الحراك العمالي في الأردن: خطوة للأمام.. خطوة للخلف

نديم عبد الصمد
2022 / 1 / 11 - 22:50     

خلال السنوات الماضية، تزايدت أهمية الأدوار التي يلعبها المجتمع المدني، وبخاصة الحراكات العمالية، عبر العمل على برامج الدعم الاجتماعي، وتطوير آليات رفع الوعي بقضايا حقوق الإنسان، والمطالبة بحقوق منتسبيها، وصار هذا الدور حلقة وصل بين الخطاب الشعبي الذي يطالب بالتغيير والحكومة صاحبة السلطة، القادرة على التغيير بطبيعة الحال.

وبالرصد، يلاحظ أن بعض الحراكات المنظمة نجحت في تحقيق مطالبها، رغم عوائق كبيرة أحاطت وتحيط بها، وبخاصة أولئك الذين لا ينضمون تحت أي إطار نقابي أو تنظيمي.

إذ أن أعضاء الحراك الاجتماعي في الأردن في أغلب الأحيان لا يعملون ضمن هوية قانونية ما، باستثناء استخدامهم حقهم في التجمع والتعبير عن الرأي، ولا يسجلون أنفسهم، عادة، في أي إطار رسمي بغية الاستمرار معاً، وفقا للباحثة في شؤون الحريات والمجتمع المدني في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، هديل القضاة.

ولاحظت القضاة أن الحركة الاحتجاجية في الأردن "ترفع شعارات سياسية واجتماعية ومطلبية وتستخدم وسائل الضغط الجماهيري عن طريق التحرك الى الشارع والساحات العامة بانتظام نسبي".

كما أنها تجمع أشخاصا توحدت إرادتهم على العمل المشترك لتحقيق أهداف محددة، لكن "غير واضح ما إذا كانوا سيظلون يعملون معاً بعد تحقيق هذه الأهداف أو الفشل في تحقيقها"، وفق القضاة.

تتعدد الأسباب التي تمنع تحقيق مطالب العاملين والعاملات، لكن البيروقراطية في اتخاذ القرار وعدم وضوح دور العاملين والعاملات وعدم قدرة الحراكات على تنظيم نفسها تحول دون ذلك.

قابلنا في هذا التقرير عددا من ممثلي أشهر الحراكات العمالية المعنية بشكل مباشر بالعمال، التي استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة اكتساب شهرة واسعة بين صفوف منتسبيها، وسألناهم عن خططهم العام الجاري.

لكن، فوجئنا أن بعضها فقد الأمل بالتغيير، وبعضها الآخر شعر أن أصحاب المصلحة أنفسهم باتوا غير مهتمين لأسباب تمنعهم من ذلك، ما دعا بعض هذه الحراكات إلى التوقف مرحليا عن العمل، أو التوجه نحو مطالبات جديدة.

"هجرتونا".. الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق أطباء الإقامة
بعدما حققت حملة "هجرتونا" بعض مطالبها العام الماضي ومنها رفع أجور الأطباء المقيمين في وزارة الصحة إلى ما يقارب الـ700 دينار أردني بدلا من 220 دينار، تفاجأت أن القرار الذي صارعت من أجله ألغي بعد تطبيقه لمدة شهرين فقط.

ودعا هذا الأمر القائمين على الحملة إلى التوقف عن اتخاذ خطوات جديدة وإعادة النظر بعملهم حاليا" أجّلنا عملنا" يقول غيث العريان أحد أعضاء حملة هجّرتونا. ويرجع ذلك لأسباب وظروف عديدة من ضمنها عدم تعاون الوزارة وضغوط أخرى.

وكان وزير الصحة الدكتور فراس الهواري قرر، في تموز من العام الماضي، رفع قيمة المكافأة الشهرية للأطباء الملتحقين ببرنامج الإقامة في مستشفيات وزارة الصحة (من غير الموظفين) استجابة لمطالب الحملة والرأي العام الذي دعمها، بحيث تصبح مكافأة الطبيب البشري داخل برنامج الإقامة 758 دينارا، ومكافأة طبيب الأسنان داخل برنامج الإقامة 714 دينارا، وذلك اعتباراً من بداية ايلول الماضي.

في أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني حصل أطباء الإقامة على أجورهم "الجديدة"، وما لبث الوضع أن عاد إلى ما كان عليه، "بسبب بيروقراطية اتخاذ القرارات التي حالت دون تنفيذ كتاب وزير الصحة"، يقول العريان.

"الحملة ستقوم بأقصى ما تستطيع للعمل في ظل الظروف الحالية" وذلك لأن عمل أطباء الإقامة في المستشفيات لا يقوده نظام موحد يحدد لهم حقوقهم وواجباتهم؛ لافتا إلى أن فئة الأطباء المقيمين هم الأضعف، "المقيم ما في شيء بحميه، ممكن مشرفه يرسّبه وما يقدر يحكي شيء؛ مما قد يمنعه من المطالبة بحقه".

انعكس هذا الأمر على خطط القائمين على الحملة، الذين يقولون إن هناك وسائل أخرى سيعملون من خلالها هذا العام؛ وكما توجد ملفات أخرى؛ وهي تحصيل إجازة الأمومة للطبيبات المقيمات بشكل عادل، والدفاع عن حقوق المقيمين في المستشفيات الجامعية بشكل أساسي.

كما أن تحركات الأطباء ما تزال غير واضحة فيما يخص الحشد المجتمعي لقضاياهم، إلا أن المؤكد أن تحركا قويا يلوح في الأفق؛ "الحملة تسعى لحشد الأطباء، لكن بسبب عدم وجود غطاء قانوني نقابي وفي ظل الحالة الوبائية لا نعلم متى وأين.. كل وسائل الضغط القانونية مطروحة" يقول العريان.

يعزو العريان عدم قدرة الحملة على تحقيق مطالبها كافة إلى "ضعف نقابة الأطباء وعدم دعمها لهم"؛ فأطباء الإقامة مسموح لهم الانتساب، لكن معظمهم مشطوبون من السجل العام للنقابة بسبب العبء المادي، ما جعل المجالس النقابية المتعاقبة تُهمل قضايا المقيمين، كما أن مجلس النقابة الحالي ليس منتخب "مجلس معين من الحكومة، لن يقاتل من أجل مطالب أطباء الإقامة".

لذلك ينتظر العريان وفريق "هجرتونا" المجلس الجديد للنقابة المزمع انتخابه في آذار القادم، حتى يستطيعون التحرك بفعالية أكثر بالتعاون مع النقابة التي يأمل عندها أن تكون متعاونة معهم؛ كونها ستكون "منتخبة" وتحمل همّ الأطباء الذين انتخبوهم وليس هم الحكومة التي عينتهم.

لجنة كباتن التطبيقات الذكية
ما أن صدرت تعليمات ترخيص تطبيقات النقل الذكية عام 2018، لم تهدأ احتجاجات ومطالبات العاملين عليها، وخاصة تحرك اللجنة التطوعية الموحدة لكباتن تطبيقات النقل الذكية، إذ تطالب اللجنة الممثلة عن مطالب العاملين على تطبيقات النقل منذ عام 2019 برفع العمر التشغيلي للسيارات العاملة على التطبيقات من خمس سنوات إلى سبع سنوات.

وبعد مرور سنة على بدء جائحة كورونا وآثارها الوخيمة على حركة النقل في الـ2020، تجددت مطالب الكباتن بجعل العمر التشغيلي للمركبات عشر سنوات بدلا من خمس، لكن مطالباتهم لم تتحقق، وإنما نفذ مطلب عام 2019 المتمثل في زيادة العمر التشغيلي للسيارات العاملة من خلال التطبيقات ليصبح سبع سنوات بدلا من خمس.

يقول لورنس الرفاعي، عضو اللجنة التطوعية الموحدة لتطبيقات النقل الذكية، لـ"المرصد العمالي الأردني" إن اللجنة تحضّر لاعتصام مرتقب يوم 18 كانون الثاني الجاري أمام وزارة النقل أو على الدوار الرابع، للمطالبة بحقوقهم العالقة منذ سنوات.

