هل يريدون تكريس الاحتلال الإسرائيلي وجعله أمراً واقعاً؟


ماهر الشريف
2021 / 12 / 12 - 00:13     

في مقال له بعنوان: "لن يكون هناك دولة فلسطينية"، نُشر في صحيفة "هآرتس" في 25 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، أشار المحلل السياسي روغيل ألفر إلى أنه بشأن "كل ما له علاقة بالاحتلال ليس مهماً مَن هي الحكومة التي تحكم إسرائيل، إذ هو في جميع الأحوال مستمر؛ استمر مع رابين، ومع بيرس، ومع شامير، ومع نتنياهو، واستمر مع باراك، ويستمر مع بينت - لابيد"، فالاحتلال مستمر "من دون علاقة بهوية الحكومة وناخبيها والمرشحين لرئاستها".

ورأى أن تصنيف الحكومة الإسرائيلية الحالية ست منظمات من المجتمع المدني في الضفة الغربية "بأنها منظمات إرهابية يتطابق مع مخططاتها للبناء في [المستوطنات] في الضفة الغربية، وهو ما يؤكد اغتيال خيار الدولتين الذي يُعتبر بحكم الميت تلقائياً، ويتطابق مع إعلان نفتالي بينت أنه لن يُجري مفاوضات مع الفلسطينيين، ولن يكون هناك دولة فلسطينية". ويخلص المحلل نفسه إلى أنه "ليس للجمهور الإسرائيلي، الذي اختار الاحتلال ويحرص على اختيار حكومات تواصل الاحتلال، أي حافز أو مصلحة لإنهاء الاحتلال، لا أيديولوجية، ولا اقتصادية، ولا أخلاقية، ولا عملية"[1].

شلل الإدارة الأميركية: الذريعة التخوف من سقوط حكومة بينت-لابيد

بتذرعها بذريعة أن قيامها بإحياء "عملية السلام" ودفعها في اتجاه إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على قاعدة "حل الدولتين"، سيفضي إلى سقوط حكومة بينت-لابيد، تقوم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن

عملياً بتغطية مشروع هذه الحكومة الرامي إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي وجعله واقعاً قائماً لا رجوع عنه. فمنذ وصولها إلى السلطة، لم تتخذ هذه الإدارة أي خطوة عملية من إجل إحياء "عملية السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المتوقفة منذ شهر نيسان/أبريل 2014 إثر فشل مهمة وزير الخارجية السابق جون كيري، ولم ترغب في جعل حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أحد أولويات سياستها الخارجية، التي ترمي حالياً إلى التوصل إلى تسوية لملف إيران النووي كي تركّز على التحديات التي يطرحها عليها الصعود المتواصل لقوة الصين الشعبية الاقتصادية والعسكرية، وكذلك التحديات التي تطرحها عليها السياسة التي تنتهجها روسيا الاتحادية في أوروبا الشرقية والوسطى.

لقد تبنى جون بايدن، بعد دخوله إلى البيت الأبيض، موقفاً مؤيداً لإسرائيل، لكن من دون الذهاب، كما لاحظ توماس جونو المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة أوتاوا، إلى حد إعطاء "تفويض مطلق" للحكومة الإسرائيلية، كما فعل سلفه دونالد ترامب[2]. من الصحيح أن إدارته تعلن، بين حين وآخر، تمسكها بـ "حل الدولتين"، وجدّدت العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وقدمت مساعدات إنسانية للأونروا وللفلسطينيين بلغت نحو 400 مليون دولار، إلا أنها ترى أنه ليس هناك "جدوى سياسية" حالياً من الدفع قدماً بعملية سياسية شاملة، وأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي غير قابل للحل في المستقبل المنظور، ولكن هناك ضرورة لتحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتزعم هذه الإدارة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة غير متجانسة، وتضم أطرافاً متباينة كثيراً في مواقفها تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن أي خلاف جدي داخلها قد يؤدي إلى الإطاحة بها وعودة حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو إلى الحكم.

