التنظيم النقابي لعمال الأردن.. حق ينقصه الاعتراف بالتنظيم

أحمد الملكاوي
2022 / 1 / 11 - 22:51     

في آذار عام 2011 أصدر أكثر من 40 إمام مسجد ومؤذن بيان إطلاق لجنتهم التحضيرية لتشكيل نقابة مهنية تدافع عن حقوق العاملين في هذه المهنة كموظفين رسميين يتبعون وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، حيث تعاني هذه الفئة من ظروف سيئة على صعيد الأجور المتدنية والسكن المخصص وعدم تهيئة الظروف المناسبة لعملهم من قبل الحكومة.

استطاعت اللجنة "انتزاع" قرار النقابة الخاصة بها بعد إصدار قرار رسمي من المحكمة الدستورية يرخص لهم تشكيل نقابة مهنية كانت أم عمالية، الّا أنه وبعد إقرار مشروع القانون في مجلس النواب ورفعه لمجلس الأعيان، سحبت الحكومة مشروع القانون وأودعته في أدراج ديوان التشريع وبيان الرأي حتى الآن، وفق رئيس اللجنة التحضيرية لنقابة أئمة المساجد والواعظين سابقا ماجد العمري.

ما حدث مع الأئمة والمؤذنين يمثل شكلاً من أشكال التمييز في تشكيل النقابات وتنظيمها في الأردن، ما عمّق، وفقاً لخبراء ومنظمات مجتمع مدني، مشكلات وظروف العمل السيئة.

ما تزال العديد من الفئات العاملة في الأردن تعاني من إشكاليات واضحة بتشكيل النقابات وتنظيمها في الأردن وبخاصة مع عدم مصادقة المملكة حتى الآن على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المعنية بتشكيل النقابات وحرية التنظيم، فضلاً عن صلاحية وزير العمل المطلقة بتصنيف الأعمال والمهن التي يحق لعمالها تشكيل النقابات وتنظيمها وفقاً للمادة 98 من قانون العمل الأردني.

كما رغم أن أنّ العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يحتويان على حق كل شخص بتشكيل النقابات والانضمام لها علماً بأنّ الأردن وقع صادق على كليهما ودخلا حيز التنفيذ.

حصر العمل النقابي بالنقابات العامة المرخصة من قبل وزارة العمل وصعوبة تشكيل النقابات دفع عدداً من العاملين ممثلين نقابياً وغير الممثلين إلى تشكيل لجان تحضيرية تحولت في ما بعد إلى نقابات عُرفت بـ"النقابات المستقلة" قامت بالمفاوضة الجماعية والمطالبة والتصدي للعديد من القضايا التي أرّقت العاملين والعاملات.

مثال ذلك "النقابة المستقلة للعاملين في شركة مناجم الفوسفات" التي يقول رئيسها سليمان الجمعاني إنّ النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين تخاذلت في إضراب عاملي الفوسفات عام 2011 وتبنت موقفاً مدافعاً عن الشركة ضد العمال.

يبين الجمعاني، أنّ أكثر من 1100 عامل ينتسبون للنقابة اليوم ويؤدون حراكاً نقابياً تمثل بإجراء الانتخابات لدورتين وبانتظار الانتخابات الثالثة أيضاً، وكذلك النجاح الذي حققته بالتفاوض في أكثر من قضية كان على رأسها رفع مكافأة نهاية الخدمة التي فاوضت النقابة المستقلة لتحصيلها ونجحت بذلك خلال السنوات الماضية.

بعد إطلاق النقابة المستقلة للعاملين في مناجم الفوسفات توالت النقابات المستقلة أيضاً، وبات لدينا اليوم ما يعرف باتحاد النقابات المستقلة للعمال الذي يضم 17 نقابة مستقلة كالعاملين في البلديات والعاملين في النقل البري والعاملين في شركة الكهرباء ومناجم الفوسفات والنقل الجوي وغيرها. ورغم حضورها وعملها ما تزال تلقى رفضاً حكومياً واضحاً بعدم الاعتراف بها والمنع من التجمع، وكان آخره منع انعقاد المؤتمر العام للاتحاد في تشرين أول الماضي.

