الوجه الآخر للمسيح


نايف سلوم
2022 / 1 / 3 - 22:18     

نعرض هنا كتاب "الوجه الآخر للمسيح" لفراس السواح لما له من تميز بين أعماله. ففي العنوان الفرعي نقرأ عنوانين: الأول؛ "موقف يسوع من اليهود واليهودية، وإله العهد القديم"، والثاني: مقدمة في المسيحية الغنوصية". وكون العنوان يظهر وجهاً آخر للمسيح، فإن تاريخ المسيحية في قرومها الخمسة الأولى تظهر وجوه متعددة للمسيح. سواء لجهة الموقف من الشريعة اليهودية وإله العهد القديم يَهْوَه، أم لجهة غنوصية المسيحية أو الجانب الباطني اللدني في المسيحية.
فلنأخذ على سبيل المثال لا الحصر سيمون الساحر (67 م) أو سمعان أو شمعون وسمي سمعان ماجوس لأنه سامع للأقوال. وماجوس تعني الساحر وهو لقب قذفه به أعداؤه من المسيحيين القويمين. هو مسيحي من السامرة من قرية جتّو ظهر في عهد كلوديوس قيصر وقضى طفولته في مصر. أسس "كنيسة" مسيحية غنوصية " وأطلق على مذهبه بالسايمونية التي استمرت إلى القرن الميلادي الثالث" (الماجدي 322). هناك من يرى أن سايمون هو السيد المسيح وأن أتباعه رأوا أن الخلاص لا يأتي عن طريق الإيمان والحب وحدهما ولكن عن طريق المعرفة الّلدنيّة الباطنية أو الغنوص.
موصوم من جميع مناصري الكنيسة القويمة المكرّسة، كنيسة الإمبراطورية بأنه ساحر ومؤسس خلافة كاذبة من الزنادقة المستوحاة من الشيطان، وهو أب لكل البدع.
"هناك ما يشير إلى أن سيمون ينحدر من سلالة كلدانية قدمت إلى السامرة ولم يكن يهودياً، بل كان بابلي الديانة وتخالط ديانته ثقافة مجوسية زرادشتية، فضلاً عن هذا أنه كان تلميذاً ليوحنا المعمدان وقضى بعض طفولته وصباه في مصر. (الماجدي 325)
" في هذه الفترة كانت قد انتشرت الأخبار عن (فرقة يهودية-مسيحية: الإسينيين أو المواسين العيسويين) وكان هؤلاء يعتنون بتربية الأطفال والصبيان وفق تعاليمهم التزهّدية والرافضة للديانة اليهودية التقليدية والداعين إلى ديانة عالمية، وانضم إليهم يوحنا المعمدان وبطرس وفيليب وبولس (الرسول لاحقاً)" (الماجدي 325). وقد اكتشفت مخطوطاتهم في كهوف البحر الميت. ففي سنة 1947 عثر راعي غنم بالصدفة على مخطوطات قديمة داخل أواني فخارية داخل كهف من كهوف قمران. وتضم المخطوطات ما يزيد على 850 قطعة مخطوطة، بعضها سمي لاحقاً الكتاب المُقدّس وبعضها من كتب لم تكن تعرف أو كانت مفقودة.
