المسار السياسي ما بعد الانتخابات في العراق


مؤيد احمد
2021 / 12 / 30 - 03:25     

الانتخابات والانتفاضة
كانت الانتخابات الأخيرة للبرلمان العراقي انتخابات قوى الثورة المضادة، وذلك ببساطة لأنه فقط امْكن طرح الانتخابات واجراؤها بعد ان قُمِعت واُغرِقت في الدماء أقوى انتفاضة ثورية جماهيرية للعمال والكادحين والمعدمين والشبيبة الثورية. على اثر هذه المجزرة الاجرامية للنظام البرجوازي الاسلامي والقومي وميليشياته بحق هذه الجماهير، قُتل أكثر من 800 منتفض ومنتفضة، وتم اعتقال وتغييب الالاف منهم وجرح عشرات الآلاف. وفي إقليم كردستان، وبالتحديد في كانون الأول(ديسمبر) 2020، سُفِك دماء اعداد من المتظاهرين في سياق حملة العنف والقمع والاعتقالات والملاحقات التي شنتها السلطات هناك فتمكنوا من السيطرة على الاوضاع بصورة مؤقتة. وفي الاونة الاخيرة استمرت تظاهرات الطلاب والشباب في العديد من المدن في كردستان لعدة أيام.
إذا نظرنا الى ما جرى ويجري حاليا فيما يخص الانتخابات ودققناه من موقع انتفاضة أكتوبر في العراق ومظاهرات الجماهير في اقليم كردستان، وآمالهم وأهدافهم التحررية، نرى تقطر الدماء من مجمل جسد هذه الانتخابات، ونسمع عذاب الآلاف من الضحايا والمفقودين والمحتجزين والجرحى وآهات عائلاتهم، ونرى افتضاح جميع تلك الأطراف والافراد الذين شاركوا في هذه الانتخابات باسم الانتفاضة. هذا المشهد وهذه اللوحة هي حقيقة ومعنى انتخابات قوى الثورة المضادة بالنسبة للجماهير المفقرة في هذا المجتمع، وهي على نقيض ادعاءات السلطة وأحزابها وقواها بـ 180 درجة.
كانت الصفة السياسية لانتخابات البرلمان العراقي هذه المرة، والتي تميزها عن الانتخابات السابقة، هي ارتباطها بقمع الانتفاضة. وكان جوهرالانتخابات، كعمل سياسي وأداة بيد قوى الثورة المضادة، هو هذا الارتباط وهذا القمع، وكان الهدف الرئيسي هو جني ثمار قمع الانتفاضة لصالح البرجوازية الإسلامية والقومية والنيوليبرالية الحاكمة، وليس تنفيذ أهداف ومطالب الانتفاضة كما تتدعي هذه التيارات.
بالنسبة لقوى السلطة، كانت الانتخابات أداة سياسية "ناعمة" مكملة لعملية القمع الدموي لتلك الانتفاضة. ان تعكير وتشويه اهداف ومطالب الانتفاضة بالادعاء بان اجراء الانتخابات المبكرة هو استجابة لمطلب انتفاضة اكتوبر، وحسب تعبير الكاظمي هو من اجل توفير "الدولة والاصلاح ورفض الفساد"، يوضح جليأ هذا الاستكمال لعملية القمع. لم يذكر الكاظمي في خطابه هذا على التويتر كون الانتفاضة قد اندلعت ضد النظام وعدم المساواة والفقر والبطالة، ولم يتطرق الى ان هدف وشعار الانتفاضة كان اسقاط مجمل النظام وسلطة الأحزاب، كما وانه لم يذكر أن الجماهير الثورية أرادت قلع جذور الفساد واستئصاله كنظام.
وكما ذَكرت، فقد تم طرح الانتخابات، كخطة وسياسة البرجوازية الحاكمة، فيما يتعلق بالانتفاضة، لجني ثمار قمع الانتفاضة وتحقيق الاستقرار في النظام، وفي هذا المضمار للحد من آثار تلك اللطمة الكبرى التي وجهتها الانتفاضة للبنيان السياسي والأيديولوجي للإسلام السياسي وللطائفية في العراق. ان الاستراتيجية التي اتبعتها قوى النظام في هذا المجال، ولا تزال، هي تأطير و توجيه التغييرات السياسية والفكرية التي حققتها الانتفاضة باتجاه يتسنى إحتوائها في جسد البناء الفوقي السياسي والأيديولوجي للنظام الرأسمالي السائد ويمكنهم من خلال هذا الاحتواء تسهيل الاستقرار في النظام السياسي الحاكم.
