الخليج وموجات التغيير .. الكويت نموذجاً


كريم محمد الجمال
2021 / 12 / 17 - 16:48     

الخليج وموجات التغيير

تُعد منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم حساسية وتعقيد حيث يغبط شعوبها عدد كبير من شعوب العالم بما تمتلكه من موارد طبيعية ،هذا العطاء الطبيعي والمَنح الإلهي أثار حسد الحاسدين وحقد المتربصين والانتهازيين ، فهذه البلاد وعلى ضفتي الخليج العربية والفارسية تحتوي علي النفط والغاز وبالإضافة إلى مشاركتها الكبيرة في صناعة الطاقة العالمية ،فإن التجارة العالمية تعبر أراضيها وبحارها بشكل كبير
.وبالأخص الدول العربية

الدول العربية الخليجية ذات دخل اقتصادي كبير وعدد سكان ضئيل مما مكنهم من الاستفادة من أموال طائلة استفادت منها حكوماتهم في التنمية والخدمات والمرافق فأصبحت محط أنظار العالم للعمل بها لما عُرف به أهل الخليج من كرم وسماحة وطيبة وبالأخص من المسلمين حيث كانت جزيرة العرب هي . موطن المسلمين الأوائل

بعد حرب أكتوبر المجيدة وانتصار الجيش العربي المصري والجيش العربي السوري بمساندة باقي الدول العربية ،ولازال الغرب يتذكر وقفة العز والكرامة في حرب البترول ، فبدا للغرب أن العرب اتخذوا من وحدتهم سلاحاً لا يقدر عليه الاستعمار وأن موجة المد القومي العربي التي هزمت الاستعمار في النصف الأول من القرن العشرين قد امتدت لتصطبغ بالصبغة الإسلامية لتشمل كل دول العالم الإسلامي فاتخذت قرارها بالعودة لسلاح الاستعمار القديم فرق تسد
. فبدأ التفكير والتحضير لاستبدال الإسلام بالشيوعية

وضرب الوحدة وشق الصف وبعث دعوى الجاهلية من خلال الطائفية والمذهبية بدلاً من الالتفاف حول الكتاب والسنة النبوية فجاءت فكرة بعث النعرات من خلال التنظيمات الدينية المتطرفة أو ما يطلق عليه اصطلاحاً الإسلام السياسي مستغلاً وجود دولة كبيرة كالمملكة العربية السعودية الأخت الكبرى لدول الخليج وراعية مصالح الحجاج والقائمة على شئون الحرمين الشريفين ذات توجه ديني حنبلي المذهب في مقابل نظاماً جمهورياً ثورياً في إيران من غير المذهب والطائفة وبينهما كثير من الأفكار والجماعات والدعوات والأحزاب بعضها اتجاه طيب ويعضها مخرب وضال وفاسد ومفسد،عزز ذلك فشل الغزو السوفيتي لأفغانستان وما ترك من جيل كامل من المقاتلين ومن تأثروا بهم ، جماعات وحركات ذات طابع سياسي وخلفية إسلامية مع وجود أنظمة قومية عروبية أو بعثية أو غير ذلك وممالك وإمارات خليجية فبدأت تضربها موجات التغيير علي هيئة موجات عنف وإرهاب وفوضى في كثير من الأحيان،وصارت .تلك المجتمعات القبلية البسيطة في قلب الريح

بالنظر إلى المشهد بشكل عام نجد أن غياب الديمقراطية هو المظهر السائد سواء في الجمهوريات أو الممالك والإمارات حتى الجار الفارسي اتخذ لنفسه نوع جديد من الحكم أسموه ولاية الفقيه ، وبالتالي لا يوجد اي انتقال سلمي للسلطة ،مما يعني ان السبيل الوحيد للتغيير هو العنف والقوة ،وهذا الصراع
.هو ما يريده الغرب بالتحديد

وسط هذا المشهد الصعب كان لابد من حكمة بالغة ومن بصيرة تراعي عدة نقاط اولاً أن الدول العربية الخليجية بها عدد كبير من الطائفة الشيعية ،وعدد كبير من المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين والسرورية والتيار السلفي والجهاديين والتكفيريين والإرهابيين
قطعاً يوجد سلبيات في تلك المجتمعات بالأخص بعد ظهور النفط مثل الإسراف والتبذير والبذخ وسوء الأخلاق وانفلاتها من بعض المنحلين حتى في سفرهم خارج بلادهم،والانفراد بالسلطة والثروة وثنائية أهل الثقة واهل الكفاءة مما اعطى مبرراً ومسوغاً للهجوم الشديد الشرس على الحكام والحكومات من البعض،وإن كانت الغالبية العظمى تقدر ما هم فيه من نعمة واستقرار وتنمية وإحسان وتطلع للمستقبل الواعد
.ولكن كان لابد من النقد الذاتي للتطوير والتغيير

أجمع الباحثون والمتابعون أن الكويت استطاعت أن تق.م نموذجاً راقياً بين الانفتاح وبين مراعاة خصوصية المجتمع ،وتجلى ذلك في عدة عوامل فمجلس الأمة الكويتي هو البرلمان الأكثر مصداقية وفاعلية في منطقة الخليج ،والكويت استطاعت تجاوز أزمات شديدة بحكمة قيادتها وشعبها مثل خلية العبدلي
حديثاً وقبلها في الثمانينيات تفجيرات ومحاولات اغتيال كبار الشخصيات والمسؤولين،كذلك أزمة متفجرات الحرم المكي ،فكانت الكويت أكثر دول الخليج انفتاحاً وإصلاحاً ورفعت سقف الحرية وراهنت على وعي المواطن،حافظت على موقع الوسطية لم تنجرف إلى المقاطعة ضد قطر بل كانت وسيطا للصلح ،ولم تأخذها أمواج الخليج الفارسية في اتجاهها ورغم وجود بعض المتشددين إلا أن الأجواء الإيجابية شملتهم وهدأتهم ، وفي عام 2011 احتوت المطالب المشروعة وبالتالي لم تمتد الثورة للكويت مثلما حدث مع جارتها البحرين ولم يسيطر الإرهاب علي مساحة شاسعة من أرضها مثلما حدث في العراق بل وتجاوزت الكويت الكثير من آثار حرب الخليج،وعندما ركبت بعض الدول قطار التطبيع كانت الكويت وقفت الكويت في صف الشعوب العربية وقضيتها العادلة الأولى قضية فلسطين،وهكذا
.حافظت الكويت على هوية مجتمعها لحد كبير

مع زيادة الابتعاث والاهتمام بالتعليم والثقافة أثمر في عدة مجالات عن شخصيات عامة كويتية متميزة على المستوى الخليجي والعربي مثلا مرزوق الغانم في الجانب السياسي حيث استطاع البرلماني الكويتي قيادة مجلس الأمة في ظروف صعبة وانتصر للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية بثقافته وشجاعته وفصاحته وشعبيته الكبيرة ،أما المستوى الثقافي فكانت الشيخة سعاد الصباح كشاعرة كبيرة ،ومن بعدها روائي متميز مثل سعود السنعوسي نقل تفاصيل ووقائع المجتمع الكويتي في رواية مثل ساق البامبو ، وتظهر بثينة العيسى كروائية ذات قلم رصين و لها جماهيرية ومتابعة في مختلف الأقطار العربية والقائمة تطول والمستقبل حافل والفضل في ذلك للسياسة
.الحكيمة الرشيدة التي اتبعتها الكويت حكومة وشعباً