حين أتى فيليب (وهو غنوصيّ مسيحي له إنجيل أبوكريفي [باطني مهرطق] في مخطوطات نجع حمّادي) إلى السامرة عرف بأن سايمون يبشر بأنّه المسيح وأنه (قوة الله في الإنسان) وكان في اورشليم كنيسة مبكرة هي كنيسة جيمس(يعقوب) أخ يسوع (جيسوس)" (الماجدي 325)
كان سيمون مؤمناً بأن للكتاب المقدس معاني رمزية وليست حرفية، وكانت فرقته السايمونية حافزاً لولادة فرقة الدوسيتية التي تؤمن بأن المسيح لم يمت جسدياً على الصليب (لم يصلب) (الماجدي 325). (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) [النساء:157]
"كانت وما زالت هناك شكوك قوية بأن سيمون هو المسيح الحقيقي الذي ظهر في فترة المسيح نفسها في السامرة وحقق المعجزات وكان غنوصياً (باطنياً لدنياً)، ثم نسجت حوله (لاحقاً) أسطورة أخرى عن المسيح المصلوب " (الماجدي 325)
هذا وجه للمسيح، أما الوجه الآخر فهو دوسيثيوس (حوالي 70 م) أحد الاتباع الثلاثين ليوحنا المعمدان، وهو رئيس طائفة الدوسيثيين التي يعتقد أنها أصل المندائيين" (الماجدي 329)
هوجم بعنف من قبل آباء الكنيسة القويمة الأرثوذكسية، "ذكره ترتليان في كتابه عن الهراطقة بأنه أول من أنكر أنبياء بني إسرائيل، وجيروم يعطي الشيء ذاته وهيبوليتس يبدأ تعداده للاثنين والثلاثين من الهراطقة بإشارة إلى دوسيثيوس" . ويقول أوريجين (185-203 م) وهو أحد أساتذة اللاهوت المسيحي الكبار في الإسكندرية أن تلامذة دوسيثيوس يحتفظون بكتب له" (الماجدي 329)
الوجه الثالث للمسيح هو ميناندر (حوالي 80 م) ظهر في السامرة ايضاً بعد سيمون الذي ربما كان معلمه لكن ميناندر اختط له طريقاً غنوصياً خاصا، كان من قرية كابراتيا في السامرة، وبعد أن اتبع سايمون رحل إلى إنطاكية وهناك أسس مذهبه الغنوصيّ وصار له اتباع. الماجدي 330)
ادعى ميناندر أنه هو المُخَلِّص الذي أرسل من الدهور الخفية لخلاص البشر، وأنه إذا عمّد الناس فإنه يمنحهم الخلود ويكونون مثل الملائكة التي صنعت العالم. ذكره غريناوس في كتابه ضد الهرطقات.
ثبت أن هناك صلة بين تعاليم ميناندر وبعض الأفكار الزرادشتية بخصوص فكرة الإله المتعالي والأيونات التي هي ملائكة وسيطة بين الإله المتعالي والعالم، وربما وصلته من خلال اهتمامه بالتراث المصري.
والغنوصية من الكلمة اليونانية Gnosis التي تعني المعرفة الباطنية الّلدنيّة والحدس الشخصي، وهي العرفان بمصطلح التصوف الإسلامي. والعارفون هم الغنوصيون الذين يتواصلون ويتصلون من خلال بصيرتهم الباطنية بالحقيقة الكلية وسلبها الذي هو الحق. أما خصومهم فهم غير العارفين الذين وقفوا عند ظاهر التعاليم الدينية وحَرْفية النصوص المقدسة ولم ينفذوا إلى باطنها ولم يؤولوا رموزها الخفية.
"فإذا كان الخلاص عند اليهود يتأتى عن طريق الالتزام بالشريعة، وعند المسيحيين القويمين (ملتزمي قانون الإيمان) من خلال الإيمان بيسوع المسيح (كإله) فإن الخلاص عند الغنوصي يتأتى عن طريق فعالية روحانية داخلية تقود إلى معرفة النفس، " (السواح:66)
ومن عرف نفسه فقد تأله على قولة أرسطو، ومن تأله عرف الطبيعة الإنسانية التاريخية ومصير الانسان. الغنوص معرفة باطنية لدنية وحدس شخصي تاريخي عامل، أي نظرية وممارسة، علم وعمل. والعمل هنا من جنس العلم ألا ترى أن حروف الكلمتين واحدة وما العمل إلا تصحيف للعلم. العمل يزيل العلم ويظهر على صورته. الغنوصية في أعمق مستوياتها تقود إلى معرفة الحق (الله)، ذوقاً وكشفاً وإلهاماً، حيث الذوق ممارسة شخصية تاريخية، والكشف معاينة الحقائق القائمة بمعرفة اعيانها يقيناً، والإلهام وحي يتم عبره تسلّم "الاحسان القديم"، تسلم علوم الأسلاف العظام عبر التاريخ. حيث يُجرّون جرّاً إلى مصير الحاضر.