الأحزاب والقوى والتيارات الفكرية والسياسية للبرجوازية، سواء في السلطة، أم في المعارضة أو في جبهة المقاطعة، وبعض ممن يحسبون انفسهم طرفا في الانتفاضة، ويتحدثون الان باسم "تشرين"، أي أكتوبر، كانت كلها ولازالت، منهمكة بالعمل على الحد من وقع الضربة التي وجهتها الانتفاضة إلى بنيان تيارات الإسلام السياسي والنظام السياسي البرجوازي في العراق. وكانت الانتخابات البرلمانية أيضا لحظة من لحظات وعناصر هذه العملية، وكانت توحيدا لهذه المحاولات الرجعية من جانب جميع هذه الأحزاب وتوجيهها بهدف ترسيخ النظام السياسي الحاكم والاذابة البطيئة والهادئة للإنجازات الفكرية والسياسية للانتفاضة داخل النظام.
ان ألية اعادة انتاج سلطة القوى الاسلامية والقومية مجددا، والديناميكية السياسية في المجتمع البرجوازي في العراق، تضع باستمرار وباشكال متعددة، عمال ومفقري هذا المجتمع والصفوف الواسعة للمعطلين عن العمل والنساء المضطهدات والشبيبة الثورية تحت وطاة هذه الهجمة الأيديولوجية والنظرية والسياسية للتيارات والحركات البرجوازية وسياسات سائر قوى الثورة المضادة العدائية. والغرض من هذا هو اعاقة تقدم النضال المستقل لهذه الطبقة والفئات المعدمة والمضطهدة ومنعها من جني ثمار انتفاضتها الثورية ومن الاستفادة من مكتسباتها الثورية للارتقاء بوعيها السياسي والفكري المستقل وترسيخ هذه المكتسبات على صعيد اجتماعي واسع.
وفي نفس هذا السياق، ومن أجل عدم الانصياع لاي من المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التحررية للجماهير المفقرة والثورية والقوى البروليتارية للانتفاضة، اتت القوى البرجوازية الحاكمة وداعميها الدوليين بالانتخابات كبديل لتلك المطالب، وهذا البديل بطبيعة الحال هو في مصلحة تعزيز النظام القائم. من الواضح أنهم يعلمون جيدا أن فرض أبسط المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التحررية لهذه الجماهير على البرجوازية ونظامها سيصبح إنجازا راسخا، ليس فقط لتحسين معيشة وحياة البروليتاريا والفئات المعدمة، ولكن أيضا لتغيير توازن القوى في المجتمع لصالح هذه الطبقة والفئات وارتقاء مستوى وعيهم سياسيا وفكريا، وفي التحليل الاخير، لتعزيز عملية النضال الثوري.
ولكن مع كل هذه المساعي والحملات الرجعية لمعسكر الثورة المضادة ودورها في فرض تراجع نسبي على الانتفاضة، لا يمكن لأحد أن ينكر كون موجة الاستياء في صفوف جماهير الشغيلة والمفقرة والسخط والاعتراض على ما هو قائم، تجري في اعماق المجتمع ويتسع مداها اكثر فاكثر. دع جانبا كون من قاطعوا الانتخابات، وحسب التقارير، وصلوا الى 80 بالمئة من الناخبين، وان جميع القوى الرئيسية في السلطة فقدوا الكثير من أصواتهم. وكل هذا يشكل ظواهر أزمة عميقة وواسعة النطاق يشهدها النظام السياسي والاقتصادي في العراق، وتؤدي إلى استمرار مساعي الجماهير التحررية لتغيير الوضع السائد، والآن نرى أن مظاهرات الطلاب والشباب في كردستان مستمرة ومن المتوقع أن يبدأ طور جديد من الاحتجاجات الجماهيرية على صعيد عموم العراق على ارضية اكثر صلابة وقوة واتساعا من ذي قبل.

طور ما بعد الانتخابات،
وتثبيت النظام السياسي للبرجوازية
ما يقوم عليه النظام السياسي في العراق قبل وبعد الانتخابات، هو المنظومة الطائفية والقومية المدعومة بالقوى الميليشية، فالانتخابات ليست فقط لا تغير هذه المنظومة فحسب، بل حتى ان الإصلاحات التي يتم الحديث عنها صوريا هي لإعادة إنتاجها وتامين عناصر استقرارها. المهم هنا هو ان هذه المنظومة نفسها تعيش حالة تأزم عميقة حيث تخندقت اكثرية الجماهير بوجهها.
