فيمَ فكرت فرجينيا وولف


حسن مدن
2022 / 1 / 1 - 19:51     

حين انتهى أحد كبار النقاد الروس من مشاهدة مسرحية «الخال فانيا» لأنطون تشيخوف كتب يقول: «كثيرون يقولون بعد أن نخرج من المسرح: نذهب إلى المطعم نأكل ونشرب. نسمع الموسيقى. نلهو. بعد رؤيتي مسرحية «الخال فانيا» خرجت ورغبة قوية تتملكني بالذهاب إلى مكان بعيد، حيث السكينة والصمت ليتسنى لي أن أفكر وأفكر، وأبكي، وأبدأ بعمل ما».

الكاتب مكسيم جوركي كتب بعد مشاهدته المسرحية: «فكرت بالحياة ببشاعتها وقسوتها. كيف يذوي الشباب وتقدّم الحياة رخيصة على مذابح الأصنام؟».

مثلهما شاهدت الكاتبة فرجيينا وولف المسرحية في نسختها المترجمة إلى الإنجليزية على أحد مسارح لندن. لم تكتب عن المسرحية لا ثناء ولا هجاء، بل كتبت قصة قصيرة أسمتها أيضاً «الخال فانيا» تتمحور حول امرأة تشاهد عرض مسرحية تشيخوف وتفكر.

من قرأوا أو شاهدوا مسرحية تشيخوف يذكرون أنه في لحظة من لحظات العرض يحاول الخال فانيا أن يقتل البروفيسور سيربريكوف الطفيلي «الذي يحيا على خبز الآخرين»، «الغبي الذي يخفي غباءه وراء لقب علمي» كما صوره الكاتب في المسرحية.

الكاتب روسي والممثلون إنجليز. هكذا خطر في بال المرأة في قصة فرجيينا وولف، وهي تشاهد العرض منهمكة في التفكير حين دوّى صوت رصاصة على خشبة المسرح. كان الممثل الذي تقمّص دور الخال فانيا يطلق الرصاص باتجاه الممثل الذي يؤدي دور البروفيسور. في وصف ما جرى قالت وولف: «هنالك الآن! ها هو قد أطلق النار عليه. إنها رصاصة الرحمة. أوه، لكن الطلقات طاشت! الوغد العجوز باللحية المصبوغة عند الفودين في معطفه الإيرلندي ذي المربعات لم يصب بأدنى سوء».

الرصاصة أخطأت هدفها رغم تكرار المحاولة. الخصمان وجدا سبيلاً للتفاهم. بدوَا كما لو أنهما عادا صديقين، حين كانت امرأة فرجيينا في القصة تسمع أجراس الخيول تجلجل في البعيد اختلط عليها الأمر؛ فهل أصوات الأجراس آتية من البلدة الروسية البعيدة الغارقة في الصقيع، كما هي في مسرحية تشيخوف أم أنها آتية من مكان قريب خارج المسرح؟ «هل نحن نسمع الأجراس وهي بعيدة»؟ تساءلت. وراحت تفكر في سيارات التاكسي في شارع سلوّون بلندن غير بعيد من ميدان كادوجان حيث تقع العمارة التي تسكن فيها.

أُسدلت ستارة المسرح. ها هي المرأة الآن في ممر الجمهور مع زوجها وهي تفكر: «ما أغرب الروس. يرون كل شيء رغم كل أقنعة التنكر الصغيرة التي وضعناها. إنهم رهيبون». بدا لي أن هذه العبارة تكاد تقترب في معناها من قولنا: لله درّهم!