نظرة في أصل المفاهيم... الرومانسية


حسين محمود التلاوي
2022 / 1 / 24 - 18:30     

من المفاهيم الشائعة عن الرومانسية أنها العلاقات العاطفية بين المحبين. لذلك نطلق على الروايات التي تتناول هذه العلاقات مسمى "روايات رومانسية".
هذا في العموم ليس خطأ، لكنه مجرد فرع من فروع الروايات الرومانسية التي تتضمن أيضًا روايات البطولة والملاحم والفروسية.
هل هذه الأجناس الإبداعية رومانسية!؟ نعم، رومانسية؛ فمثلا التغريبة الهلالية التي تروي قصة "أبو زيد الهلالي" رومانسية بعيدًا؛ بعيدًا حتى عن أية قصص عاطفية فيها. وكذلك فإن قصة "عنترة بن شداد" وكفاحه لإثبات بنوته، ونيل مكانته الطبيعية في قبيلة "عبس" هي قصة رومانسية، بمعزل عن عنصر قصة حبه لـ"عبلة".
كيف؟!
يرجع أصل المفهوم إلى أصل كلمة رومانسية Romance. أصل الكلمة مشتق من اسم الرومان Romans. كيف؟! لما بدأ الضعف يعتري الدولة الرومانية، وبدأت قبضتها تخف عن الأقاليم المختلفة بعيدًا عن إيطاليا؛ مهد الحضارة الرومانية، بدأت هذه الأقاليم في مقاومة الحكم الروماني، وراحت تحاول الاستقلال؛ فبدأ أهل هذه الأقاليم في جعل لهجاتهم اللاتينية المحلية لغات مستقلة. من بين هذه الأقاليم فرنسا وأسبانيا والبرتغال وبعض المناطق في إيطاليا نفسها؛ حيث كانت تلك الأقاليم في إيطاليا ترفض حكم الدولة الرومانية وتسلطها. وراينا في إيطاليا محاولات لكتابة الشعر باللهجة الإيطالية من اللغة اللاتينية على يد "بيتراركا" و"بوكاتشو".
لذلك كان المسمى الذي أُطلق على هذه اللغات أنها لغات الأقاليم الرومانية Romance Languages. استغرقت هذه العملية أربعة قرون؛ من الـ5 إلى الـ9 قبل أن يحدث بعد ذلك صحوة للاتجاه الرومانسي في الفترة بين القرن الـ12 إلى الـ15.
كانت الفرنسية والإيطالية والأسبانية من أبرز اللغات الرومانسية، أما الإنجليزية فلا يمكن اعتبارها من اللغات الرومانسية القحة؛ لأن لها أصول جرمانية كثيرة تقترب بها من الألمانية؛ ومن ثم لا تقدم نموذجًا ذا صلة بمحور الحديث بالقدر نفسه الذي تقدمه الفرنسية والإيطالية على سبيل المثال.
إذن، ارتبطت نشأة المفهوم بمقاومة الحكم الروماني، والرغبة في الاستقلال. فما علاقة ذلك بالأمور العاطفية؟! حسنًا، عندما أود أن أستقل ببلدي، ما أول شيء يمكن فعله؟! نعم، البدء بتعزيز الروح الوطنية عند أبناء بلدي. لذلك بدأت هذه الأقاليم في صياغة حكايات أبطالها القدماء الذين قدموا خدمات جليلة لقومياتهم، وأوطانهم، وواجهوا الرومان؛ فبدأت قصص البطولة والفخار، وكانت كلها بالطبع مليئة بمشاعر، وعواطف جياشة، وفياضة.
من هنا بدأت علاقة كلمة رومانسية بالعواطف؛ عواطف الفروسية والفخار. وبالطبع لكي تكتمل الحكاية وتؤثر في نفوس الناس، كان من الضروري إدخال الجزء العاطفي؛ فكان يتعين أن يكون البطل في علاقة غرامية بمن تنتظر منه أن يعود بالانتصار. ومن هنا تحولت الرومانسية إلى الجزء المتعلق بمسائل الحب كما هو متعارف عليه.
إذن كانت نشأة الرومانسية في البداية كعاطفة انتماء وحب للوطن ورغبة في الاستقلال. ولما تراجعت هذه الجوانب الخاصة بالنزعة الاستقلالية في أوروبا، كان الاقتصار في مفهوم "الرومانسية" على العلاقات العاطفية، وكانت بداية الاتجاه الرومانسي في الكتابة في فرنسا القرن الـ12؛ وهو الاتجاه الذي واستمر إلى القرن الـ15، قد ساهم ظهور طبقة النبلاء في تعضيد وجود مفهوم الفروسية في الأدب.