البرجوازية العراقية وانقلاب -شيوعي- ضد الماركسية!


طلال الربيعي
2022 / 1 / 8 - 18:45     

البرجوازية (الوسطى) في العراق هي من احقر وأحط برجوازيات العالم قاطبة واكثرها خنوعا ودوغماتية وتحجرا في الفكر وتكلسا في السلوك. انها العدو اللدود للبهجة والسعادة والتلقائية, ومباهجها تنحصر في كيفية إشباع غرائزها الحيوانية ونزواتها الفجة. وهي مستعدة لمسايرة كل شياطين العالم ومداهنة كل جبابرته من اجل تحقيق طموحاتها التافهة وإشباع نزواتها النرجسية. ويتملكها قلق وجودي عارم يحيلها الى مستنقع راكد وارض خصبة لكل انواع الانتهازية والخداع والمكر كوسائل لكبح جماح القلق الذي هو نتيجة نفوس متفتتة تستطيع ابسط هبة ريح الإطاحة بها واحالتها الى عدم. وثقافتها هي ثقافة القلوب الميتة والعقول المتصدئة والأرواح الشريرة. وهي ليست طبقة حتى. إنها سراب وخداع بصري ولذا تنسب الى نفسها فضائلا ومناقب هي آخر من يتحلى بها. وهي عدوة الفكر الأولى والأخيرة على الرغْم من تأبط العديد من افرادها الميامين الكتب السميكة وامتلاكهم لمكتبات متضخمة كتضخم السرطان تلامس السماء وفقط من اجل الكشخة والأبهة, كمحاولة فجة لتجميل قباحاتها التي تفوق قباحات مسخ كافكا وتقزم في بلاهتها ابله دستويفسكي. إنها مرتع الرثاثة وصانعة طغم الظلم والطغيان وتتظاهر بالطيبة والنعومة كالحية الرقطاء بملمسها الناعم. وهي تتحرك كما تفعل زومبيات الخيال العلمي, فليس لها من هم سوى امتصاص دماء البشر وسلبهم عقولهم وقبرهم وهم أحياء! وخطابها هو خطاب الموت Thanatos وليس خطاب الحياة Eros.

الطبقة البرجوازية قد تكون صغيرة ومتوسطة وكبيرة. الاولى تطمح الى تسلق الهرم الاجتماعي لتصبح طبقة وسطى فتنقل لها كل امراضها من قلق ورغبة في التساوم. الطبقة الوسطى في العراق ليست نتاج دولة صناعية منتجة, بل دولة ريعية, وهمهما, لكونها جبانة ويلاحقها هوس الربح السريع, الإبقاء على الوضع الراهن بتخلفه وتكلسه, وهي أصبحت في العقود الأخيرة حبيسة قيم نيو ليبرالية لا تشيع سوى الفردانية وتكرس قانون شريعة الغاب. الطبقة الوسطى هي ظاهرة ديكورية لتمييزها اصطناعيا عن الصغرى والكومبرادورية. ولبث الحياة في نقسها عليها أن تتفسخ وتتحلل اكثر بامتصاصها كل علل البرجوازية الصغيرة وتبنيها شرعيا او لا شرعيا شريعة غاب الكومبرادورية.

والأغلبية فيها لا تريد التغيير نحو الأفضل لأنها تجهد فقط في البقاء على قيد الحياة survival mode وعدم استهلاك طاقة كبيرة في تشغيل الدماغ على حساب العضلات للهروب او الهجوم. أغلبيتها تتحكم فيها غريزة الموت لأنها منسجمة مع قانون نيوتن الأول في القصور الذاتي. التغيير يتطلب طاقة هائلة وانضباط عال واخلاقية كانطية, وكل هذه المواصفات يتم تطويعها وتدجينها ليل نهار من اجل الاستهلاكية وإحالة الإنسان وكل شئ الى بضاعة!

والدلائل في كل مكان والاحصائيات العالمية والمحلية والوقائع هي نفسها الدلائل. أليست الحروب العبثية زمن صدام دليلا؟ اليس القمع الصدامي وقمع خلفاءه دليلا؟ أليس انتشار الفقر والتشرد والأمية وتزوير الشهادات بمقاييس هائلة دليلا؟ أليس غزو العراق ونصب قرقوزات لحكم العراق دليلا؟ أليس التمييز بين البشر على اسس طائفية او أثنية خرقا فظا لحقوق الإنسان وقيم العدالة ومبادئ الحداثة؟ أليس كون العراق في المرتبة المتقدمة في الفساد دليلا؟ أليس تحطيم الصناعة والزراعة والبنية التحتية دليلا؟ انه الجرح النرجسي لهذه الكتلة البشرية الذي لم يندمل ولن يندمل لان البرجوازية العراقية مخصية ومدمنة على الذل والاهانة وتعتقد ان التلاعب الاكروباتيكي بالكلمات هو الحل. إنها تستخدم وسائلا دفاعية بدائية يتميز بها الأطفال والمصابون بالبارانويا وجنون العظمة, وهذا هو احد مظاهر احتضارها وتعفنها. وليس هنالك من كلمات ملطفة تغير من واقعها قيد شعرة.

لذا ان تحالفات وسياسات ما يسمى الحزب الشيوعي العراقي, وهو يمكن أن يكون كل شئ عدا أن يكون شيوعيا, مع جحافل هذه البرجوازية-الرأسمالية من صدر وعلاوي او دخوله في مجلس حكم البول بريمر هو مشروع موت وليس مشروع حياة. انه انقلاب على الماركسية ويشكل أطروحتها النقيضة!