ويبين أن مطالب العاملين على تطبيقات النقل الذكية هذا العام تتجدد برفع العمر التشغيلي إلى 10 سنوات، إذ يعتبرون أن مدة خمس أو سبع سنوات مدة قليلة للعمل على السيارة، وأنه من الصعب تبديل سياراتهم بعد هذه الفترة وشراء سيارات جديدة، خصوصا وأنها تصنف بسيارة "تاكسي"؛ أي أهلكتها الرحلات اليومية، وبالتالي بيعها أو استبدالها بسيارة أحدث ليتناسب مع العمر التشغيلي يكون بثمن.

كما تشمل مطالبهم العام الجديد تحديد النسبة المقتطعة من قبل الشركات بنسبة 15 بالمئة كحد أعلى بدلا من 25 بالمئة على كل دينار، وإلغاء الضريبة المقتطعة من السائقين من قبل الشركات البالغة أربعة بالمئة، كما يطالبون بتخفيض رسوم التصريح إلى 200 دينار سنوياً بدلا من 400 دينار، معتبرين أن نسب الشركة المقتطعة والضرائب المفروضة هي السائقين هي الأعلى بين الدول التي تعمل فيها تطبيقات النقل الذكية.

قم مع المعلم
عام 2015 أنشئت "حملة قم مع المعلم" التي تعنى بشكل رئيس بالدفاع عن حقوق المعلمات والمعلمين في القطاع الخاص، وانطلقت من مدينة إربد.

تختلف تجربة حملة "قم مع المعلم" عن سابقاتها، إذ انطلقت بدعم تنسيقي من لجنة الإنصاف في الأجور ومنظمة العمل الدولية عام 2015، واللجنة الوطنية لشؤون المرأة وبتنظيم من مؤسسة أهل، إلا أنها واجهت ذات المعاناة التي تواجه أي تنظيم؛ المتمثلة في عدم تحقق معظم المطالب.

فبعد الضغوطات الكبيرة التي فرضتها جائحة كورونا على التعليم في العالم والأردن، كان المعلمون والمعلمات سنة 2020 الأكثر مرونة في العمل الشاق والأكثر تحملا للجهد النفسي، لكن دون مقابل مادي أو دعم نفسي أو حتى أمان وظيفي. لتشكّل السنتان الماضيتان ضربة قاسية على العاملين في مجال التعليم.

زاد هذا الأمر من مطالبات واحتجاجات المعلمين والمعلمات وبخاصة بين صفوف حملة قم مع المعلم، إذ نشطت الحملة بالدفاع عن حقوق منتسبيها ومحاولة تحصيل حقوقهم، إلا أن الواقع الذي لا يستجيب إلى مطالبات المعلمين حال دون ذلك، بحسب منسقة الحملة ناريمان الشواهين.

عام 2021، أصبح هناك عدم ثقة بقدرة وزارتي العمل والتربية والتعليم على تنفيذ مطالبهم وأجورهم وحقوقهم العمالية، وبخاصة تلك المتعلقة بالمعلمات في القطاع الخاص؛ لذلك؛ توضح الشواهين: "ستنتهج الحملة مسارا آخر هذا العام يعمل على بناء قوة وقدرة معلمات القطاع الخاص في مواجهة إداراتهن بأنفسهن"؛ وهو ما يهدد عملهن بصورة مضاعفة ويجعلهن يقامرن بمستقبلهن الوظيفي بسبب عدم استجابة الوزارات المعنية لمطالبهن، وعدم وجود من يدافع عنهن.

"نسعى إلى أن تسترد المعلمات حقوقهن من خلال وزارة العمل وعدم الاكتفاء بمخالفة المنشأة التي انتهكت حقوقهن" تقول شواهين لـ"المرصد".

وتشير إلى أن الحملة بدأت في اربد، وتوسعت لتصل إلى سبع محافظات جديدة خلال السنوات الماضية، وتسعى إلى توسيع عملها وتنظيمه بشكل أكبر.

