ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-


محمد فرحات
2022 / 1 / 7 - 09:51     

كتبه، محمد فرحات.
"١"
ظلت الموائمة بين قلبه وعواطفه الجياشة، وعقله وأطروحاته الصارمة، شغله الشاغل طوال رحلته الفكرية، ووثباته المقدامة ما بين أقصى اليمين لأقصى اليسار، مع النزعة الوجودية الصادقة لمصارحة الكون بتوجهه، وما يفرضه ذلك من التزامات وردود فعل تبدو متسقة مع ما اعتنقه بكل صدق.
مع هدفه الأسمى لإيجاد حل، موافقا لقناعاته ومعارفه وخبراته المتراكمة، لإشكالية الحرية في إطار شمولي إنساني للحرية، وممارستها كنمط حياة كلي، لا كما اختزلتها العقلية الشرقية والعربية منها خاصة في إطار الممارسة السياسية، لا كإيمان حقيقي بقضية الحرية السياسية الضيقة وإنما كسلوك لا يبعد كثيرا عن مناخ المكايدة، واحتكارها فيما بعد لفصيل سياسي أو اجتماعي أو طائفي يمارس الحكم.
فالحرية عند "محمد فكري الجزار" خلاصا شموليا لكل أزمات الحياة الإنسانية بكافة جوانبها وتنويعاتها.
يبدأ "محمد فكري الجزار" كتابه"ألعاب اللغة" المصنف على النقد الأدبي الحديث، بمقدمة سيرذاتية، بلغة اختزالية مكثفة للغاية، عن بدايات تكوينه كطفل، لأحد الأسر الارستقراطية (أعيان/إقطاع) ولد مبتسرا، ضعيف البنية، ينتظر والداه بإشفاق وحسرة فراقه من ساعة لأخرى، إلا أن المعجزة تتحقق، وتكتب للجزار الحياة، فيما يشبه كرامات الأولياء.
وتجربة اعتقال والده العضو البرلماني الأشهر "فكري الجزار"، بعد وصفه لنكسة 67 أنها عار، ثم تجربة العزل السياسي.
لم تكن العلاقة بين المثقف الثوري العضوي "فكري الجزار" بابنه غير علاقة أستاذية وتلمذة، لينشأ الفتى بين جوانب مكتبة أبيه، يقضي ساعاته كلها، فمناقشات عاصفة بين الأستاذ وتلميذه.
وفيما يشبه الديالكتيك الجدلي يتنقل الثوري الشاب ما بين تيارات الإسلام السياسي كموضوع، لنقيضه اليسار الماركسي، ثم التصوف كمركب النقيضين.
لم يكن انتماء "محمد فكري الجزار" انتماء حزبيا، بقدر ما كان انتماء لفكرة رفع المظلومية سياسيا/طبقيا، وأحقية خلاص المستضعفين بنيل فرصة للحياة الحرة.
لم يكن انتماء حزبيا سياسيا ضيقا، تأنف طبيعة "الجزار" المتمردة الحرة الخضوع لقيوده المكبلة، وإطاره التنظيمي الصارم العقيم، بل كان انتماء للإنسان في المقام الأول.
وأيضا لم يكن مجرد إيمان دوجماتيكي، مستظهرا جوانبه النظرية، منتظرا فرصة قد تأتي للتطبيق، أو على الأقل العيش بين جوانبه كسجن ذاتي لا يفارقه.
"دخل الفتى مرحلة شيخوخته، وهو إذ ينظر خلفه لاينظر بغضب، وإنما برضا مفعم بالنعمة التي كان ربه يقلبه فيها حتى أن فترة إلحاده كانت بعض أنعمه. ولذا لم يشطب على معرفة اكتسبها يوما، فمهما كان تصنيفها ووصفها تبقى معرفة وليست دوجما، وبما هي كذلك فهي نافعة بمرونتها المفرطة للتحويل، وبقابليتها الفائقة للتوظيف. "
كان من المناسب،إذن، تلك اللغة الشعرية الاختزالية المكثفة الأسيانة لمقدمة كتاب نقد علمي، ف"الجزار" قد رأي أن حياته الأكاديمية، كأستاذ نقد حديث، والتزامه بلغة ومنهج الأكاديميا، كانت قيدا آن أوان الانعتاق منه هو الآخر، ليبق فقط الإنسان المنحاز بكل قوة لإنسانيته، بعيدا عن أي تصنيف أو محاولة لإدارجه في خانة ضيقة، ليجسد كسر هذا القيد الأخير توقه، وشغفه اللامتناهي لتحقيق حريته وانعتاقه كإنسان.
#ألعاب_اللغة_د_محمد_فكري_الجزار.