ويبدو أن السلطة الفلسطينية باتت تشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب عدم وفاء الإدارة الأميركية بوعودها لها، ويسود في صفوفها الانطباع بأن كل وعود الرئيس بايدن للفلسطينيين كانت بمثابة "دعاية انتخابية وسراب تبدّد في لحظة دخول الرئيس إلى البيت الأبيض". لكن رئيس السلطة الفلسطينية، وكما يرى يوني بن مناحيم المحلل الإسرائيلي في "مركز القدس للشؤون العامة والسياسية"، في مقال نشره في 4 تشرين الثاني/نوفمير، لا يريد الدخول في مجابهة علنية مع الإدارة الأميركية[3]، وهو ما أكده رياض منصور ممثل دولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة، الذي أشار، في مقابلة أجراها معه موقع "تايمز أوف إسرائيل" في 17 تشرين الأول/أكتوبر الفائت إلى أن السلطة الفلسطينية تحاول أن تتجنب المواجهة مع الإدارة الأميركية الحالية وتتحلى بالصبر في انتظار أن تُقدم هذه الإدارة على حسم القضايا العالقة بشأن العلاقات الأميركية-الفلسطينية مثل إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وفتح المكتب الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، الذي أغلقته إدارة ترامب في سنة 2018، وإلغاء تشريع سنة 1987 الذي يصنف منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات التابعة لها على أنها "منظمات إرهابية".

وقال: "إدارة بايدن منخرطة للغاية على المستوى الإنساني [في دعم الفلسطينيين] وتقول إنها تدعم المفاوضات السياسية أيضاً، لكن الوقت ليس مناسباً الآن. لقد مرت ثمانية أشهر [منذ تولى بايدن منصبه]، ولكن إذا لم يكن الوقت مناسباً الآن، فمتى؟ هل بعد تسعة أشهر؟ هل بعد عشرة أشهر؟" وتكهن منصور بأن الإدارة تتردد "في الضغط على الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على سلامتها"، معتبراً "أن جعل الحفاظ على تحالف بينت الهش هو النجم المرشد لسياسة بايدن كان خطأ"، وأضاف: "ستظل الولايات المتحدة دائماً لديها [هذا العذر]، لكن العالم يخشى أنه إذا لم نبدأ عملية خلق أفق سياسي، فإن الوضع سينفجر مرة أخرى"[4].

الحكومة الإسرائيلية: تقليص حدة الصراع وتحسين حياة الفلسطينيين في ظل الاحتلال

اختارت حكومة بينت-لابيد الائتلافية في إدارة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي نهجاً يقوم على مبدأ تقليص حدة هذا الصراع والسعي إلى "سلام اقتصادي" في ظل استمرار الاحتلال، وذلك من خلال تحسين حياة الفلسطينيين. وقد بدأت ملامح هذا النهج تتضح منذ أواخر شهر آب/أغسطس الفائت عندما قام وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس بلقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مدينة رام الله، وذلك في أول لقاء على هذا المستوى منذ سنة 2014. وقد قلّل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت من أهمية ذلك اللقاء معتبراً أنه يتم في إطار التبادل "الروتيني" بين السلطة العسكرية الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وقال مسؤول مقرب منه "لا توجد عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين ولن تكون هناك"، مؤكداً أن العلاقات مع السلطة الفلسطينية ستقتصر خلال فترة ولاية بينت "على المجالين الاقتصادي والأمني ​​فقط". بينما لخص بني غانتس هذا المنطق بطريقته الخاصة، بقوله إنه "كلما كانت السلطة الفلسطينية أقوى، ستكون حماس أضعف (...). وكلما زادت قدرتها على الحكم، سنكون أكثر أماناً، وقلّ ما يتعين علينا القيام به". وأضاف أنه "كخطوة أولى، سيتم منح تصاريح الإقامة لسكان الضفة الغربية الذين ليس لديهم وضع قانوني"[5].

