة البروليتارية بالفرنسية prolétariat.

نشر الموقع اليساري https://libcom.org/ , مقالاً بعنوان: Demonology of the working class

وقد ترجم ( منير بعلبكي ) كلمة Demonology إلى:
دراسة الشياطين و العفاريت أو المعتقدات المتصلة بها , الأيمان بالشياطين و العفاريت.
وترجمنا هذا المقال بتصرف :
Demonology of the working class

كتب إنجلز رسالة إلى كاوتسكي بتاريخ 12.09.1882.
ورد في الرسالة ما يلي:
يجب أن تتكفّل البروليتاريا مؤقتا بالبلدان المخضعة، التي تقطنها شعوب أهلية، كالهند والجزائر، والمستعمرات الهولندية والبرتغالية والاسبانية، وتقود هذه البلدان إلى الاستقلال بأسرع ما يمكن . أما كيف ستتطور هذه العملية، فأمر يصعب تحديده. وقد تقوم الهند بثورة، لا بل إن ذلك محتمل جدا. وبما أن البروليتاريا وهي تتحرر لا يمكن أن تشنّ حربا استعمارية، سنضطر لترك ذلك يأخذ مجراه، ولن يخلو الأمر بالطبع من شتى أصناف التدمير، لكن أمورًا من هذا القبيل إنما هي ملازمة لكلّ الثورات. وقد تجري السيرورة نفسها في أماكن أخرى أيضاً: مثلاً في الجزائر وفي مصر، وسيكون ذلك، بلا شكّ، الحلّ الأمثل بالنسبة لنا. وسيكون لدينا ما يكفي لنفعله في بلداننا. هذا وحالما يعاد تنظيم أوروبا وأمريكا، ستشكلان قوة من الضخامة والقدوة لدرجة أن الشعوب نصف المتحضرة ستحذو حذوهما من تلقاء نفسها، فالحاجات الاقتصادية وحدها كفيلة بدفعها إلى ذلك. أما مراحل التطور الاجتماعي و السياسي التي يجب أن تجتازها هذه البلدان حتى تحقق بدورها بنية اشتراكية، فلا يمكن اليوم بنظري أن نضع بشأن ذلك غير فرضيات لا طائل تحتها. أما الأمر الأكيد الوحيد فهو أن البروليتاريا الظافرة لا يمكن أن ترغم شعباً أجنبياً أياً كان على السعادة، بدون أن تنسف الظفر الذي حققته. …...

إنجلز هنا يؤكد على أن مسألة أستقلال المستعمرات متوقفة على قيادة البروليتاريا في الدول الأستعمارية.

1. في أعقاب قمع كومونة باريس ، وصف الأناركي ميخائيل باكونين (البروليتاريا العالمية) بأنها :
الشيطان الحديث ، الثائر العظيم - المهزوم ، الذي لم يهدأ.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها الجانب الشيطاني للبروليتاريا الحديثة ... كتب تشارلز بودلير (أبتهالات الشيطان Litanies of Satan ) أثناء انتفاضة 1848 ، التي شارك فيها مع كثيرين آخرين.
واختتم أبتهالاته بدعاء للشيطان :
المجد والثناء لك، أيها الشيطان،
في أعالي السماء، حيث هيمنت،
وفي أعماق الجحيم، حيث تحلم مهزوما، في صمت!
فلتؤِّمن لروحي أن ترقد بجانبك،
ذات يوم، تحت شجرة المعرفة، ساعة أن تمد أغصانها.
على جبينك مثلما على معبد جديد!

حلل ( والتر بنجامين WBenjamin ) هذه القصيدة في كتابه The Paris of the Second Empire in Baudelaire (1938):
لا ينبغي أن تؤخذ عبادة بودلير الشيطانية على محمل الجد. إذا كان لها أي أهمية حقيقية ، فهي بمثابة الموقف الوحيد الذي تمكن فيه بودلير من الحفاظ على موقف غير ملتزم لأي فترة زمنية. بين الطبقات العليا كان السخرية جزء من الأسلوب المقبول. في الطبقات الدنيا ، كانت الشجاعة المتمردة هي القاعدة.
كان بودلير على دراية تامة بهذا الجانب المزدوج للشيطان. لم يتحدث الشيطان معه عن الطبقة العليا فحسب ، بل تحدث أيضًا عن الطبقات الدنيا.