في نص "حوار المخلص" لدينا مثال عن طريقة يسوع الغنوصي في تحويل السائل نحو نفسه ليجد عندها الجواب. فقد سأله التلاميذ أن يُريهم مكان الحياة، النور النقي، فأجاب يسوع: "من عرف منكم نفسه رآه" وفي نفس النص يسأله التلاميذ: "من الذي يبحث، ومن الذي يكتشف؟" قال يسوع: إن من يبحث عن الحقيقة هو الذي يكشف عنها" وفي نص "بيان الحقيقة" يقول المؤلف: "التلميذ هو في الواقع تلميذ عقله الخاص، وهو الذي يكتشف أن عقله هو أبو الحقيقة، وهو يعرف ما يتوجب عليه معرفته من خلال التأمل الباطني الصامت " (السواح: 68)
"إله الغنوصيين ليس إله العهد القديم. إن الله الذي يبحث عنه الغنوصي في أعماق نفسه ليس هو الإله يهوه صانع العالم المادي المتداخل؛ العالم المعوج الناقص الفاسد المليء بالشرور، إله رأس المال المتداخل والمعيد لإنتاج نفسه بشكل موسّع. بل هو الإله المتعالي الذي هو سلب لهذا الواقع القائم الفاسد وتحويل له نحو عالم العدل والحق. هذا الإله اليهودي الدنيء يوازي أنجرا ماينو شيطان الزرادشتية. (السواح: 71)
فيما عدا الغنوصية المانوية التي تحولت على يد معلمها ماني إلى ديانة مؤسساتية (كنيسة مانوية) خلال أواسط القرن الثالث الميلادي، فإن الفكر الغنوصي لم يطور إيديولوجية دينية موحدة ومنمّطة، وبقيت الفرق الغنوصية أشبه بالطرق الصوفية الإسلامية التي يتبع كل منها معلماً روحياً له نهجه الخاص وفكره المتميز مع اشتراكها جميعاً بعدد من الأفكار العامة التي ميزتها عن غيرها من التيارات الدينية والفلسفية. (السواح: 78)
ومن المعلمين الغنوصيين والوجوه الأخرى للمسيح مرقيون الذي ولد في منطقة بونتوس على البحر الأسود في أواخر القرن الأول الميلادي وانتمى في مطلع شبابه إلى الكنيسة القويمة (أرثوذوكس)، لكنه سرعان ما أخذ بصياغة عقيدته الخاصة المتلونة بالغنوصية. والتي تسببت في حرمانه الكنسي سنة 144 م. ينطلق مرقيون في تفكيره من مبدأ الفصل التام بين العهد الجديد والعهد القديم ، وكان معارضاً للطريقة المسيحية (القويمة) في تأويل العهد القديم لجعله متلائماً مع العقيدة المسيحية ، فإله العهد القديم بالنسبة إليه ليس الآب السماوي الذي بشر به يسوع، بل هو الديموريج الذي (أعاد) صنع العالم المادي الناقص(العالم المتداخل في زمن إعادة الإنتاج أو الزمن المعوج؛ الزمن خارج الوصل حسب عبارة هاملت شكسبير) وفرض على الانسان الشريعة التي كانت بمثابة لعنة على حد تعبير بولس الرسول (غلاطية 2: 13 ) هذا الإله الحقود والمنتقم الذي يقول مرقيون أنه يعرفه حق المعرفة لا يستحق بالفعل العبادة والطاعة التي يطلبها". في العام 144 م عام حرمانه الكنسي أعلن مرقيون فيه عن تأسيس كنيسته الخاصة، التي انتشرت حلقاتها على نطاق واسع في بلاد الشام ومصر ووادي الرافدين وآسيا الصغرى وأرمينيا وشكلت أكبر خطر على الكنيسة القويمة بحيث دفعتها في نهاية القرن الميلادي الثاني إلى وضع أول مجموعة قانونية (معتمدة ومُكرّسة Canon) للعهد الجديد، وإلى صياغة "قانون الإيمان المسيحي" " السوّاح: 78-79)
من الوجوه الأخرى للمسيح فالنتينوس الذي اتخذت الغنوصية شكلها الناضج على يده. ولد بمنطقة الدلتا المصرية من أسرة ذات أصول يونانية عام 100 ميلادية تلقى علومه بالإسكندرية مدينة العلم والثقافة في ذلك العصر (الهلنستي-الروماني) وبؤرة اشعاع الفكر الأفلاطوني والهرمسي . اتصل بالمسيحيين القويمين واعتبر نفسه مسيحياً، لكنه شكل لنفسه مجموعة من الأخويات الغنوصية داخل كنيسة الإسكندرية وأسس أكاديمية للبحث الحر. اعتبر نفسه المفسر الحقيقي لتعاليم المسيح (أقواله)، بعد أن نقل إليه معلمه ثيوداس تعاليم بولس السرّية وأدخله إلى حلقة العارفين بمعتقد الاب السماوي الأعلى" شكلت تعاليمه انشقاقاً تاماً عن لاهوت العهد القديم، وقدم تفسيراً مغالياً لحياة يسوع ورسائل بولس" (السواح: 80)
الوجه الآخر للمسيح هو باسيليد المعلم الثاني للمسيحية الغنوصية بعد معاصره فالنتينوس. اعتبر نفسه مسيحياً (قويماً) أيضاً وبقي عضواً في كنيسة الإسكندرية حتى آخر أيامه. بالرغم من أتباعه كانوا يقولون انهم لم يعودوا يهوداً ولم يصبحوا بعد مسيحيين. أسس باسيليد مدرسة غنوصية اجتذبت الكثير من الاتباع خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي. أنتج باسيليد ميثولوجيا على غاية من الغموض والتعقيد في موضوعات النشأة الأولى والتكوين" السواح:81)
في الفصل الثاني من كتابه "الوجه الآخر للمسيح " يضع الكاتب عنواناً له: "الغنوصية ونشأة المسيحية" لكن كاتبنا لا يكتفي بهذا لعرض الغنوصية وهو محق، فيتبع ذلك باستطراد في الفصل الخامس بعنوان: استطراد حول الغنوصية، يلحقها بثلاثة فصول: السادس؛ الانتفاضة الأخيرة للغنوصية (البوجوميل والكاثار) والسابع: أثر الغنوصية في الفكر الحديث، والثامن وهو الأهم من وجهة نظرنا: انجيل توما (التوأم) وهو تحقيق لإنجيل يهوذا التوأم. حيث يقول الكاتب: نموذج من الأدبيات الغنوصية؛ انجيل توما – النص الكامل مع الشرح والتعليق.