وفي 12 أيلول/سبتمبر الماضي، طرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، خطة "تأهيل إنساني متطور" لقطاع غزة تُنفذ على مرحلتين، في مقابل التزام حركة حماس بتهدئة طويلة الأمد، بحيث يتم في المرحلة الأولى إصلاح خطوط الكهرباء والغاز وإنشاء محطة لتحلية المياه، ثم يتم البحث في مرحلة ثانية في إقامة ميناء وطريق بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. وكما أكد هيو لوفات المتخصص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، في مقابلة نشرتها مجلة "لكسبريس" الفرنسية في 14 أيلول/سبتمبر 2021، فإن هذه الخطة لم تتضمن جديداً بل هي تعبير "عن استمرار السياسة الإسرائيلية المتبعة في غزة لعقود، وما زالت تواجه العقبات نفسها التي لم يتم حلها"[6].

وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وفي خطوة لم تحدث منذ سنة 2009، قامت الحكومة الإسرائيلية بتسوية أوضاع 4000 فلسطيني يقيمون في الضفة الغربية، 1200 منهم من سكان الضفة الغربية و2800 من سكان قطاع غزة دخلوا الضفة الغربية قبل سنة 2007. وقد علّق وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس على هذه الخطوة بقوله: "هؤلاء هم السكان الذين يقيمون في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] منذ سنوات عديدة، ولكنهم لأسباب مختلفة لا يحق لهم الحصول على وثائق؛ هذا القرار هو جزء من سياستي لتقوية الاقتصاد وتحسين حياة الفلسطينيين في يهودا والسامرة"[7]. وفي اليوم التالي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية زيادة عدد أذونات العمل داخل أراضيها للتجار والعمال من قطاع غزة إلى 10 آلاف، وهذا أكبر رقم يسجَّل منذ أعوام، وعلى ما يبدو منذ الانتفاضة الثانية، وذلك في إطار المحاولات الإسرائيلية لتهدئة الوضع الأمني على حدود القطاع ومنع تجدد الاشتباكات العسكرية مع حركة حماس.

هيئة الأمم المتحدة: مناشدات ومطالبات لا فاعلية لها

على صعيد هيئة الأمم المتحدة، تصدر مناشدات ومطالبات عن مجلس الأمن وتتكرر، لكنها تبقى من دون فاعلية وتأثير طالما لا تترافق مع التلويح الجدي بفرض عقوبات على إسرائيل في حال استمرارها في رفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

فبعد أسبوع من وقف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، عقد مجلس الأمن جلسة خاصة في 27 أيار/مايو الفائت استمع خلالها إلى تور وينسلاند، المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط ، الذي أشار إلى أنه في حين تركّز الهيئة الدولية "على التدابير السياسية المهمة الضرورية لتعزيز وقف الأعمال العدائية، يجب أن نخلق أفقاً سياسياً يسمح للأطراف باستئناف مسار المفاوضات البناءة"، مؤكداً أنه على اتصال وثيق بزملائه مبعوثي اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، ومع الشركاء العرب والدوليين الرئيسيين، وكذلك مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق هذه الغاية". واختتم حديثه بالقول: "إن الافتقار إلى الأفق السياسي - بعد عقود من الصراع، هو الذي يقتل الأمل ويوفر مساحة لأولئك غير المهتمين بالسلام الدائم"، وأنه "فقط من خلال المفاوضات التي تنهي الاحتلال وتخلق حل الدولتين القابل للحياة، على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات المتبادلة، يمكننا وضع حد نهائي لهذه الدورات التي لا معنى لها من العنف"[8].

