دروس النصر

معقل زهور عدي
2006 / 8 / 30 - 10:59     

اذا استطعنا ان نتفق على تسمية نتيجة الحرب في لبنان بالنصر باعتبار المعنى السياسي بصورة رئيسة ، فان مهمة شاقة تنبسط أمامنا تتمثل في السؤال كيف ينبغي ان نتعامل مع هذا النصر ؟
في البداية لابد من تثبيت فكرة الانتصار بوجه المحاولات المتعددة من أطراف مختلفة بعضها عربي لدفن فكرة الانتصار فوق كومة كبيرة من التشكيك وصرف الانتباه نحو فعل المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن وأيضا حجم التدمير الهائل في البنى التحتية والمآسي الانسانية الخ..
لايوجد مبرر لوضع حدود قطعية بين انتصار عسكري وسياسي فكل انتصار هو في النهاية سياسي ، فصمود المقاومة بوجه رابع اعتى جيش في العالم مدة ثلاثة وثلاثين يوما هو بصورة من الصور انتصار ، ومنع اسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة في بدء الحرب هو انتصار ، وحجم الخسائر الكبيرة التي منيت بها اسرائيل في الجنود والآليات هو انتصار ، وما نقرؤه يوميا في الصحافة الاسرائيلية من تقييم للحرب يدل على شكل من أشكال الخسارة وأوضح ما كتب في ذلك ما كتبه رون بين يشاي في صحيفة يدعوت أحرونوت في 22/8/2006 تحت عنوان ( وقف اطلاق النار منع وقوع هزيمة أكبر ) أن ميزان حرب لبنان الثانية لا يشير بالتأكيد إلى انتصار الجيش الإسرائيلي، وحتى بالنقاط، فهم أقرب إلى الخسارة منه إلى الإنجاز لدى الأخذ بعين الإعتبار المعاناة المتواصلة للجبهة الداخلية. وبرأيه فإن الهزيمة تنتفي نظراً إلى قرار مجلس الأمن والتطورات المتوقعة، والتي اعتبرها إيجابية، في لبنان نفسها بعد الحرب.
لكن المشكلة أن المعنى السياسي للانتصار معرض للطمس والتشويه لكونه تم في ظل ميزان قوى دولي واقليمي مختل بطريقة لاسابقة لها لصالح الطرف الأمريكي – الاسرائيلي ، وبالتالي فان مفاعلات اختلال التوازن ستقوم بكل جهد لامتصاص أثر الانتصار بل وتحويله ان امكن الى خسارة . وهذا مغزى اشارة رون بين بيشاي الأخيرة.
انتصار جزئي نسبي سياسي – معنوي ولكنه هام جدا بالنسبة لنا ، وسواء تمكنت الولايات المتحدة واسرائيل من السيطرة على الموقف في لبنان ودفع حزب الله الى الانكفاء وصولا نحو محاصرته وعزله وتجريده من السلاح أو فشلت في ذلك وهو رهان ليس سهلا ولامحسوما سلفا ، فمن الضروري ابقاء معنى النصر الذي تحقق بعيدا عن الطمس أو التشويه وبعيدا أيضا عن المبالغة والوهم والاستسلام لنشوة الانتصار .
تأتي أهمية انتصار المقاومة في لبنان من السياق الذي تم فيه والذي يتصف بانتشار احساس بالعجز والاحباط والهزيمة لدى الشعوب العربية تفاقم بصورة خاصة بعد سقوط بغداد حيث ظهر وكأن الأمة العربية أصبحت كعكة على مائدة الآخرين وجثة للنهش وتركة لرجل مريض يلفظ أنفاسه يتنافس عليها المتنافسون حسب قوة أنيابهم ومخالبهم .
وزاد الطين بلة أن نخبا ثقافية كانت محسوبة على الأمة قررت بتأثير ضعف الانتماء والشعور بالهزيمة العبور الى الجهة الأخرى متخفية بأقنعة الحداثة والليبرالية والديمقراطية وبدل أن يكون قلمها سيفا للأمة وقت الشدة والامتحان أصبح خنجرا في ظهرها موظفا لتكريس معاني الهزيمة والتخاذل ورفع الرايات البيض.
