توني بلير وانحطاط المثقفين


قاسم علي فنجان
2022 / 1 / 17 - 23:10     

في بعض الأحيان لا تستطيع ان تستوعب مدى الحماقة التي يصاب بها البعض من "المثقفين"، هو لا يريد ان يقول انه إسلامي، طائفي، بل يصف الاخر بأنه "بعثي"؛ انه يدافع بشكل فج وقبيح عن شخصيات مجرمة، قاتلة، ناهبة، مخربة للبلدان مثل بلير وبوش ومن لف لفهم؛ انهم يدافعون عنهم أكثر حتى من بلدانهم وحكوماتهم.

كل يوم مر ويمر، تظهر المزيد من الوقائع والوثائق والإحصاءات والأرقام، كلها تؤكد على إجرامية ونازية وفاشية بلير وبوش؛ حتى اداراتهم تقول انهم اخطأوا في التخطيط والاستراتيجية وشن الحروب، بل وصل الامر الى المطالبة بمحاكمتهم ومعاقبتهم؛ لكن "مثقفينا" الاشاوس، الممتلئين عقدا، والمتأزمين نفسيا، والذين يعانون كثيرا وهم في المهجر، يطبلون فرحين لبلير بحصوله لقب "الفارس".

هؤلاء "المثقفين" البواسل، ولأنهم في بلدان أوروبا يتنعمون هناك بأجوائها النظيفة، وهوائها النقي، فهم لا يعلمون ما هي العملية السياسية التي سنها بوش وبلير، فأحد هؤلاء "المثقفين" المفصومين يقول بالنص: ((فمهما حصل في العراق من تداعيات ما بعد سقوط الفاشية البعثية إلا إن العملية السياسية تسير قدماً إلى النجاح)) ومن شاكلة هذا "المثقف" الكثير؛ كلام غاية في الحمق والسخافة.

هذا المثقف لا يعلم ما هي الميليشيات، انه يشاهدها عبر التلفزيون ومن خلال قنواته المفضلة "بي بي سي، سي ان ان، فرانس 24" وبما ان النفس الطائفي البغيض يفور من ثنايا مقالاته، فحتما هو يشاهدها أيضا من خلال تلك القنوات التي تلطف من وجودها؛ هو لا يدري ما تعنية كلمات "جيش المهدي، عصائب اهل الحق، كتائب حزب الله، النجباء"؛ انه لا يعرف ان هؤلاء والعشرات من تلك التسميات الموجودة على ارض الواقع هي من تحكم، من خلال العملية السياسية، التي سنها بوش وبلير.

هذا "المثقف" لا يعلم ما تعنيه أسماء "مقتدى الصدر، هادي العامري، قيس الخزعلي، مسعود برزاني، الحلبوسي، مشعان، فالح الفياض" والعشرات الاخرين ممن يحكمون البلد، من العملية السياسية التي سنها بوش وبلير.

هذا "المثقف" فقط لأنه عاش أيام الدكتاتورية الصدامية والبعثية، فأنه يرحب بأي قاتل او مجرم يحكم العراق، هذا هو المنطق الذي يحكم تفكيره التافه؛ لسان حاله يقول "ما دام خلصنا من صدام فليكن الطوفان"؛ لكن ماذا عن اجرام اليوم؟ ماذا عن الخراب الذي حل بالبلد طولا وعرضا؟ ماذا عن الفساد والنهب لكل ثروات البلد؟ ماذا عن الذيلية والتبعية والخضوعية لأحزاب الإسلام السياسي والقوميين الشوفينيين؟ ماذا عن الفقر والبطالة والجوع؟ ماذا عن الامن المفقود والأمان؟ ماذا عن معيشة الناس التي تزداد صعوبة يوما بعد آخر؟ ماذا عن العشوائيات والحياة البائسة؟ ماذا عن انتشار الجهل والامية والخرافة والشعوذة؟ ماذا عن المخدرات والاتجار بالنساء؟ ماذا عن طبقة سياسية "دينية، قومية، عشائرية" اغتنت من النهب المستمر؟ ماذا عن الامراض والصحة المنهارة؟ ماذا عن انعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب وخدمات بسيطة؟ وماذا وماذا.... لكن كل ذلك لا يهم، ف "العملية السياسية تسير قدما الى النجاح".

هو لا يعلم ما الذي جرى خلال تسعة عشر عاما من العملية السياسية التي سنها بوش وبلير، انه فقط يكره كابوسه "صدام"، لهذا فهو يحيي وبقوة الإدارات التي قتلت صدام، والذين اسلافهم هم من أتوا به، "فياريت" يلعن الإدارة التي أتت بالبعث وصدام للحكم، حتى يكون مقبولا تحية الإدارة التي ازالته.

لو ان هذا "المثقف" وممن على شاكلته "وهم كثر"، عاشوا فقط-ولأيام او اشهر- في عراق اليوم، تحت ظل حكومة الاكفان، وهم يشاهدون الصواريخ والعبوات الناسفة والاغتيالات والقنابل اليدوية، وكل ذلك يندرج تحت ما يسمى "التداول السلمي للسلطة في العراق"، ويشاهدون خوف الناس وفقرهم ومأساتهم ومعاناتهم، لو يشاهدوا المستشفيات والمدارس، لو يشاهدوا محافظة "السماوة" او "الديوانية" او "الحلة"؛ أقول لو جاء هؤلاء "معايشة" في هذا "الوطن" الذي يتباكون عليه من هناك، لجلبوا معهم "لستة" قائمة بأسماء الالهة والانبياء والرسل وأسماء كتبهم وأسماء الائمة والولاة والصالحين والسادة، ويكفروا بهم يوميا، مثلما يفعل الكثير هنا، وكل ذلك بفضل العملية السياسية التي سنها "بوش وبلير"، والذي فرح بها الكثير من هؤلاء "المثقفين" التافهين وضيقي الأفق.