وعقد مجلس الأمن مساء الأربعاء في 29 أيلول/سبتمبر الفائت جلسة لمتابعة تنفيذ القرار الدولي الرقم 2334 بشأن الاستيطان، الذي أقره المجلس في 23 كانون الأول/ديسمبر 2016، وطالب فيه إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، مؤكداً عدم شرعية المستوطنات في الأرض المحتلة منذ سنة 1967. وقد حظي ذلك القرار في حينه بتأييد 14 عضواً من أعضاء مجلس الأمن ولم تعارضه الولايات المتحدة الأميركية بل امتنعت عن التصويت عليه. وقال المنسق الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، في عرضه لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، إن القرار 2334 يدعو إسرائيل إلى وقف الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك في القدس الشرقية، مطالباً إسرائيل بتنفيذ القرار 2334، ومؤكداً من جديد "أن جميع المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وأنها تقوّض احتمال تحقيق حل الدولتين القابل للحياة بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي والاتفاقيات السابقة". وأعرب عن القلق العميق "إزاء استمرار عمليات هدم ومصادرة المباني المملوكة للفلسطينيين"، وحث إسرائيل "على وقف عمليات الهدم والإخلاء، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي". وخلال مداولات تلك الجلسة، تجاهل الممثل الأميركي ذلك القرار والدعوة إلى تنفيذه، واكتفى بالإشارة إلى خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين والإسرائيليين، داعياً إلى ضمان الوصول إلى غزة بصورة دائمة ومن دون عراقيل، بحيث تبقى المعابر "مفتوحة للعبور التجاري ونقل المساعدات الإنسانية وضمان المواد المطلوبة لجهود التعافي وإعادة الإعمار"، وتأمين "المزيد من المياه في غزة، وإعادة تأهيل شبكات المياه". وأضاف أن بلاده "ساهمت بـ 300 مليون دولار للأونروا"، التي "تقدم فرص تعليم لأكثر من 500 ألف طفل في المنطقة"[9].

السلطة الفلسطينية : الرهان على اللجنة الرباعية الدولية

راهنت السلطة الفلسطينية في البدء على أن تعمل مصر على إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية من حيث توقفت قبل أعوام، وخصوصاً بعد اللقاء الذي استضافته القاهرة، في مطلع أيلول/سبتمبر الفائت، وجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس. ولكن تبيّن للسلطة الفلسطينية عقب الاجتماع الذي عقده الرئيس المصري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في القاهرة، في 13 من الشهر نفسه، أن هذا الأخير غير معني بإحياء المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، وراح يظهر أن مصر نفسها لم تعد تأمل في النجاح بإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، وصارت تركّز، في المقام الأول، على تعزيز دورها في مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة والتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة حماس. وهكذا، اندفعت السلطة الفلسطينية على طريق السعي إلى إحياء عمل اللجنة الرباعية الدولية المعنية بمشكلة الشرق الأوسط، كما أكد على ذلك رياض منصور ممثل دولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة، الذي قدّر أن "إحياء دور الرباعية سيشير إلى أن الولايات المتحدة [كعضو] مستعدة للمشاركة سياسياً في هذه القضية وليس فقط على المستوى الإنساني"، وأن التوجّه الذي يمكن أن تتخذه اللجنة الرباعية يتمثل في قيامها بدعوة إسرائيل والسلطة الفلسطينية "لبدء المفاوضات في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر أو تفويض مجلس الأمن بتبني قرار بهذا المعنى"، وأنه "إذا دعت الرباعية الأطراف إلى الدخول في محادثات فسيكون من الصعب على إسرائيل عدم قبولها"[10].بيد أن الموقف الأميركي الذي يرفض إحياء "عملية السلام" سيبقى يشكّل عائقاً أمام تفعيل عمل اللجنة الرباعية الدولية، التي لا يبدو أن أطرافها الثلاثة الأخرى –الاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي، وهيئة الأمم المتحدة- راغبة في أو قادرة على تفعيل نشاطها. وهذا ما يمكن استخلاصه من نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى روسيا الاتحادية، والتقى خلالها في مدينة سوتشي، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، الرئيس فلاديمير بوتين الذي أعلن أن موقف بلاده من تسوية القضية الفلسطينية لم يتغيّر "إذ يجب أن يكون على أساس عادل يراعي مصالح جميع الأطراف وفق القرارات السابقة لمجلس الأمن"، ولكن من دون أن يشير إلى اللجنة الرباعية الدولية التي تشارك بلاده في عضويتها[11].

