الاسلوب والشكل في ديوان رقاع إلى صلاح الدين نظير أحمد شمالي


رائد الحواري
2021 / 12 / 19 - 18:24     

الاسلوب والشكل في ديوان
رقاع إلى صلاح الدين
نظير أحمد شمالي
لكل شاعر لغته وأسلوبه في الكتابة، بحيث يمكن للمتلقي أن يعرف هذه الشاعر من خلال اللغة وشكل تقديمه للقصيدة، "نظير أحمد شمالي" يؤكد على أنه شاعر يحافظ على لغته وعلى أسلوبه فيما يقدمه من قصائد، هذا ما نجده في ديوان "رقاع إلى صلاح الدين"، فرغم زمن كتابة القصائد الذي يمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، 1981-2017، إلا أنه بقي محافظا على أسلوبه، وعلى لغته، فنجده يؤكد الفكرة/الموضوع/الحالة التي يتناولها من خلال تركيزه على ألفاظ بعينها،
سنحاول إضاءة هذا الأمر من خلال التوقف عند بعض القصائد، جاء في قصيدة "مصرع اثيران في رقصة العري"، والتي كتبها في1985:
" (2)
أطفئي المصباح شهرزاد
عبث ما نفعل
عبث ما نقول
فالصحو عبث
نبضات القلب عبث
لم نعد نحلم بالأجنة
وبالفارس الآتي على فرس بيضاء
فالكأس بالدم امتلأت
عبث ما نصرخ به، أن نوقف طوفان دم
فألف ضحية لم تزل بالمزاد
...
(3)
في مدن الكهولة
جماجم الصغار ملائكة قتلى، دمى حجرية
فأصهل صهيلك ، يا حصان، يا حصان، وأصهل صهليك
بحافر تدك حصون الحديد
يا حصان الوعد، طر للشمس الأسيرة
طر، يا حصان!!
طر، يا حصان!!" ص39-41، في المقطع (2) نلاحظ أن هناك تأكيد على حالة اليأس من خلال تكرار لفظ "عبث" ومن خلال ألفاظ: "أطفئي، لم، بالدم/دم، نصرخ، طوفان، ضحية" وما يجعل هذا اليأس شامل، عدم خوض الشعر في التفاصيل، واكتفى بالحديث العام عن: "العمل، القول، نصرح"، ولم تقتصر حالة اليأس/العبث على المحسوسات "نفعل، نقول، نصرخ" بل طالت أيضا المتخيلات/الأحلام/الأمل: "الأجنة، الفارس، فرس بيضاء" ن هنا يمكننا القول أن حالة الياس شاملة عند الشاعر، لكنها ليست مطلقة في القصيدة، لوجود الألفاظ بيضاء السابقة "الأجنة، الفارس، فرس بيضاء" فهو من خلال ذكره لها يؤكد ـ بطريقة غير مباشرة ـ على أنها مازالت ذات قيمة عنده.
في المقطع (3) يكرر الشاعر "فأصهل/صهيلك، طر ، يا حصان، فرغم الفاتحة القاتمة للمقطع: "في مدن الكهولة/جماجم الصغار ملائكة قتلى، دمى حجرية" إلا أن هناك حركة تمرد/أمل نجده في "فصهل صهيلك" وكأن الشاعر يستعجل فعل الثورة/التمرد لسوء الحال ولاشتداد القسوة/الألم، وهذا ما جعل تكرار "صهيل/الحصان/طر" مبررا للمتلقي.
وقبل أن نغادر المقطع نذكر بأن التأكيد/لتكرار لم يقتصر على الألفاظ فحسب، بل طال أيضا الحروف التي نجدها في "الحديد" التي يتكرر فيها حرف الدال، وفي "جماجم" التي يتكرر فيها حرفي الجيم والميم، وهو ما يؤكد على أن الشاعر يتوحد مع حالة الهيام الشعري، بحيث يكون متماهي مع الفكرة ومع الألفاظ التي يستخدمها، فبدأ وكأنه (أسير) لألفاظ بعينها.
ولتبان أن الشاعر لا يتخلى عن أسلوبه نأخذ قصيدة ثلج ستائرك هذا المساء" والتي كتبها في 12/1/2001، يقول فيها:
"(1)
ثلج ستائرك هذا المساء
أيا دفئا مضى عنا وأرتحل
مضى وأرتحل..
وأرتحل.."
(3)
يا فارس الشرق القديم
ما عدت شاعر القبيلة
فالعشق في القلب أمسى من طلل!!
يا عاشقا صهوته غيم البخور
في صقيع الليل سقط..
ضم جعبة الأشعار وأرحل للبعيد..
للبعيد رحلت عنا الأغاني الحالمات
والعشق عنا قد رحل
قد رحل
وفي القلب ثلج العاصفة
راسخ كالطود، كالطود راسخ" ص54و46، في المقطع (1) التأكيد/التكرار نجده في " مضى، اترحل، اللافت في هذا المقطع وفي قصائد أخرى أن الشاعر ينهي/يختم القصيد/المقطع وكأنه صوت الصدى الذي يبقى يتردد: "مضى عنا وارتحل ـ مضى وارتحل ـ ارتحل" فهو بهذا يؤكد على فعل "ارتحل" الذي يريدنا أن نبقيه حاضرا في ذاكرتنا ولا نهمله.
في المقطع (3) يأتي يقتصد الشاعر في تكرار الألفاظ، التي نجدها في: "قد/رحل/وارحل، راسخ كالطود، القلب" لكنه يعوض تكرار الألفاظ بتكراره للحروف، مثل حرف القاف والشين، الذي نجده في: "الشرق، القديم، القبلية، فالعشق، عاشقا، صقيع، سقط، الأشعار، العشق" وهذا ما يؤكد على أن الشاعر مستمر في الحفاظ على اسلوبه الشعري.


الثقافية الدينية والتراث
من خلال عنوان الديوان "رقاع إلى صلاح الدين" يمكننا أن نقول أن الشاعر يحمل ثقافية تراثية دينية، وهذا ما نجده في القصائد، فهاك أكثر من أثر لهذه الثقافة، جاء في قصيدة " لفاطمة أغنية موقوتة في مخدع السلطان: فالعنوان بحد ذاته يحمل بعدا تراثيا، وأيضا نجد "..مزقا مزقا تشتتنا من بعد بأس شديد/..أشداء أمسينا إذا قاتل بعضنا بعضا/...كغثاء السيل بعد عز واقتدار" ص8، نحظ ان هناك تأثر بالأحاديث النبوية الشريفة وبالقران الكريم،
ويقول أيضا: "(12) ...والنار مثوى لهم/وزدهم رجما برجم/ ولا تأخذك فيهم رأفة أبدأ/يا فارسا باهت بفعله يمناه/يا فارسا باهى بفعله الأحرار" ص20و21، فهنا نجد تناص قرآني واضح، وكذلك تراث شعبي،
وجاء في قصيدة "ترانيم رمادية في الوله الوحشي الأول: "..هو بعث البعث، وهو حي لا يموت" ص55، وهذا ما يشير إلى أن ثقافة الشاعر ومشاربه العقائدية كانت حاضرة في القصائد رغم البعد الزمن الفاصل بينها.
الديوان صدر في عام 2017، دون اسم لدار النشر.