السمة الرئيسية لفترة ما بعد الانتخابات هذه، هي ازدياد عمق واتساع أزمة السلطة البرجوازية الإسلامية والقومية في العراق وكوردستان، وإن مصدر هذه الازمة، بشكل رئيسي، هو اشتداد الأزمة الاجتماعية الواسعة المتلازمة لتفاقم تناقضات النظام الاقتصادي الرأسمالي النيو ليبرالي السائد و ديناميكية الحياة الاجتماعية فيه، كما وانه ناجم عن هزة عميقة وارتجاج حصلا في هيمنة الأيديولوجيا والآفاق السياسية والفكرية للإسلام السياسي والحركات القومية على اقسام واسعة من الجماهير . لذلك فإن هذه الأزمة السياسية للنظام وهذا الاستقطاب الجماهيري بوجه السلطة يتنامى ويتعمق باستمرار، وقد وصل إلى مستوى اصبح حصول التغير ضرورة لا بد منه، سواء لمصلحة الجماهير أو ضدها، كي يتم تخطي ما هو موجود وسائد.
المسالة الرئيسية في الوضع الحالي هي انه لتحقيق هذا التغيير، باتت جماهير العمال والمفقرين و الشبيية والاشتراكيين والتحرريين منهمكون، وبدرجات مختلفة، في النضال بوجه الطبقة البرجوازية الحاكمة و تياراتها واحزابها وقواها، سواء اكانوا في الحكم او في المعارضة، وبالمقابل فان القوى والاحزاب البرجوازية منهمكة في صراع محتدم و مهلك فيما بينها في الوقت الذي هم موحدون ضد البروليتاريا والثورة.
بقدر ما يدور حديثنا حول السلطة والدولة في العراق، فإن الصراع بين قوى وأجنحة السلطة ليس سوى جانب واحد وجزء واحد من واقع وطابع الدولة والنظام السياسي في العراق، لكن القضية الأساسية في هذا الصدد هي أن القوى الرئيسية للسلطة، الرأسماليين الكبار، الفئات المتنفذة من البرجوازية المحلية، وكذلك البرجوازية الإمبريالية الغربية وحلفائها الدوليين وحتى الاقطاب الاقليمية، بما في ذلك إيران، متفقة وموحدة في تحقيق الاستقرار لسلطة الدولة البرجوازية في العراق من خلال هذا الشكل السياسي الإسلامي والقومي المحاصصاتي.
كل هذه القوى البرجوازية لا ترى اشكالية في تأمين الشكل السياسي للدولة الحامية للنظام الرأسمالي وحركة تراكم الرأسمال، التي هي جزء من حركة الرأسمال العالمي، عن طريق هذا النظام الفاسد والقمعي، ليس هذا فحسب، بل تتعامل معه كضرورة وتسعى من اجل تثبيته. كما وتقوم باحتواء اية مساعي ونضالات ثورية للبروليتاريا والمحرومين والتحرريين والاشتراكيين، وتسعى لسد الطريق امامهم للعب دورهم في ترسيم التغير الذي اصبح في اجندة التاريخ المعاصر في البلاد وبالتالي، وعلى نفس السياق، تحاول ايجاد الحلول لازمتهم بشكل تقوي وترسخ السلطة البرجوازية الاسلامية القومية واركان الدولة والديكتاتورية البرجوازية اكثر فاكثر.
ما يهم أمريكا والبرجوازية الدولية المتحالفة معها الان هو أن تتمكن القوى البرجوازية المحلية ادامة النظام السياسي القائم والسير لتعزيزه ووضع الحد لدور القوى الموالية لجمهورية إيران الإسلامية في العراق. إن قيام القوى الغارقة في الرجعية من امثال الصدريين، والبارتيين والحلبوسيين وحلفائهم الاخرين بتشكيل حكومة الأغلبية وتوطيد اركان النظام السياسي البرجوازي بهذه الطريقة، ليس فقط لا يشكل اشكالية بالنسبة لأمريكا و حلفائها فحسب، بل يعتبرونها انجازا ضروريا و مبعث تقديرهم ودعمهم. فقمع الصدريون للمواطنين وسلب حقوق النساء وفرض الاستعباد عليها الان وفي المستقبل، وما يجلبه الحزب الديمقراطي الكردستاني ( البارتي ) من الخراب على الجماهير في كوردستان ويديم بحكمه على نمط البعثيين، وما يمرره الحلبوسيون وحلفائهم من صفقات مناوئة لمصالح سكان المنطقة الغربية ومن التلاعبات بمصيرهم، لا يشكل شيئا ذي اهمية لدى أمريكا والبرجوازية الدولية لان ما يشغل بالها وببساطة هو تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية ومصالحها الجيو -سياسية.