هل يقبل الشعب الفلسطيني بتكريس الاحتلال لأرضه؟

في مقال نشره تعليقاً على اتفاقيات التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، رأى باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "لعب الورقة الدبلوماسية لكنه لم يحصل على أي شيء، بل على العكس من ذلك، فقد شهدنا تدهوراً مستمراً في الظروف المعيشية للفلسطينيين، واختفاءً فعلياً لاحتمالات السلام، وتآكلاً مستمراً للأراضي الفلسطينية، لدرجة أنه يمكن للمرء أن يتساءل الآن عما إذا كان استمرار وجود السلطة الفلسطينية لا يزال منطقياً اليوم؟". وبعد أن تساءل بونيفاس عما إذا "لا يكون من الأفضل حل السلطة الفلسطينية ومطالبة إسرائيل بتولي إدارة الأراضي الفلسطينية حتى النهاية؟"، أكد أن "احتلال شعب لشعب آخر هو أمر غير مقبول بالفعل في القرن العشرين، ولا يمكن أن يكون كذلك في القرن الحادي والعشرين، وأن ترك وضع الاحتلال معلقاً يشكل حتماً بؤرة ساخنة تظل متوهجة ولا يمكن أن تُنتج إلا العنف على المدى الطويل"؛ فالقضية الفلسطينية "ستبقى هكذا دون حل، وهذه القنبلة الموقوتة للأسف قد تنفجر يوماً أو آخر وتكون بمثابة حجج دعائية لجميع المتطرفين المناهضين للغرب"[12].

ويتفق عدد من المحللين الإسرائيليين مع هذا التحليل، ومنهم ميخائيل ميلشتاين، رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، الذي أكد في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 28 تشرين الثاني/نوفمير الفائت، أن المقاربات "على غرار "إدارة النزاع" و"السلام الاقتصادي" قد توفر هدوءاً في المدى القصير"، لكن هذا الهدوء "ليس دليلاً على أن لا حاجة إلى الوصول إلى حسم في الموضوع الفلسطيني، بل على اندماج زاحف بين إسرائيل والفلسطينيين سيؤدي إلى حياة مشتركة، لكنها ممتلئة بالعداء بين المجتمعين، وينطوي على احتمال انفجار أشدّ مما كان عليه في الماضي"[13].

وبغض النظر عن هذه التحليلات، فإن وقائع التاريخ تثبت أن الشعب الفلسطيني لن يرضى بتكريس الاحتلال الإسرائيلي لأرضه، وأنه كما فعل في الانتفاضتين الأولى والثانية وفي هبة القدس الأخيرة سيفاجئ من جديد العالم برد يتجاوب مع عظم المخاطر التي تتهدده، وخصوصاً إذا ما تخلت قيادته بصورة قاطعة عن نهج أوسلو، وركّزت على توفير شروط صموده فوق أرضه، وسهّلت له مهمة توسيع نطاق مقاومته الشعبية للاحتلال ومشاريعه.

[1] https://digitalprojects.palestine-studies.org/.../26-10...

[2] https://www.lapresse.ca/.../l-administration-biden-sous...

[3] https://digitalprojects.palestine-studies.org/.../5-11...

[4] https://fr.timesofisrael.com/frustre-par-les-etats-unis.../

[5] https://www.lemonde.fr/.../mahmoud-abbas-renoue-le...

[6] https://www.lexpress.fr/.../israel-palestine-le-plan...

[7] https://www.lemonde.fr/.../israel-regularise-4-000...

[8] https://www.un.org/press/fr/2021/cs14535.doc.htm

[9] https://rmix.ps/news/353930.html

[10] https://fr.timesofisrael.com/frustre-par-les-etats-unis...

[11] https://www.elnashra.com/.../%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9...

[12] https://www.iris-france.org/152604-maroc-israel-le-deal.../

[13] https://digitalprojects.palestine-studies.org/.../29-11