يقول في مقدمة التحقيق: لعل الأثر الوحيد الذي تركه لنا يسوع، هو مجموعة من الأقوال والحكم والأمثال التي تعبر عن جوهر رسالته. وقد كانت هذه الأقوال على ما يبدو متداولة قبل تدوين الأناجيل، وشكلت الأساس الذي اعتمد عليه الانجيليون في صياغة نص مطرد عن حياة يسوع، وذلك من خلال البحث عن مناسبة لكل قول استناداً إلى الذكريات الغامضة والمبعثرة عن سيرة المعلم وأعماله ". وهذه الأقوال المكتشفة تلعب دور "الكتاب الأول" كما هو القرآن ككتاب أقوال وحكم وأمثال. ويلعب تدوين الأناجيل دور الكتاب الثاني (مشنا) كما هو تماماً دور تدوين الأحاديث واسنادها وإخراجها لنسبة أقوال القرآن إلى مكان وزمان بعينه وإلى مناسبة تكون سبباً للنزول، وقد اعتمد على الحديث النبوي بشكل لافت لكتابة سيرة متخيلة عن النبي، خاصة في ظل الغموض والسرية الكبيرة لسيرته قبل البعث وإعلان الدعوة.
للزرادشتية -المجوسية كتاب الابستاق Avesta كتاب زرادشت (الكتاب الأول) وشرحه (الكتاب الثاني) الزيندا أفيستا zenda avesta وفي المسيحية المبكرة كتاب "الأقوال" Logia (انجيل يهوذا توما التوأم) وشروحه في الأناجيل الأربعة الرسمية المكرّسة وهذا مشابه للتوراة (تناخ) وشروحه في التلمود (مشنا) البابلي-الفلسطسني (كتاب أول وكتاب ثان للشرح)، ما يمكن مقارنته مع القران ككتاب أول والحديث النبوي والسيرة النبوية وأسباب النزول ككتاب ثان.
وعلى الرغم أنه لم تصلنا هذه الأقوال في سفر واحد يجمع بينها قبل اكتشاف مكتبة نجع حمادي في صعيد مصر سنة 1945 م، إلا أن البحث الحديث في العهد الجديد قد افترض وجودها، واعتقد عدد كبير من الباحثين بانها كانت وراء تأليف انجيلي متى ولوقا، اللذين اعتمد مؤلفاهما على انجيل مرقص، وهو أقدم الأناجيل المكرسة " (السواح: 183)، وعلى هذه الأقوال التي دعوها باللوجيا (Logia) وهي صيغة الجمع من λόγος (Logos) التي تعني كلمة أو قول باللغة اليونانية. ودعوا السفر الذي تضمنها ب كويلا Quelle (أي المصدر في اللغة الألمانية: مرجع مُكرّس أو معتمد Bible) وقد كان لهذا الاعتقاد ما يبرره لأن انجيلي متى ولوقا قد تضمنا معظم المادة الموجودة في انجيل مرقص، إضافة إلى عدد من الأقوال المنسوبة إلى يسوع لم ترد في انجيل مرقص ولا بد أنها جاءت من مصدر مشترك بين الانجيلَين.
