دمامل متقيحة في المجتمع المدني المصري


طارق المهدوي
2021 / 12 / 18 - 14:09     

المجتمع المدني هو مصطلح سياسي يشير ليس فقط إلى المكافحين والساعين والداعين إلى تحقيق الديمقراطية في بلدانهم والملتفين حولهم والمتعاطفين معهم لكن أيضاً إلى المهتمين بالشؤون العامة كمستقلين عن أنظمة الحكم والأحزاب والجماعات السياسية الشمولية، وبالتالي فهو يختلف عن مصطلح المجتمع الثوري الذي يشير إلى الواعين بطبيعة المرحلة الراهنة في بلدانهم والذين يكافحون ويسعون ويدعون إلى التقدم نحو تحقيق المرحلة التالية الممكنة على المحاور الوطنية والديمقراطية والاجتماعية معاً والملتفين حولهم والمتعاطفين معهم، بما يعنيه ذلك من تماس جزئي بين المجتمعين في المحور الديمقراطي دوناً عن المحورين الوطني والاجتماعي، وإذا كانت طبيعة المرحلة الراهنة في مصر هي حكم تحالف أوليجاركي رباعي يضم ضباط الجيش والشرطة وأعضاء السلكين القضائي والدبلوماسي، وإذا كان هذا الحكم الأوليجاركي يحاصر مصر داخل مثلث مغلق من ثلاثة أضلاع سوء أولها هو ضلع التبعية وثانيها هو ضلع الاستبداد والتطرف وثالثها هو ضلع الاستغلال والفساد، فإن المجتمع الثوري المصري الراهن يشمل هؤلاء الذين يستهدفون التقدم نحو الاستقلال الوطني والديمقراطية مع الحد الأدنى من العدالة الاقتصادية الذي يكفل الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية كمقدمة لاستكمال مهام العدالة الاجتماعية في المرحلة التالية، مما كان يقتضي افتراضياً اعتبار المجتمع المدني داعم لكفاح المجتمع الثوري على المحور الديمقراطي لولا انتشار الانحرافات في جسد المجتمع المدني كالدمامل المتقيحة، لاسيما وأن المكافح المدني لا يصلح كمكافح ثوري إلا لو اقترن كفاحه الديمقراطي بكفاحه الوطني والاجتماعي وهو ما يتناقض مع اختيارات الكثيرين من مكافحي المجتمع المدني، فبينهم من يتقاضى تمويلاً أطلسياً استعمارياً ويعمل بتوجيهات مباشرة أو غير مباشرة من الممولين الأطالسة الاستعماريين الذين يقفون على نقيض مباشر للاستقلال الوطني، وبينهم من يمارس الفساد أو على الأقل الاستغلال الاقتصادي ويدعمهما فيقف بذلك على نقيض مباشر للعدالة الاجتماعية، كما أن بينهم أيضاً من يقف على نقيض للديمقراطية سواء كان نقيضاً مباشراً بالكفاح ضد أحد أعداء الديمقراطية لصالح عدو آخر للديمقراطية، مثل أولئك الذين يكافحون ضد نظام الحكم الأوليجاركي لكنهم ينحازون في كفاحهم إلى جماعة الإخوان المسلمين ونظيراتها من الجماعات الميليشيوية الفاشية، والذين لا يختلف عنهم كثيراً أولئك الذين يكافحون ضد الجماعات الميليشيوية الفاشية لكنهم ينحازون في كفاحهم إلى نظام الحكم الأوليجاركي، أو كان نقيضاً غير مباشر باحتضان جماعات صغرى تنشط في سياقات وبأساليب تلحق الضرر بالكفاح الديمقراطي من حيث تحريفه عن مساراته مثل جماعات النسويين والمثليين والتنويريين، حيث يسعى النسويون والمثليون إلى اختطاف قضيتي حقوق المرأة ومجتمع الميم من سياقاتها الطبيعية ضمن أجندة الحقوق العامة والخاصة التي يكافح الديمقراطيون الحقيقيون لانتزاعها من المستبدين والمتطرفين، وحشر هاتين القضيتين حشراً غير علمي ضمن صراعات جندرية وهمية بين الرجال والنساء من جهة وبين الغيريين والمثليين من جهة أخرى، بينما يسعى التنويريون إلى تحديث الخطاب الديني التقليدي السائد بما يعنيه ذلك من إعادة تأهيل الدين كي يكون صالحاً للتوظيف مستقبلاً في الشؤون العامة على نقيض سعي الديمقراطيين الحقيقيين إلى فصل الدين شكلاً وموضوعاً عن الشؤون العامة، وإذا كان المجتمع المدني المصري يحرص فعلاً على الانضمام إلى المجتمع الثوري المصري فعليه أولاً أن يفتح دمامله المتقيحة المشار إلى بعضها أعلاه ويطهرها حتى يبرأ منها أو على الأقل يتبرأ منها كي تبقى بأضرارها بعيدة عن المجتمع الثوري المعاصر في مصر!!.