شعار الدوله الواحدة :رد على ملاحظات د.غانيه مليحس


غسان ابو نجم
2021 / 12 / 24 - 23:05     

وجهت د. غانية ملحيس عدة ملاحظات على مقالتي (شعار الدولة الواحد ومرحلة التحرر الوطني ‎لزوم ما لا يلزم)؛ مؤكدة اتفاقها مع معظم ما جاء في ‎المقالة، ولكن؛ ولكن هذه هي نقطة الافتراق في الرؤية بين من يطرح شعار الدولة الواحدة كرؤية مستقبلية ما بعد إنجاز مرحلة التحرر، تكون ‎فيه الدولة الديمقراطية الاشتراكية جزء من الوطن العربي، وبين طرحها كشعار التقاء خلال وضمن مرحلة التحرر الوطني، وتكون شعار لاستجداء الوطن من غاصبيه، وشعار تكتيكي نلوح به في وجه العدو، في حال رفضه حل الدولتين. والفرق بين الفهمين عميق وخطير؛ فالفهم الأول: ‎قائم على أساس مشروع نضالي تحرري مقاوم؛ يفضي إلى الانتصار وبناء الدولة الواحدة الديموقراطية الاشتراكية بعمقها العربي، بعد دحر الاحتلال وكيانه الاحلالي الاستيطاني وإعادة الحقوق لأصحابها الأصليين واستيعاب كل من يود العيش ضمن هذه الدولة؛ شريطة استعادة كل ما تم اغتصابه في عهد الكيان المُغتصِب (وإلا ما الفائدة من بقائه مواطن في هذه الدولة مع احتفاظه بكل ما اغتصبه في عهد الكيان المُغتصِب)، أي استعادة الملكية العامة والخاصة، إلى عهدة الدولة وأصحاب الملكية الخاصة الأصليين (أرض/منزل/وسيلة إنتاج)، وهذا الفهم يختلف، بل ويتعارض مع الفهم الآخر. الثاني:‎ فهم الدولة الواحدة التي يتم الترويج لها ضمن مشاريع سياسية، قائم على أساس إقامة دولة واحدة؛ يعيش فيها المُغتصِب الصهيوني مع أصحاب الأرض الأصليين (الشعب القلسطيني)، دون توضيح الآلية لتحقيق هذه الدولة؛ هل هي نتيجة مشروع كفاحي مقاوم أم مفاوضات؟ ودون تحديد الكيفية التي سيتم تفكيك هذا الكيان الصهيوني بها؛ هل بقرار طوعي منه أم نتيجة مفاوضات أم تحت إشراف الأمم المتحدة مثلًا؟ وماذا عن المستوطنات القائمة والمستوطن الغاصب؟ وكيفية حل مسألة الاغتصاب للملكية الخاصة أم أن المُغتصِب الصهيوني سيحتفظ بما اغتصبه حتى في ظل هذه الدولة العتيدة؟ وهنا استذكر مقالة رزينة للأستاذة حياة ربيع (الدولة الفلسطينية الواحدة استقواء بالضعف)؛ فندت بها فهم جماعة صرخة من الأعماق للدولة الواحدة. ‎

أما طرح شعار الدولة كشعار إنساني؛ يظهر مدى تمسكنا بالقيم الإنسانية، ورد المفهوم الخاطئ الذي تشكل لدى الرأي العام العالمي، حول أننا نود رمي اليهود في البحر وزاد عليها ظهور تنظيم داعش ودوره، في تلويث السمعة عن العرب والفلسطينيين واستغلال حكومة الكيان لهذا التشويه، كما أوردت الدكتورة غانية ملحيس؛ فإنني أستغرب من د.غانية ملحيس كيف تدير المفاهيم وتصيغ مشروعًا لدولة قائم على تسويق قيم إنسانية مع عدو يفتقد لأبسط قواعد الإنسانية؛ عدو لا يسمع ويفاوض من أجل التفاوض فقط، بينما على الأرض يقتل ويعتقل وينهب مزيدًا من الأراضي ويحول الكائن البشري لديه، والذي مفترض أن يكون إنسانًا إلى مُغتصِب قاتل مدجج بالسلاح؛ يغتصب الأرض ويقتل الفلسطيني بدم بارد، ويقتل الشجر والحجر، كذلك ليس من المنطق السياسي والنضالي أن أطرح مشروعًا لاستجداء دولة من عدو احلالي استيطاني يطرح مشاريع طرد الفلسطينيين إلى البلاد العربية المجاورة، ويطرح مشروع لضم الجولان، أي عدو هذا الذي نطرح استجداء دولة منه ونغلفها بأطر وأغلفة إنسانية، هو لا يعترف أن الفلسطيني إنسان أصلًا.‎