التحدي الرئيسي امام البروليتاريا
مع قمع الانتفاضة، اصبحت قواها البروليتارية والكادحة في وضع اضطرت فيه ان تترك الساحات وتواصل نضالها بأشكال أخرى لحين انبثاق نهوض جماهيري ثوري آخر في مسار الاوضاع الحالية او في مستقبل قريب. إن سقوط قسم من نشطاء الانتفاضة الانتهازيين في مستنقع الفساد السياسي بحسن رضاهم وتحولهم الى ملحق للنظام وماكينته الاعلامية المخادعة، وقبول جزء آخر منهم كي يكونوا ألاعيب بأيدي أحزاب المعارضة البرجوازية المرتبطة بهذه الدولة او تلك من القوى والاقطاب العالمية والإقليمية، يشكل دلالات وظواهر انهيار هذا الطيف من "المنتفضين" وافلاسهم السياسي، وهو وفي الوقت نفسه يعكس مدى الاستقطاب المتزايد الحاصل بين قوى الثورة، من جهة، وقوى الثورة المضادة، من جهة اخرى، او بالأحرى بين قوى التغيير وارساء مجتمع جديد وبين قوى الرجعية والاستبداد.
إن جماهير العمال والكادحين في العراق وفي كردستان تواجه تحديا كبيرا في اوضاع ما بعد الانتخابات. ان المساعي لتعزيز وتامين استقرار النظام السياسي البرجوازي والدولة البرجوازية بشكلها الإسلامي والقومي في العراق بحيث تتماشى مع مصالح البرجوازية الدولية ومعسكر امريكا وحلفائها، تجري بشكل حثيث وفي اوضاع مليئة بالتعقيد، وما يفعله هذا المعسكر للبرجوازية المضادة للثورة في هذه العملية، هو من حيث الاساس ضرب مصالح جماهير البروليتاريا والمفقرين في العراق وسد الطريق امام مساعيها لخلق تحولات سياسية ثورية وجذرية لصالحها.
لهذا السبب، ليس هناك مجال واسع للضبابية السياسية ان تسود في هذه المرحلة حيث بات مسار الصراع السياسي الطبقي الدائر في المجتمع يشهد استقطابا أوضح. ان البرجوازية الحاكمة وحلفائها الدوليين يعملون على إقامة الدولة البرجوازية في العراق وتثبيتها من خلال هذا الشكل السياسي الإسلامي والقومي، ولا يريدون أن يخسروا ما حققوه في هذا المجال بسهولة، وفي خضم مساعي البرجوازية هذه، نرى كيف انتهى دور ذلك القسم من قادة ونشطاء الانتفاضة الذين انخرطوا عمليا في تحقيق هذه الاستراتيجية البرجوازية. ولهذا، نرى انه في الوقت الذي تزداد فيه ظاهرة التبعية للنظام وللقوى البرجوازية المعارضة ضمن اوساط هؤلاء الذين يعتبرون انفسهم محسوبين على الانتفاضة هذه الأيام، تنفضح اكثر فاكثر إنتهازيتهم السياسية وتصبح محل سخط وازدراء الثوريين والمنتفضين الراديكاليين بشكل متزايد.
يبدو ان الجيل الصاعد من المنتفضين والبروليتاريا في حالة حركة وتنامي قواهم على صعيد المجتمع حاليا، وما هو المهم هو ان السياسة الانتهازية لدعاة الاصلاحات المزيفة وكذلك افكار النشطاء الفاسدين القدامى المناهضين للحزبية والسياسة والاشتراكية، لم يعد لها رواجا لدى هذا الجيل ولم يعد لها التأثير على حركتهم السائرة الى الامام في قلب المجتمع.