نقابة أخرى حاولت عدة مرات التقدم للترخيص وهي النقابة المستقلة للعاملين في الزراعة، إلا أنها واجهت عدة مرات رفض طلب التقدم للتشكيل رغم عدم وجود أي نقابة عامة لهذه الفئة من العاملين والعاملات، وبخاصة في ظل الظروف الصعبة والسيئة التي يعج بها القطاع الزراعي.

يقول مثقال الزيناتي منسق النقابة إنّ إشهارها كان في مؤتمر مفتوح بحضور شخصيات ممثلة عن العمال ومنظمة العمل الدولية بالإضافة إلى 135 عاملاً وعاملة في القطاع الزراعي، أي أنها جاءت باعتراف دولي ومحلي، تجاهلته الحكومة وتمسّكت برفض جميع محاولات ترخيصها وطلبات تشكيلها.

ويوضح الزيناتي المخطط الرئيس للنقابة وإنشائها وترخيصها يتمثل بفتح مكاتب لها في أبرز المناطق الزراعية وبخاصة في وادي الأردن، لمراقبة ظروف العمال عن كثب ورفع الشكاوى للمكتب الرئيسي ووزارة العمل في حال وجود انتهاكات بحق العاملين والعاملات.

كذلك فإنّ ترخيص النقابة سيمكنها من توفير وإيجاد صناديق تكافل وتضامن وترافع قانوني مجاني للعمال من خلال التعاون مع محامين متطوعين للدفاع عن الانتهاكات في حال وصلت القضاء، في ظل بيئات عمل تعج بالانتهاكات يعيشها أكثر من 100 ألف عامل وعاملة في الزراعة.

ويرى الزيناتي أنّ التمثيل النقابي سيسهم بالحد من انتهاكات حقوق العاملين والعاملات بالزراعة، خصوصا وأنّ هذه الفئة يغلب عليها طابع العمالة اليومية التي تفقد الحمايات الاجتماعية والتأمينات، ويشير إلى أنّ الرغبة في الشمول بالضمان الاجتماعي دفعت إلى تقديم أكثر من 1000 طلب انتساب للنقابة.

عقب تشكيل النقابات المستقلة كشفت آثار جائحة كورونا ثغرات عديدة في قانون العمل وسوق العمل الأردني؛ حيث كان العمال بحاجة إلى تمثيل نقابي واضح ومفاوضة جماعية، في ظل مطالبات منظمات المجتمع المدني بتعديل وتصويب قانون العمل باتجاه تفعيل الحريات النقابية وسن قانون خاص بالتنظيم والتشكيل النقابي.

في هذا السياق يقول النائب السابق ورئيس لجنة العمل في مجلس النواب الثامن عشر خالد رمضان إنّ نحو 80% من القوى العاملة في الأردن غير منضمين لنقابات عمالية على رغم وجود مهن عديدة غير مصنفة ولا يسمح للعاملين فيها بتشكيل نقابات.

ويستذكر رمضان ما جرى في مؤتمر العمل الدولي عام 2018 حين وعدت الحكومة بتعديل جميع الثغرات في قانون العمل وضمان حرية النقابات وسهولة التنظيم النقابيّ، لتبعث لمجلس النواب في نهاية العام نفسه تعديلات لا علاقة لها بالوعد الذي قطعته على نفسها، أعطت الصلاحية بعد إقرارها لوزير العمل بحل النقابات العمالية في حالات، دون الرجوع إلى القضاء.

ويؤكد رمضان أنّ غياب التنظيم النقابي وتفعيل دور النقابات العمالية الحقيقي زاد ظروف العمل السيئة ورفع وتيرة الانتهاكات التي يتعرض لها آلاف العمال لعدم وجود خط دفاع بارز عنهم.

يتوافق مع هذا الحديث مصطفى سعيد مستشار الأنشطة العمالية في المكتب الإقليمي منظمة العمل الدولية، الذي يقول إنّ الأردن يحرم العاملين والعاملات في القطاع العام من تشكيل النقابات العمالية رغم ضرورتها لضمان وجود المفاوضة الجماعية وتحسين ظروف العمل حتى وإن كان صاحب العمل مؤسسة حكومية أو وزارة.

