(طفولة ( واثق بالله


احمد مصارع
2006 / 8 / 31 - 09:54     


وقفت الى جانبه وهو يستمتع بترديد الترنيمة التالية
الله مالله بالله
آني ما أسمع
ألا كلام الله
* * *
الله مالله بالله
آني ما أسمع
ألا كلام الله
***
كان يهتز كالنابض منتشيا , غافلا عما يدور حوله , كمثل من يؤدي صلاة حقيقية .
سألته بهدوء تام , وبصوت خفيض , كي أختبر صدق ما يقوله , فمن المفترض , أنه لن يسمع صوتا آخر غير صوت أو كلام الله.
:- حمادي , هل تعرف الله ؟
أجاب بسرعة ضوء البرق : أنا لا أعرف الله , لكن ( بس) أسمع كلام الله .
جربت أن أعلق عليه ساخرا فعلقت معه علقة لا خلاص منها.
:- يبدو أنك حفظت الدرس جيدا ؟
أجاب :- آني أحفظ دروسي , وأسمع كلام الله ...
قلت له :- تذكر.... وأسمع كلام .......؟
قال الله ثانية , وأعدت علية الجملة الناقصة ليكملها , وخلال لحظات نسي ترنيمته , وراح يقول :- وأسمع كلام أبي وأمي ...
أضفت - و.....؟
رد سريعا - خلاص .
قلت -: وكلام ...؟
استدرك وهو يتذكر شيئا هتف بصوت عال :- وكلام معلمتي فهي تعلمني ..
قلت محفزا - وكلام ......؟
رد مستاء بكل ثقة :لا أحد , خلاص , لم يبق أحد .
سألته - الآن هل أنت تسمعني ؟
أجاب باستخفاف : أسمعك بس ما أطيعك ؟
علقت عليه : يعني أنت ما تطيع المدير والرئيس والملك ؟!.
قال بكل برود : لا .
لم يكلف نفسه عناء تأكيد ( لا) عدة مرات , وراح يحملق بي , بعينين كبيرتين , وهما تضيئان كفانوسين , في وجه مدعبل كشمامة , فسخرت منه بقسوة لأنني رغبت بقرصه , قرصة تجعله يصرخ صراخا يتعظ فيه مرة واحدة , كي لا يعود للاستخفاف مرة أخرى , ولولا خوفي أن يكبر فجأة وأخسر طفولته الجميلة .
قلت له - هل تعلم ؟ لو أن الله خلقك بطيخة حلوة ؟ لمه ؟ كي أأكلك ..
رد منتصرا :- لأني أسمع كلام الله , فالله خلقني إنسان ..لأني أطيعه ..
قمعته بقوة : - أنت جبان وتخاف من كل شيء ؟
أجاب معاندا - لا, لأ ,لا أنا لا أخاف إلا من الله .
سألته مستنكرا - لماذا لا تخاف إلا من الله ؟!.
أجاب بثقة واحد فيلسوف عصره .
- لأن الله عنده الجنة والنار , وال ( ما يسمع كلامه )يعذبه بالنار , وال( يسمع كلامه يدخله بالجنة ) .
أعدت سؤاله وكلي انزعاج من أيقانييته الدغمائية.
:- يعني أنت لا تخاف من المديرة ؟!.
قال: - لا, قلت له بلهجة مهددة : - ولكنها ستطردك من المدرسة , وستصير ( حوام ) بالدربات , صايع وتلعب ضايع ...؟
بكل هدوء رد -: المهم أن أدخل الجنة ..
لنكبر الاستجواب ومع هذا ( العنتري ), ولننظر الى أين نصل !.
سألته كرة أخرى لأورطه أكثر فأكثر
:- ألا تخاف من الرئيس أو الملك ؟
أجاب بالنفي بكل برود , قلت له مهددا - : ولكنهم سيجنونك .
قال ثانية :- المهم أن أدخل الجنة .
علقت عليه ساخرا :- ستدخل الجنة ولكن بعد أن ينتفوا ريشك ويسلخوا جلدك ؟
قال واثقا
- إيه الله سوف يعذبهم .
نفذ صبري مع هذا الطفل النافش روحه كالطاووس الجميل , الذي سأسميه من الآن وصاعدا السيد: ( واثق بالله ) , ورحت أكيل غيضا من فيض تهم :
-: أنت متطرف .
-: أنا( مو.. مططرف ).
-: أنت رافضي .
- أنا ( مو.. أررفض ).
-: أنت إرهابي صغير .
رد علي بفظاعة هذه المرة - : أنا شرطي كبير .
( تحسبها لعبة كومبيوتر ياعكروت ؟!).
لابد من قرصه قرصة مؤلمة , تجعله ينطز من مكانه , لابد من أن أنتف ريشة من هذا الطائر الجميل منفوش الريش , الواثق بالله .
سؤال لو سمحت حمادي واثق بالله
:- الحمام يلد أم يبيض ؟
أجاب على الفور بسرعة طائشة صاروخية ( صاغوغ ) , واسع الإطلاع .. ماشالله واثق بلله
-: الدجاج والبط والحمام والعصافير .. و(الوز) والنسر .. كلها تبيض .
أسأل -: والخراف تبيض أم تلد ؟
أجاب -: الخراف والكلاب والقطط والحصن والثعالب والذئب والنمر والأسد .. كلها تلد .
على الخبير وقعت , وكأنه يعرف الذئب والفهد والأسد ؟!.
أين رآهم بالصور ؟!.
سيد واثق بالله
- والنمل ؟ والجراثيم والفيروسات ؟
صمت ساهما يفكر بطريقة طائر الحر عندما يقع بالشبك .
-: ...............................
-: سيد واثق بالله , أبوك هل يلد أم يبيض ؟
فكر مليا ثم قال وهو يحك رأسه حائرا -: يبيض .
قهقهت بضحكة أوضح من دمدمة الرعد, فتقلص وجهه وانكمش كالطائر المبتل بالماء , وشعر بالحرج والخجل , لأنه كان يعلم أن أمه هي ولدته , وبالتالي فلابد أن يكون أبيه هو الذي يبيض , فمازال عقله محصورا في ثنائية ( نعم , لا ) , ولم يدرك بعد الثنائية ( لا, لا ) , أي لا هذا ولاذاك
أعطيته ( خرجية ) مصروف نقدي فهو يستحق عطاء جزيلا , وخلال ثوان ركض نحو الدكاكين ليشتري ما تشتهيه نفسه .
لقد أضحكني أخيرا وكثيرا, لعل جمال الطفولة من طرافة فكرهم الذي ينبغي أن ينمو وأن تحرص كل البشرية على أن يتم في دعة وسلام , فما أجمل الطفولة . ...