هكذا جاء انتصار المقاومة في وقته ليضع حدا لمشاعر العجز وثقافة الهزيمة ، وليبرهن أن الأمة مازالت في عنفوانها ، فاذا كان بضعة آلاف من أبنائها الحقيقيين المزودين بالكثير من الايمان والقليل من أدوات القتال استطاعوا فعل مافعلوه وشهد به العالم اذن وداعا لليأس .
هذا المعنى هو الأكثر أهمية من كل الأحداث اللاحقة وهو باستقراره في ضمير ووعي الأمة وأبنائها المخلصين سيفجر لاحقا طاقات أكبر من طاقة حزب الله بما لايقاس ، وماهوحيوي الآن بلورة المشاعر المرتبطة به والحقائق التي كشفها في أفكار واضحة وسياسات واستراتيجيات للمرحلة القادمة .
في المقابل فان الاستسلام لنشوة الانتصار ، والغفلة عن طبيعته النسبية والجزئية ، وحقائق موازين القوى العالمية ، والواقع الموضوعي المأساوي الراهن لن يخدم سوى في تفريغ الانتصار من معناه الحقيقي.
المعركة لم تنته بل مازالت في بدايتها ، وبعد انتصار المقاومة ستكون هناك انكسارات - ربما – لابأس، هكذا كانت الأمور دائما في الصراعات ذات البعد التاريخي ، المهم الابقاء على ارادة القتال ، وارادة النصر.
في الكيان الصهيوني يقومون بفتح ملف الحرب ودراسة عبرها ودروسها وهذا ما يتوجب علينا أيضا ان نفعله بدل مجرد الفرح باعترافهم بالهزيمة .
في هذا السياق ثمة مقارنة تلح في السؤال :
لماذا قاومنا في بنت جبيل البلدة الصغيرة الحدودية شهرا كاملا بينما سقطت العاصمة بغداد ذات الستة ملايين خلال أيام ؟
بشيء من التبسيط يمكن القول لو قاتلنا في بغداد على طريقة حزب الله لاستمر القتال سنة – ربما – ولدفع الأمريكان عشرات الألوف من القتلى قبل ان يتمكنوا من احتلال بغداد اذا تمكنوا من ذلك .
في الحالتين كان هناك قصف جوي فائق الشدة ، وخبرة الجيش الأمريكي في القتال في العراق لاتزيد عن خبرة الجيش الاسرائيلي في القتال في لبنان وربما تنقص .
لماذا انهارت القيادة العراقية وفقدت التحكم والسيطرة على قواها العسكرية وشبه العسكرية التي قدرت بالملايين ( جيش القدس ) ، بينما صمدت قيادة حزب الله تحت القصف الذي لايقل عنفا واستمرت في التحكم والسيطرة واستمر المقاتلون في القتال في كل مكان لآخر طلقة ؟
هنا يجب البحث عن السبب ليس عند العدو بل عندنا نحن .
في حالة حزب الله كان هناك ثقافة راسخة اسمها ثقافة المقاومة ، ثقافة تعمدت بدماء الشهداء ، ونضجت بنار الاخلاص والطهر ، ثقافة جذورها تمتد للمجتمع كله ، هكذا رأينا العجوز اللبنانية تنهض من تحت القصف وبين اشلاء القتلى لتقول بالفم المللآن سنظل نقاوم بينما لم نجد أثرا للشعب العراقي الذي غيبه الاستبداد لحظة سقوط بغداد .
لحظة سقوط بغداد كانت لحظة استحقاق لفاتورة حقبة طويلة من الاستبداد وتغييب الشعب والاستعاضة عنه بمظاهر كرتونية من مظاهرات مصطنعة بالملايين ، ومصفقين ، وانتهازيين فاسدين ، ذابوا كالملح أمام الغزو الأمريكي ، وقيل لنا يومها انها الخيانة التي أسقطت بغداد ، فهل هناك حاجة للخيانة حقا أم أن ما حصل كان تحصيل حاصل ودفعا لفاتورة مستحقة من عقود طويلة من الاستبداد والفساد !.
حين ننظر الى واقعنا العربي الذي تغيب فيه الشعوب وراء القضبان ، وينتشر الفساد حتى في الهواء الذي نستنشقه ، نشعر ان بيننا وبين ثقافة المقاومة الحقيقية عقبة كأداء ، ويحق لنا ان نشعر بالحزن لأن درس النصر في لبنان ممنوع من العبور الى عالم عربي لم ينجز في العقود السابقة شيئا أفضل من القيود والحواجز والسجون.