نعم نحن ضد رمي اليهود في البحر، ومع وجود أي فرد عاش ضمن سلطة الكيان المُغتصِب على أرض فلسطين؛ شريطة أن يتخلى تمامًا عن كل ما اغتصبه لصالح الفلسطيني؛ صاحب الحق الأصلي والشرعي لهذا الحق، حتى لو كان هذا الفرد ضمن الأصدقاء المساهمين في إنجاز مشروعنا التحرري. ‎أما طرح الدولة الواحدة بديلًا عن مشروع الدولتين (دولة للكيان)، ودولة فلسطينية التي تعتبره قد فشل ووصل إلى طريق مسدود في عهد سلطة أوسلو، وهذه النتيجة التي وصلت إليها د. غانية ملحيس صحيحة ومفيدة، ولكن أولًا أطالبها وكل من طرح فكرة أو شعار حل الدولتين أن ينتقد نفسه ويعلن للملأ رفضه لهذا الحل؛ بوصفه مشروعًا ورؤية فاشلة، وأن يعلن للملأ اعتقاده المتيقن بشعار الدولة الواحدة القائم على مشروع نضالي مقاوم، وأن يلتف حول المقاومة لإنجاز هذا المشروع، بعد أن ثبت وبما لا يدع مجالًا للشك أنه الطريق المضيء والواضح، في مواجهة هذا الكيان الاحلالي الاستيطاني الذي يطرح مشروع يهودية الدولة، بمعنى تطهير أرض فلسطين من أي فلسطيني (الإشكالية هنا أن الدكتورة غانيه تورد ذلك في تبريرها لطرح شعار الدولة بعد فشل مشروع الدولتين)، ولكن أضحت كمن يورد مبررات وأسباب صحيحة ليصل إلى نتيجة خاطئة؛ فكل المسوغات التي أوردتها من المفترض منطقيًا أن توصلها إلى ضرورة طرح برنامج كفاحي مقاوم وموحد لكل أحرار العالم؛ يفضي إلى دولة بديلة للكيان الصهيوني القائم بعد دحره، وبطرق وبرامج مقاومة وإقامة الدولة الديمقراطية الاشتراكية.

‎أخيرًا.. أرى أن نقاش مسألة الدولة الواحدة (التي جميعا نتفق على وجودها) كما أسلفت في مقالتي السابقة، يجب أن يتم بعد إنجاز المشروع التحرري الكفاحي الذي سيرسم وبالضرورة شكل هذه الدولة التي نطمح كتقدميين أن تكون دولة ديموقراطية اشتراكية؛ تكون وطنًا للفلسطينيين وكل من سقط عنه صفة الاغتصاب للملكية العامة والخاصة، مع التأكيد بأن اليهود سكان فلسطين ما قبل الاحتلال هم فلسطينيون لهم كل حقوق المواطنة؛ تكون هذه الدولة ذات عمق عربي ضمن الوطن العربي الكبير.

إن إنجاز دولة واحدة كنتيجة لمشروع وطني مقاوم وكفاحي؛ يكون ثمرة لنضال وبرنامج وطني هو الطريق الآمن والسليم الذي علينا سلوكه مدعومًا بعمق عربي لهذا المشروع، يجب أن يشكل طموحنا ورؤيتنا لآفاق الحل للصراع العربي الصهيوني بصيغته الاستراتيجية.