2. من أكثر الاتهامات شيوعًا الموجهة إلى الماركسيين أنهم ، على الرغم من كل ادعاءاتهم الإلحادية ، يحتفظون بإيمان شبه ديني في الدور الثوري لديكتاتورية الطبقة العاملة.
لاحظ الناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت Roland Barthes في عام 1951:
لقد أصبح الحديث عن الماركسية كما لو كانت كنيسة أمرًا إلزاميًا تقريبًا .
كان بارت يراجع كتابًا للمؤلف السريالي روجر كايليس Roger Caillois ، والذي تم إصداره للتو ، ولقد ازداد استخدام هذه الاستعارة مع مرور الوقت.
بعد سنوات قليلة فقط من نشر مراجعة بارت ، خرج المفكر ريموند آرون Raymond Aron بكتاب بعنوان أفيون المثقفين (The Opium of the Intellectuals (1955)).
قال آرون ساخرًا:
في علم الأيمان بالآخرة الماركسية Marxist eschatology ، تأتي البروليتاريا في دور المنقذ الجماعي ... أي الطبقة المنتخبة من خلال المعاناة من أجل خلاص البشرية.
من المؤكد أن بعض المفردات التي يتبناها الماركسيون , على سبيل المثال : البدع ، والعقيدة ، والطوائف ، والأرثوذكسية ، والانقسامات,….الخ
فأنها مستعارة بوضوح من النزاعات اللاهوتية. علاوة على ذلك ، يبدو أن المقالات التي أدلى بها الشيوعيون السابقون ( وهم : لويس فيشر وأندريه جيد وآرثر كويستلر وإيجناسيو سيلون وستيفن سبندر وريتشارد رايت Louis Fischer, André Gide, Arthur Koestler, Ignazio Silone, Stephen Spender, and Richard Wright) في بعض الأحيان تضفي مصداقية على هذا الرأي , و المقصود هنا هي مجموعة المقالات الشهيرة عام 1949 بعنوان "الإله الذي فشل" The God that Failed لإثبات هذه الحقيقة.

في كتابه أندريه غورز André Gorz
The Working Class According to Saint Marx ,
خلص غورز André Gorz إلى أن :
الارثوذكسية والدوغمائية والتدين ليست سمات عرضية للماركسية ، لأن فلسفة البروليتاريا هي دين.
في الآونة الأخيرة ، اعترف تي جيه كلارك TJ Clark في كتابة ( Farewell to an Idea: Episodes from a History of Modernism 1999 ):
يقول كلارك ساخرًا:
إذا لم أستطع الاحتفاظ بالبروليتاريا بأعتبارها أسرتي بعد الآن ، فستظل الرأسمالية على الأقل شيطاني .

3. كتب ماركس في العائلة المقدسة 1844 :
عندما ينسب الكتّاب الاشتراكيون الدور البطولي للبروليتاريا , فلا يعنى هذا , كما يزعم النقد النقدي, أنهم يعتبرون البروليتاريون آلهة . ...أن البروليتاريا تستطيع أن تحرر نفسها , ويجب أن تحرر نفسها, ولكنها لا تستطيع أن تحرر نفسها , دون القضاء على شروط حياتها الخاصة , دون القضاء على كل الشروط الغير أنسانية لحياة المجتمع المعاصر…( الفصل الرابع: النقد النقدي , أو "النقد النقدي" كما يقول هير إدغار )

4. وأستاداً لهذا المقطع من كتاب ( العائلة المقدسة) ، أوضح عالم الظواهر الفرنسي موريس ميرلو بونتي / Maurice Merleau-Ponty / على الأسس الأرضية للفرضيات الماركسية في كتابه Humanism and Terror  (1947) :
إذا أعطت ( الماركسية) امتيازًا للبروليتاريا ، فإنها تفعل ذلك لأنه على أساس المنطق الداخلي لحالتها ... بصرف النظر عن أي وهم مسيانيMessianic  / المنقذ / ، إن (البروليتاريين ) الذين ليسوا آلهة ، هم الوحيدون في وضع يسمح لهم بإدراك الإنسانية , ويميز الماركسيون مهمة في البروليتاريا - ليست مهمة العناية الإلهية ، بل مهمة تاريخية لا يكاد العمال يشبهون الآلهة ؛ في الواقع ، هم بالكاد بشر .
وكما أوضح ماركس لاحقًا في "رأس المال" (1867) :
فإن الصناعة اليدوية ( المانيفاكتورة تحدث انقلاباً في وسائل العمل , وتحول العامل إلى شخص كسيح و مارد... ) . .( الفصل الرابع عشر: تقسيم العمل والتصنيع , الفقرة الخامسة : الطابع الرأسمالي للتصنيع اليدوي).

و يذكرنا وصف ماركس هذا, بكلمات أغنية Sixteen Tons , للفنان الامريكي الشهير Tennessee Ernie Ford ، والتي كتبت عن عامل منجم فحم في كنتاكي في عام 1947:
يقول بعض الناس إن الرجل مخلوق من الطين / العضلات والدم للرجل الفقير / العضلات والدم والجلد والعظام / عقل ضعيف وظهر قوي / حمولة ستة عشر طناً ، ماذا تحصل؟ / يوم آخر أكبر وأعمق في الديون / القديس بطرس لا تناديني لأنني لا أستطيع الرحيل / أنا مدين بروحي لمتجر الشركة .


يتبع …