عبدالكريم الكابلي


حسن مدن
2021 / 12 / 12 - 11:29     

حين يدور الحديث عن الفن لا يمكن أن يأتي ذكر السودان دون ذكر اسم الفنان الكبير الذي رحل عن الدنيا قبل أيام، عبد الكريم الكابلي، تماماً كما لا يمكن أن يذكر الفن في لبنان دون ذكر فيروز، ولا أن تذكر مصر دون أن تذكر أم كلثوم، وهذه الأخيرة هي من أثنت على غناء الكابلي بعد أن سمعته يغني «حبيبة عمري تفشى الخبر»، فاعتبرته «همزة وصل جيدة بين الوجدانين السوداني والعربي".

وأم كلثوم ليست الوحيدة في مصر ممن عبروا عن إعجابهم بعبد الكريم الكابلي، فالفرصة الحقيقية لظهور نجومية الكابلي، الذي بدأ الغناء وهو في الثامنة عشرة من عمره، كانت في نوفمبر من عام 1961، حين زار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الخرطوم، وحضر حفلاً غنى فيه الكابلي قصيدة مواطنه الشاعر الشهير تاج السر حسن الموسومة "آسيا وإفريقيا".

وتقول بعض أبيات القصيدة – الأغنية التي نالت إعجاب عبد الناصر: «مصر يا أخت بلادي يا شقيقة/ يا رياضاً عذبة النبع وريقة.. يا حقيقة/ ملء روحي أنت يا أخت بلادي/ فلنجتث من الوادي الأعادي/ فلقد مدت لنا الأيدي الصديقة». كان ذاك زمناً آخر له مفرداته وروحه.

بالإضافة إلى أغانيه بالعامية السودانية غنى الكابلي الذي ولد في مدينة بورتسودان عام 1932، أغاني من كلمات محمود عباس العقاد وأحمد شوقي، وبرع أيضاً في غناء قصائد من التراث العربي القديم، بينها «أراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني، التي سبق لأم كلثوم أن غنتها بثلاثة ألحان مختلفة، أولها لعبده الحامولي، والثاني للشيخ زكريا أحمد، أما الثالث الذي ذاع صيته حتى اليوم فكان لرياض السنباطي، ولكن الكابلي لحنها وفقاً للسلم الخماسي المعتمد في الألحان السودانية، واستمعت إليه أم كلثوم وهو يؤديها في زيارة لها للخرطوم.

ولمواطنه الشاعر الراحل محمد مفتاح الفيتوري غنى قصيدته الشهيرة «معزوفة لدرويش متجول»، التي ذاع صيت مقطعها الأخير والأكثر جمالاً فيها، الذي تقول كلماته: «في حضرة من أهوى/ عبثت بي الأشواق/ حدقت بلا وجه/ ورقصت بلا ساق/ وزحمت براياتي/ وطبولي الآفاق/ عشقي يفنى عشقي/ وفنائي استغراق/ مملوكك.... لكني/ سلطان العشاق".

وكان لنا نحن، أهل البحرين، شرف أن اسم بلدنا ولؤلؤها الثمين، ورد في مطلع أغنيّة لعبدالكريم الكابلي أهداها للثورة الجزائرية، وتحديداً عن إحدى شهيدات هذه الثورة، واسمها فضّة، وتقول كلماتها التي كتبها علي شريحة: "أغلى من لؤلؤةٍ بَضَّهْ/ صيدتْ من شطِّ البحرينِ/ لحنٌ يروي مصرعَ فِضَّهْ/ ذاتِ العينينِ الطَّيبتينِ/ كتراب الحقلِ كحفنة ماءْ/ كعناق صديقينِ عزيزينِ/ كملابسِ جنديٍّ مجروحٍ/ مطعونٍ بين الكتفينِ/لم تبلغ سن العشرين/ واختارت جيش التحرير."

إلى جانب موهبة الغناء جمع عبد الكريم الكابلي موهبتي كتابة الشعر والتلحين، إضافة إلى البحث في التراث الموسيقي السوداني، وتقول سيرته المهنية إنه عمل بعد إنهاء دراسته مفتشاً إدارياً في القضاء، ثم قصد السعودية ليعمل فيها مترجماً لبضع سنوات، قبل أن يعود ثانية إلى السودان، ليكرس وقته لعمله الفني، الغنائي والموسيقي، ليصبح من أبرز الرموز الفنية السودانية، كاتباً للكلمات وملحناً للأغنيات لنفسه أو لكبار الفنانين السودانيين.