ويوضح سعيد أنّ منظمة العمل الدولية سعت خلال السنوات الماضية إلى تطبيق النموذج الأوروبي لنقابات العمال في الأردن، حيث ساهمت نقابات العمال في مختلف دول أوروبا في تحسين ظروف العمل، إلا أنّ عدم توقيع الأردن على اتفاقية الحرية النقابية والتنظيم رقم 87 لا يلزمها ذلك.

ويبين سعيد أنّ النقابات العمالية يجب أن تشكل دون قيود أو تناقضات، خصوصا وأنّ العديد من الكتل العمالية في الأردن تفتقد للتنظيم النقابي كعمال المنازل والزراعة والعمال المهاجرين، في ظل عدم تطبيق المفاوضة الجماعية بالمفهوم الذي تسعى المنظمة إلى تطبيقه في الأردن، مشيراً إلى أنّ الاتفاقيات التي تبرمها النقابات العامة للعمال قد تكون شكلية دون إلزام أصحاب العمل بها.

ووفقاً لسعيد، فإنّ المنظمة تلاحظ زيادة العوائق والضوابط على ممارسة حق التنظيم النقابي للعمال الأردنيين بناءً على تقارير الخبراء، وفي الوقت ذاته يؤكد أن العمال يقع على عاتقهم واجب ضروري يتمثل بالمطالبة والاحتجاج على ما يمنعهم من التشكيل والتنظيم النقابي، في ظل عدم وصول اعتراض واضح على التشريعات من قبل النقابات العامة للعمال.

ويوضح سعيد أنّ أحد أبرز الشروط الأساسية لاستقرار أسواق العمل والمجتمعات، يتمثل بشمول العاملين في القطاع العام والمؤسسات الحكومية في النقابات العمالية، الا أنّ عمال القطاع الخاص لا يتمتعون بحق التشكيل النقابي بشكل واضح.

ويذكُر أنّ حق التنظيم النقابي دائماً ما يكون موجوداً على طاولة الحوار في لقاءات الحكومة والمنظمة بهدف ضمان وشمول العديد من العاملين في النقابات العمالية.

وعلى الصعيد الدولي يشير سعيد إلى أنّ التنظيم النقابي في الدول النامية محصور بقوانين تشرعها السلطات المختصة وعلى النقابات أو الراغبين بتشكيلها اتباع تلك التشريعات، خلافا للدول المتقدمة التي تتيح المجال لتشكيل نقابات العمال، وإن كانت بتشريعات محددة فإنها تتضمن المبادئ الأساسية فقط دون الشروع في الشؤون الداخلية لها.

كما أنّ تقريراً لمنظمة العمل الدولية، حمل عنوان "النقابات العمالية في الميزان" أظهر أنّ العضوية في النقابات ارتفعت في الدول العربية بعد عام 2011 أو ما سمي بمرحلة الربيع العربي، دون إحداث تغيير كبير في شروط العمل وتحسينها.

من جهتها، تؤكد وزارة العمل أنّها لم تتلق غير ست طلبات لتشكيل نقابات عمالية خلال العشرين عاماً الماضية، بعضها طلبات مكررة أيضاً، وأنّ رفض ترخيص نقابة العاملين في الزراعة جاء لأنّ الطلبات التي وردت الوزارة وقعت بتواريخ سابقة لإصدار نظام عمال الزراعة في أيار 2021.

وبينت الوزارة، في ردها على حق الحصول على المعلومات الذي قدمه معد التقرير، أنّ الوزير لم يصدر أي أمر بحل نقابة عمالية بموجب المادة 116 من قانون العمل التي تعطي وزير العمل صلاحية حل النقابة العمالية في حال تلقت إنذارا لارتكابها مخالفة محددة ولم تصوبها.

وحول عدم اعترافها بالنقابات المستقلة، أشارت الوزارة في ردها إلى أنّ هذه النقابات "لم تتبع الطرق القانونية التي رسمها القانون في تأسيسها وعملها، وبالتالي لا يجوز إنشاء نقابات تسمى النقابات المستقلة دون الرجوع إلى اللجنة الثلاثية في ذلك الوقت قبل تعديل النصوص القانونية، وأنّ بإمكان أعضاء النقابات المستقلة الانضمام للنقابات الموجودة، ولذلك فهي خارج إطار القانون".