لقد تعززت هذه الفرضية بعد اكتشاف مكتبة نجع حمادي التي عثر في أحد مجلداتها على انجيل يُعزا إلى التلميذ يهوذا توما، لا يسرد سيرة يسوع من الميلاد إلى الصلب، بل يقدم مسرداً بأقوال يسوع، بلغ عددها (114) قولاً وفق التقسيم الأصلي للنص القبطي " (السواح: 183-184) هذا الاكتشاف الجديد يدعونا للاعتقاد بوجود أكثر من "مصدر" لأقوال يسوع كانت متداولة قبل وخلال فترة تدوين الأناجيل الأربعة التي ظهرت تباعاً يما بين 70-110 ميلادية. ونشير إلى أن عام 110 هجرية شكل بداية البحث عن أسانيد للأحاديث والأقوال المنسوبة للنبي محمد.
هذا الاكتشاف الجديد يدعونا للقول إن الأقوال أو (Logia) هي "الكتاب الأول" والأناجيل أحاديث وشروح وتدوينات لاحقة وكتابة سيرة عن حياة يسوع، ولنقول أيضاً أن عدد الأقوال في انجيل توما التوأم 114 قولاً وهي عدد سور القرآن الكريم (114 سورة) تبدأ بسورة البقرة وآياتها 286. ونعلم أن السور المكية 86 والمدنية 28 والمجموع 114 سورة.
وهذا الاكتشاف الجديد يدعونا للقول إن توما تعني التوأم أو القرين أي أن الاسم توأم المعنى وقرينه Θεός (Deus Dea)، فلا معنى بالفعل من دون عمل اللغة وصياغة المفهوم. وفي بداية النص جاء: استهلال: هذه هي الكلمات الخفية التي نطق بها يسوع الحي، ودوّنها يهوذا توما التوأم ومن دون اللغة لا نطق لمعاني يسوع الحي، ومن دون التدوين يضيع الأثر مع ذاكرة إنسانية محدودة القدرة. والملفت في هذا السياق قول هيغل في استهلال "فِنومينولوجيا الروح" في حديثه عن دور اللغة في تحقيق المعنى وإظهاره على شكل "نسق العلم" أو لوغوس [الأقوال (logia)]
اللغة كيان الروح، فطالما يظهر المطلق فإن اللغوي يظل ركن الإحاطة الصادقة بذلك الاظهار. النسق التأملي يقتضي بيانه لغوية مرسلة تحايث نسقاً من القضايا ينسخ بعضها بعضاً
حتى تستقر عبارة المفهوم لجهة الحركان الدوري الذي يجعل الذات-الحامل تؤوب إلى تعيّنها ضمن المحمول نفسه، وذلك هو الأصل في اقتران البيان الديالكتيكي للمفهوم باللوغوس القول).
في اللغوي الروح كونه ها هنا بالفعل لا بالتصور للغة مُنزّلة أساسية في بناء نسق العلم. ليست اللغة مجرد وسطاً أو آلة، بل المفوض الرئيسي(الاسطقس)؛ فنسق العلم جسدُ نسيجهِ لغوي (سلوم: فنومينولوجيا الروح؛ أحاديث وأقوال).
اللغة جسد ظهور المعنى، يزيل المعنى اللغة ويظهر على صورتها صورة القول(لوغوس) مفهوماً. اللغة جسد يظهر به المعنى، قد تشف وقد تحجب المعنى، فاللغة أو الكلمة فارماكون كما يقول أفلاطون. إن الذين يفسرون الاقوال تفسيراً حرفياً، حيث يأخذون المعنى على ظاهر اللفظ، هم المتعصبون النصّيون الذين يُكفِّرون الجميع ويحوّلون الاقوال المدوّنة في نصوص الى أساطير، بينما الذين يؤولونها تأويلاً رمزياً مجازياً ويلجون إلى باطنها فهؤلاء هم الغنوصيون العارفون الذين يعلمون أنها الحق وأنّها (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس: 58]
المراجع
1-فراس السواح: الوجه الآخر للمسيح، منشورات دار علاء الدين الطبعة الأولى 2004 دمشق
2-خزعل الماجدي: كشف الحلقة المفقودة بين أديان التعدد والتوحيد، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2014 الدار البيضاء
3-هيغل: فنومينولوجيا الروح، ترجمة وتقديم ناجي العوْنلّي المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى أبريل / نيسان 2006 بيروت
4-نايف سلوم: فنومينولوجيا الروح (علم ظهورات الروح)؛ أحاديث وأقوال
5-القرآن الكريم