سيبقى نشر الخرافات القومية والدينية والطائفية باستمرار هو الخصيصة الرئيسية لسياسة وسلوك الأجنحة البرجوازية المختلفة في العراق، والذي يجسد بشكل رئيسي مهامهم المضادة للثورة، وهو جزء من مساعيها لاجتياز الوضع المتأزم الحالي من خلال إضعاف الطاقة الثورية الكامنة لجماهير الشغيلة والمفقرة وإضعاف حدة كل فكر اشتراكي وثوري. هذا بالإضافة الى انه ثمة احتمال في حال وقوع النظام و الدولة البرجوازية تحت ضربات الثورة وتطور العملية الثورية أن تلجأ البرجوازية المحلية والدولية إلى تقوية اكثر التيارات فاشية والى عسكرة الوضع وخلق حروب بالوكالة، والإرهاب، وحتى الاحتلال العسكري.
والضمان الوحيد بوجه جميع هذه الاحتمالات هو توحيد الصفوف المستقلة للعمال والكادحين حول آفاقهم السياسية المستقلة وبديلهم الاشتراكي. ان تجربة انتفاضة اكتوبر وجميع التجارب الثورية الجماهيرية الاخرى في المنطقة تثبت لنا ذلك.

البديل الاشتراكي
نقطة الانطلاق لدرك جوهر ما يجري من الازمات والصراعات المتعددة في العراق، هي التعامل معها في كليتها، وفي كونها عملية مستمرة ومترابطة. القضية الرئيسية هي كيف ان البديل الثوري والاشتراكي يمكنه دفع الصراع السياسي والاجتماعي قدما باتجاه يضمن الاستقلال السياسي الطبقي الاشتراكي للبروليتاريا باستمرار ويمكنه من اعادة انتاجه في جميع مراحل هذا الصراع ومنعطفاته.
لا يوجد لدى القوى البرجوازية مجتمعة، من هم في السلطة او في المعارضة، نمط وبديل اقتصادي للمجتمع ولتنظيم حياته الاجتماعية والاقتصادية، سوى الرأسمالية الليبرالية الجديدة المعاصرة، ولا توجد لديهم آفاق واجندة لتوفير الرفاه للجماهير. وهذا هو بحد ذاته نقطة ضعفهم ويشكل ارضية تلك الازمة الاجتماعية التي تشدد ازمتهم السياسية باضطراد.
وعليه وعلى العكس مما تدعيه اعداء الطبقة العاملة والشيوعية، كون البديل لاشتراكي والشيوعي قد زال وانتهى عهده، فان ما هو بائد وزائل هي الراسمالية النيو ليبرالية وتناقضاتها التي تخلق الماسي للجماهيرباستمرار، تلك الراسمالية التي يتم ادامتها والحفاظ عليها بالعنف وبسبب كون توازن القوى السياسية الطبقية هو لصالح البرجوازية عالميا في الوقت الحالي.
ان الدوران في فلك تحقيق الاصلاحات في البناء الفوقي السياسي للنظام الراسمالي وفي اطار ساحة السياسة البرجوازية بدون تبني افق التغيير الاقتصادي الثوري الاشتراكي، وبدون الرد على الوضع الموجود بوصفه كلا واحدا، لن يحل ايا من معضلات البروليتاريا. لا يمكن الرد على معضلات وقضايا جماهير العمال والكاحين والمفقرين في اطار الانتخابات والمقاطعة ولا في اطار تغيير النظام السياسي وفق نمط البرجوازية واصلاحاتها.
بالنسبة للبروليتاريا الاشتراكية، فإن نضالها السياسي الطبقي المستقل ليس سوى نضال ترفع فيه راية الاشتراكية وآفاق التغيير الثوري الاقتصادي والتحرر من قيود راس المال والرأسمالية، و بتبنيها الافق الاشتراكي والاممي وحده تستطيع البروليتاريا ان ترتقي بدورها وترد على مهام هذه المرحلة من التغييرات السياسية والاجتماعية بشكل تكون لصالحها ولصالح المفقرين والكادحين والمضطهدين. وعلى نفس السياق يمكنها ان تحقق الاصلاحات في مسار نضالها هذا وتثورعلى كل ذلك البناء الفوقي السياسي الذي جعلته البرجوازية القومية والدينية والليبرالية في العراق قلعة الرجعية واداة استعباد الملايين من البشر واستمرار مآسيهم.
29 تشرين الثاني(نوفمبر) 2021