ما من مجتمع غير متجانس


حسن مدن
2021 / 12 / 8 - 17:13     

ذاكرتنا ليست قصيرة، أو على الأقل يتعين ألا تكون كذلك، كي ننسى أن الخريطة العربية الراهنة هي من تصميم غربي، فهل بالوسع أن ننسى الثنائي سايكس وبيكو اللذين جلسا على طاولة وأمامهما الخريطة وبيديهما قلمان، وقيل طبشوران وراحا يرسمان خطوطاً أفقية وعمودية بموجبها شطرت المنطقة العربية إلى مجموعة دول، تقاسما بين بلديهما: بريطانيا وفرنسا النفوذ عليها، وهما يوزعان إرث الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
يومها لم يقل الرجلان ودوائر القرار في بلديهما إنه على أساس هذه الخريطة نشأت بلدان عربية غير متجانسة الطوائف والأعراق والمذاهب. ورغم التعسف والاعتباطية في ترسيم الحدود بين هذه البلدان نجح العرب في الكيانات التي فرضت عليهم خريطتها أن يبلوروا هويات وطنية أثبتت قدرتها على البقاء والاستمرار، لو ترك الأمر للشعوب أن تتدبر أمور بلدانها دون تدخلات الخارج، ولم تثنِ تلك الدول الوطنية العرب من أن يتطلعوا إلى وحدة دولهم، حتى وإن ظلَّ هذا غاية مؤجلة دونها الكثير من الصعاب.
وَرثة من صمموا لنا هذه الخريطة هم أنفسهم من يريد إقناعنا اليوم بأن البلدان التي نشأت بموجبها هي كيانات غير متجانسة يتعين تفكيكها وإعادة رسمها من جديد، وما استراتيجية كوندليزا رايس عن «الفوضى الخلاقة» سوى الاسم السري لهذا المسعى الذي بدأت نتائجه تظهر في العراق وسوريا وليبيا واليمن والله وحده يعلم على مَن من دولنا العربية سيأتي الدور اللاحق.
تبدو حجة عدم التجانس لتبرير ما يجري أضحوكة بالفعل. أين هي الدولة المتجانسة في العالم؟ أليست الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها المثل الأكثر تجلياً لعدم التجانس كونها كياناً نشأ نتيجة هجرات طوعية وقسرية من قارات وبلدان مختلفة؟ أليست أوروبا نفسها اليوم صورة نموذجية لتعدد الديانات والطوائف والأعراق فيها؟
كيف استطاع غير المتجانسين هناك أن يعيشوا في مجتمعات تستوعب عدم التجانس هذا عبر تكريس مبدأ المواطنة المتساوية وحكم القانون، فيما يراد للكيانات العربية أن تتفكك بحجة أنها تضم مسلمين ومسيحيين وشيعة وسنة ودروزاً وعلويين، عرباً وكرداً وأرمن وأيزيديين وغيرهم، وبالتالي فإنها غير متجانسة؟!
ما من مجتمع متجانس على ظهر الكوكب، حتى لو اتحد سكانه في الديانة والعرق، فإنهم سينقسمون في الجهات والمناطق، وقبل هذا في الاصطفافات الاجتماعية، وليس الحل في تفكيك بلداننا بحجة عدم تجانسها، إنما في تأمين منظومة القيم والأفكار والتشريعات التي تجعل من عدم التجانس تجانساً.