ألعاب اللغة-2-


محمد فرحات
2022 / 1 / 12 - 22:23     

"٢"
يتسائل د."الجزار" "لم لا نقول(الشعر) بدلا من (الشعري)؟" ثم يفرق بين كون الشعر مصطلحا تجريديا، اكتسب مفهومه من نظرية الأجناس الأدبية. وأن الشعري "يستمد مفهومه من النص الشعري المتحقق بالفعل."
وأيضا فإن "الشعر" بحكم تجريديته فهو لازمني بامتياز، بيد أن "الشعري" على عكس"الشعر" "فزمني متغير بتغير ما يحيل إليه."
و"الشعر" ابن بيئته الاجتماعية، ينفعل بها فيعبر عنها، فضلا عن ذلك، ف"الشعر"" ينتمي إلى نوع من الفلسفة الاجتماعية ماثلة في نظرية الأدب وأجناسه" في حين أن "الشعري" انتمائه لواقع النص ذاته.
ثم يتحدث عن تبادلية تهمة التأزم بين أطراف "الخارطة الشعرية" فالقارئ يتحدث عن أزمة "الشعر"، والشاعر يتحدث عن أزمة "النقد"، وينفي د."الجزار" وجود الأزمة من الأصل، وإنما مجرد سوء فهم ناتج عن "الغياب" "غياب خطاب لا هو بالنظرية ولا هو بالمنهج، حر من النظرية والمنهج وتجريداتهما".
فالقارئ غير مهتم في الأصل بالمنهج النقدي الأكاديمي ونظرياته ونتائجه، والناقد يحاول التوفيق تطبيقيا ما بين النظري والشعري، ويقاس مدى نجاحه بقدرته على هذا التوفيق. وهذا أيضا لا يعني القارئ الغير متخصص أكاديميا. ثم يقر بأن الأزمة تتجسد في عدم العناية باهتمامات القارئ العادي.
فأهم ما يبحث القارئ عنه هو التجربة الشعرية، والتي تدثرت باللغة كقشرة فقط، "وليس أداة توصيل على الإطلاق". فإذا أسفرت التجربة الشعرية بوجهها للقارئ، أخذته هزة المتعة، وأعاد قراءة النص عدة مرات، بخلاف إذا تصفح نقدا لذات النص الذي انفعل به، فإنه لا يجد أثرا مما وجد سابقا،"هذه هي عين الأزمة الحقيقية."
ولكن، وفي ذات الوقت، لا يمكن تبني قراءة القارئ العفوية كنظرية شعرية، وإلا كان اختراعا جديدا لتجريدات النظرية.
"الممكن الوحيد هو بناء أفق تلقي الشعر من المنظور الذي يهم القارئ وهو المتعة التي يستشعرها في نصه ولا يعرف لها كنها…"
تلك المهمة تحتاج إلى خطاب حر، وليس نظرية، مع عدم إهمال المنجز النظري والمنهجي"من أرسطو إلى دريدا، مرورا بالجاحظ وقدامة والجرجاني والسكاكي…"، لكن ليس كحتم جاثم بل كثقافة ننفعل بها أخذا وتركا وتغييرا، للبحث عن العلة النصية التي تسبب متعة القارئ العادي.
فالقارئ غير معني في الحقيقة بغير "المتعة" ليتحد مع غاية "الشاعر" ذاتها والتي لا تخرج أيضا عن ذات "المتعة" أو ما بدأه "رولان بارت" بكتابه "لذة المتعة" ولم يكمله، أو يسير غيره على نهجه، منطلقا من القطيعة التامة لكل النظريات والمناهج، مستغرقا بأسلوبيته الكتابية التي عوقت رؤيته وأرهقتها، وبدت محاولة "بارت" "كأنها كتابة أدبية مرادة لذاتها، أكثر من كونها أفقا جديدا لتلقي نص الشعري."
والمتعة، مع ذلك، "ليست شعورا خالصا، إنما هي معرفة وموضوعها ليس المتعة ذاتها، وإنما ما أنتجها، أي "الشعري"، ليس بوصفه أي شئ آخر غير كونه مصدرا لإنتاج المتعة…"
ما الذي يجعل "الشعر" ممتعا، ما آليات إنتاج المتعة، وبشمولية يتساءل"كيف تنتج اللغة المتعة؟ وعنوان الإجابة(الحرية) حرية دلائلها في اللعب…" فالشعري "يخفض قانونية اللغة إلى درجة تعطيل إنتاجيتها".
فلا يبقى أمام الدوال الشعرية غير التداعي الحر، والذي لا يفلت عنه المعنى، ما أسماه "اللعب الحر"، ومن ثم يتورط القارئ ذاته في اللعبة، لعبة إنتاج مدلولات جديدة يخلقها تفاعله مع النص الشعري، ويتلامس هذا الإنتاج مع وعي القارئ وربما أيضا لا وعيه، منتجا رؤية جديدة للنص بشموليته ومفرداته، وتحيل القارئ لاعبا مركزيا في لعبة إعادة إنتاج الدلائل.
ف"خطاب المتعة/اللعبة ليس منهجا ولايريد أن يكون، ولا نظرية ولا تنبغي له، وبالرغم من هذا، ففيه من المنهج ما فيه، ومن النظرية ما يغنيه، لتقديم مقاربة حرة للشعري وألعابه التي لا موضع فيها لنحو ولا لبلاغة…"
ستقابلنا لفظة"الحرية" كثيرا لتجسيد توق وشغف د"الجزار" للحرية، ليس فقط ممارستها كفعل أصيل بشتى النواحي الحياتية، ولكنها، وفي هذا السياق، محاولة للانعتاق من مناهج ونظريات النقد الأكاديمي، ومحاولة الانفعال الحر مع النص، ومنح تلك الحرية للمتلقي.
وكما أن للحرية ضوابط عامة، كذلك فالانفعال الحر(اللعب الحر)مع النص له ضوابطه أيضا، من ضرورة الارتكاز على المنجز الثقافي التاريخي الواسع الممارسة من أول أرسطو ب"فن الشعر" إلى دريدا وتفكيكه ب" الكتابة والاختلاف"، مرورا بالتراث النقدي العربي.
#ألعاب_اللغة_د_محمد_فكري_الجزار