دوافع ظهور الحراكات
تدفع الاختلالات الاقتصادية داخل المجتمع إلى ظهور حراكات اجتماعية وعمالية، بعضها قد ينجح في تحقيق مطالبه والاستمرارية، وبعضها يفشل، ولعل ذلك يعود، بشكل رئيسي، إلى عدم وجود جهة معينة تدافع عن حقوق العمال، ويظهر ذلك جليا في الأردن بسبب غياب هذا الدور الذي من المفترض أن تلعبه النقابات العمالية.

وخلال العشر سنوات الماضية تبين في تقارير الاحتجاجات العمالية السنوية التي رصدها فريق المرصد العمالي الأردني أن نسبة الاحتجاجات ترتفع عند أولئك غير المنضوين تحت أي تنظيم نقابي معين، علما أن نحو 90% من العمال الأردنيينالعاملين غير منتسبين لأي شكل من أشكال التنظيم النقابي.

تنبه الباحثة هديل القضاة إلى أن "هناك إجماع على أن البعد الاقتصادي هو محرك الاحتجاجات الشعبية، وهذا يظهر في تحقيق نسب مرتفعة للاحتجاجات والحراكات العمالية، التي تطالب بإصلاح النظام الاقتصادي والأوضاع المعيشية في الأردن على جميع المستويات".

ولتقييم وضع الحركات الاجتماعية كافة خلال العام الماضي، توجهنا لنسرين الحاج أحمد المديرة التنفيذية لمؤسسة "أهل"، المعنية بتمكين الساعين والساعيات للتغيير في تنظيم قوتهم وقيادتهم لتحقيق العدالة في قضاياهم.

وسألناها كيف يمكن أن يؤثر مشهد تذبذب الحركات الاجتماعية وأثرها على تحصيل الحقوق؟
تقول نسرين، إن السنتين الماضيتين كانتا صعبتين على كل من سعى للتغيير من خلال التحركات الجماعية، بسبب الواقع السياسي بعامة، والقيود المفروضة على حرية التجمهر والتنظيم، بالإضافة إلى القيود الجديدة التي فرض بسبب أزمة كورونا.

وتؤشر إلى أنها ترى التحركات "ولكنني لا أرى تنظيما لفرق قيادية متعددة منتشرة تبني قوى وتعد بالاستمرار"، وهي تعتقد أن التنظيم الداخلي والتشبيك للعديد من الجهات المتحركة "ضعيف".

وتلفت إلى أهمية أن تستمر الجهات المتحركة بالمطالبة بالحقوق، وتستدرك بالقول إن هذا الاستمرار "صعب.. إن لم يكن لكل جهة أكثر من فريق قيادي في أكثر من منطقة ينخرطون في الحوار ويتخذون القرار الديموقراطي بينهم ويستمرون في بناء قواعد ممتدة".

وحول المطلوب من الحركات الاجتماعية لتكون ذات صوت مسموع ومؤثر، تقول نسرين إن المطلوب هو أن تستثمر في "تنظيم القواعد وليس فقط في حشدها بالأوقات الملحة، وعليها أن تدرك أن التغيير في مساحات مثل مساحاتنا المحدودة يتطلب أكثر من جولة ويتطلب تصاعدية بالتكتيكات".

كذلك على هذه الجهات أن "تتواصل مع بعضها بعضا وان كان يبدو أن كلا منها له هدف مختلف وربما فكر سياسي مختلف، إلا أن التحالف بالعمل معا ًيمكّننا من القول أن لدينا "حركات اجتماعية". هذه الجهات قد تكون تنظيمات عمالية وقد تكون أحزابا أو جمعيات ومجموعات مجتمعية متلاقية على قضية ما.


توضيح: استُخدم مصطلح "الحراك العمالي" للتعبير عن مجموعات من الأفراد ذات توجهات عمالية، نقابية، حقوقية تمارس ضغوطات مطلبية، بهدف تغيير وبناء سياسات عادلة. ويتميز هذا الحراك بأن أغلبه لم ينظم فرقا قيادية ممتدة وراسخة مما أثر على استمراريته.