نهاية عام... من غير معايدة...


غسان صابور
2022 / 1 / 10 - 11:57     

بعد يوم.. أو بعد عدة ساعات.. تتدفق فيها بسرعة العاصفة.. أعداد آلاف المصابين الجدد بلأوميكرون Omicron.. بفرنسا وأوروبا والعالم.. مغيرة حياة شعوبها.. ومسيرات برامجها وأنظمتها وعلاجاتها.. وأعداد اللاجئين لمستشفياتها المزدحمة.. وأعداد المعالجين والمرضى والناجين والموتى... وساعات العمل الإضافية للعاملين بلا قياس بهذه المستشفيات الخاصة والعامة... كجنديات وجنود فدائيات وفدائيين.. على جبهة خط نار لعدو مجهول.. بلا عدد ولا حدود...
جو حياة قاتم... من غير غد.. تتربص به أشباح مجهولة الأسلحة والأخطار...
لن أحزن على هذه السنة... ولن أحتفل لا برحيلها.. ولا بانتهائها... ولكنني سوف أشرب حتى الثمالة (خمر فرنسي طبعا) رغم الممنوعات الطبية.. استثنائيا ولو لليلة هذا المساء.. فقط.. لأنسى كل ما عانيت هذه السنة من هموم... وخاصة من اخبار مــأسي البلد الذي ولدت بـه.. ســـوريــا... المآسي المعيشية والوجودية التي يعيشونها من سنوات... بلا أي أمل ليوم أفضل...
كلي قناعة بأن هذه السنة التي عشناها.. كما سابقتها.. سوف تبقى أعتم وأسوا ذكرياتي.. كمجموعة ذكرياتي السورية ايام فتوتي وشبابي, والتي لا أحكيها لأحفادي.. حتى لا أثير همومهم.. ولا أخربط بوصنة برامجهم بنهاية هذه السنة... أو أن أغير الصور الجميلة الحقيقية منها.. أو الخيالية المشرقية التي زرعتها لهم جدتهم (زوجتي) عن سوريا والمشرق وأوهام صور "ألف ليلة وليلة" والقصص المرونقة المعسولة التي يحكيها ملايين وملايين السوريين... الموزعين بأقطار العالم كله... عن بلدان مولدهم.. أو بلدان آبائهم وأجدادهم... وغالبا أعتق...
ولكنني لا أتصور ماذا يمكن لملايين السوريين الذين عاشوا خلال الستين سنة الأخيرة.. وما تلى... والذين عاشوا بها منذ هيمنة البعث على سلطاتها.. وخاصة بالسنوات (الأسدية) والعشرة الأخيرة منها.. او ماذا يعبر آخر عشرة ملايين مهجر... عما عاشوه من هموم,
مع عسكر السلطة ومخابراتها وشبيحتها.. وذباحي داعش وحلفاء داعش او أبناء داعش... وحصيلتهما من مخطوفين.. ومختفين.. وقتلى...
لا أحب هذه السنوات.. لا سنوات هناك... ولا هاتين السنتين هنا... لأنني أكره الموت بجميع أشكاله.. وخاصة فقدان أحبتي وأصدقائي... وخاصة كل من صرخوا معي ضد الظلمات والعتمات بكل مكان بالعالم... الموت أول أعدائي.. وخاصة بأيام الكورونا والكوفيد والأوميكرون... لأنهم أشباح تتسرب وتتسلل مع الهواء... وتدخل حتى عبر الطاقات المغلقة... ونجهل من أي مخبر ولدت... ونجهل من اية خلية تطورت وهددت البشرية النائمة... كما أستغرب كيف أن ملايين من البشر المتحضرين (على الورق) يرفضون اللقاحات المكتشفة التي تخفف.. ولو البعض الخطير من تسرباتها السريعة الخاطفة...
هذا المساء... سوف أواكب نهاية هذه السنة.. سنة الكورونا والكوفيد والأوميكرون.. بكأس عرق سوري.. وزجاجة شمبانيا فرنسية.. مع أغلى صديقة سورية وزوجها السوري الأصيل.. اللذين هما أصدق وأقرب وأحلى وأغلى أصدقائنا.. والأقرب لقلب وعقل زوجتي.. وعقلي وقلبي وكبدي.. وبساطة الحياة الطبيعية اليومية النادرة معهما... والبعيدة عن كل غش وكذب ونفاق... هذا الثالوث الذي أصبح دستور السياسة والعلاقات والمؤسسات والأحزاب التي تمشي.. ونمشي بأيامنا هذه... وحتى بين غالب البشر العاديين... بحياة كل يوم...
بانتظار الغد... أو بانتظار أيام أفضل.. وأعياد أفضل... وخاصة حريات حقيقية أفضل... وأن تتصحح القواعد الإنسانية... لأصالتها التاريخية... بكل مكان من العالم...
***************
عــلـى الــهــامــش :
ــ مرض الحنين La Nostalgie
كنت أعتقد أنني مع انقطاع زياراتي لبلد مولدي سوريا.. وغياب أية صفحة ذكريات (مقبولة) لي عنه.. بعد أن مضيت به أيام فتوتي وشبابي... ومع كل هذا تابعت الكتابة عنه.. من ضمن الكركبات والحروب.. ومآسيه الداخلية والسلطوية.. والداعشية...
ومع تقدم العمر... وسهولة الاتصالات.. رغم الصعوبات التقنية.. واتصالات زوجتي المتكررة مع من تبقى من عائلتها هناك... وتكاثر وورود الأخبار المأساوية والمعيشية... تسربت لي أعراض الحنين.. والذي اعتقدت زمنا أنني تخلصت منه... وتطورت حتى كتاباتي عنه.. تزداد عن اهتمامي بالأخبار الفرنسية المحلية والعالمية... مما زادت همومي.. وأنهكت صحتي... لأنني كنت أرى وأسمع يوميا انهيار هذا البلد.. وتمزق أهله... وخاصة أن كل صرخاتي من أجله.. ضائعة بوادي الطرشان...
كم يضيقني.. ويحزنني.. ويؤسفني... تفجير هذا البلد ذي أقدم الحضارات الإنسانية... وتفتيته عمدا... بغياب غالب ضمائر سلطات الدول التي تهيمن على العالم...
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا