تأملات وخواطر


سامى لبيب
2021 / 12 / 4 - 19:02     

كعادتي في كتابة التأملات التي تتناول وتتوقف وتفسر الحياة والوجود والإنسان بغية إكتشاف الحقيقة وتبديد الأوهام والمغالطات والعيش في الحياة بعيون نظيفة وعقل واعي , لأتناول فى هذه التأملات توقفات وتحفظات على تطبيقات أفكار وأيدلوجيات بغية تهذيبها وتقويمها من أجل مجتمع إنساني تقدمي ترتفع فيه قيمة الحرية والكرامة الإنسانية .

- يختزل اليساريون والليبراليون حقوق الإنسان فى الحريات السياسية ولا يقتربون من حرية الفكر والتعبير والنقد , ليكون النضال للحصول على حريات السياسية فقط ليصب فى النهاية إلى مكاسب تتمثل في حرية السلفيين والإسلام السياسي والدولة الدينية , ليسأل سائل كيف يكون هذا ؟! لنقول أن إهمال حرية الفكر والتعبير والإعتقاد والنقد بالرغم أنه الهدف الأولي والأسمي للإنسان فهذا سيأتي على هوي الإسلاميين لينتج تقويض الدولة المدنية التى يأملوا فى إنهيارها ولتقدم الحرية السياسية هنا الدولة الدينية كمشروع وحيد على طبق من ذهب على أنقاض الدولة المدنية غير قابل للنقاش والنقد .. حرية الفكر والتعبير والإعتقاد والنقد أولا لتفرز حريات سياسية حقيقية .
- القضية الأولي التى يجب أن يوليها اليساريون والشيوعيين العرب هي علمانية الدولة والمجتمع قبل النضال بالتبشير لمجتمع إشتراكي , فالعلمانية الديمقراطية هي حجر الزاوية لبناء مجتمع يبتعد عن ظلامية الدولة الدينية ويخطو نحو مجتمع تقدمي .
- خلق ثقافة جديدة بديلاً عن ثقافة التخلف هي المهمة الأولي في نضالنا لتحقيق مجتمع تقدمي ,ولكن الإشكالية أن الثقافة الجديدة لن تتواجد بالتبشير بها بل ستتواجد من وجود علاقات إنتاج جديدة.
- من أسباب هشاشة الأحزاب الشيوعية العربية أن شيوعييها سلفيين بثوب ماركسي لا يختلفون عن سلفيي الدين فهناك قال فلان عن علان وهنا قال لينين وستالين .
- خيبة الشيوعيين العرب أنهم مازالة يجتروا التجربة السوفيتية برموزها رغم سقوطها بإعجاب وإعتزاز فلا ينتابهم أى نقد أو توقف لهذه التجربة , فأليست هذه سلفية ؟!
- المصيبة الكبري أن يتواجد أكثر من 25 مليون كادر حزبي شيوعي فى الإتحاد السوفيتي السابق ثم نري هذا الإنهيار العظيم كتساقط قطع الدومينو , وهذا يفسر لنا أن القولبة والجمود والنمطية لن تحمي أعظم النظريات .
- أولي البشائر والإرهاصات التى ظهرت قبل إنهيار الإتحاد السوفيتي ودول المنظومة الإشتراكية والتي تنبأ بالإنهيار في تلك الظاهرة برغبة أفراد من الإتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية فى الفرار والهروب والأمل الحلم فى العالم الغربي الرأسمالي بينما لم نري فرد من دول الغرب الرأسمالي يأمل ويهرب إلى الدول الشيوعية .. لم يفكر أحد من شيوعيي الإتحاد السوفيتي والعالم فى هذا الأمر .
- من الأهمية فهم عدم تقديم التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي ولكن من الأهمية بمكان تحديد ماهو التناقض الرئيسي والثانوي فالخطأ فى التحديد والتقييم سينتج أخطاء كارثية .
- أخطأ الشيوعيين العرب فى السابق عندما مدوا أيديهم للتحالف مع قوي الإسلام السياسي تحت منظور أنهم تناقض ثانوي فى مواجهة التناقض الرئيسي المتمثل فى أنظمة الحكم القائمة , ليغفلوا عن غباء أن الإسلام السياسي هو البديل الإستراتيجي والدرع الأخير والشرس لأنظمة الحكم الرأسمالية الفاشية وإنهم سيقضون على كل أخضر ويابس ليعلقوا الشيوعيين علي أعمدة الكهرباء متى تمكنوا .
- من أسباب إنهيار الدول الإشتراكية الشيوعية أنها أغفلت بل تعمدت إهمال صراع الأضداد الذي هو ديالكتيك الحياة لتمحو أى ضد ووجود وصراع طبقي وفكري مغاير بل كان الغباء والشراسة وضيق الأفق عندما رفضوا أي تكتيك شيوعي مغاير فكان الجمود ثم السقوط .
- يرفع صقور الشيوعيين شعار ديكتاتورية البروليتاريا بالرغم أنهم يستغلون الديمقراطية للإجهازعليها لاحقاً أملا في تحقيق شعارهم ديكتاتورية البروليتاريا , فما هذه الإزدواجية والبرجماتية وماذا إختلفوا عن الإسلاميين ؟!
- تخدعنا مقولة أن الحكم هو ديكتاتورية طبقة لنعتبر المجتمعات الغربية واقعة تحت حكم ديكتاتورية طبقة الرأسماليين مع تبدل المواقع والتكتيكات وهذا صحيح ولكن بقفازات حريرية , ولكن لا يعني هذا محو وسحق القوي السياسية المغايرة للرأسمالية , فالديكتاتورية هنا تعني القوة والتفرد دون محو الآخر من الوجود وهذا كان غائبا عن وعي الشيوعيين فمحوا الكل .
- لا يستطيع الشيوعيين العرب رفع الحل الإشتراكي لعدم وجود الطبقات التى تأمل فى ذلك ولا الظرف الموضوعي والتطوري الذي يمهد لذلك , فليس أمامهم سوي تبني العدالة الإجتماعية كمشروع حالي يسمح لهم بالبقاء والتمهيد للإشتراكية مستقبلاً .
- رغم أن فكرة فشل التطبيق لا يعني فساد النظرية ولكن لنا أن نتوقف أامام توقف المصنع فى البلد الأم وإستمرار الوكيل في العمل ! فهنا يلزم البحث فى سبب توقف المصنع وإعداد رؤية جديدة لإستمرار الوكيل .
- فشل تطبيق الإشتراكية لا يرجع لأنها كانت بناء فوقي من مثقفين وثوريين مع غياب الديمقراطية التي تُصلح وتُطور فحسب بل لأن الشعوب لم تخرج من العبودية لسحر رأس المال .
- خطأ التجارب الإشتراكية أنها قفزت على المراحل لتطلب حضور مرحلة دون أن يظهر ويكتمل حضورها الطبقي فكانت إما رؤية مثالية أو حضور ديكتاتوري برؤية نخب مثقفين ديكتاتوريين .
- خطأ التجارب الإشتراكية فى دول العالم الثالث أنه وقفت فى وجه الرأسمالية على العموم بينما الأجدر هو وقوفها بجانب الرأسمالية الوطنية لتكمل دورها وتصديها للرأسمالية الكمبردوارية كعميل للإحتكارات الأجنبية ومقوض للتطور الطبيعي .
- التجارب الشيوعية الإشتراكية فى الدول العربية بناء غبي لتجد ماركسيون وشعارات ثورية عريضة تُرفع فى اليمن الجنوبي مثلا الذي هو ذو علاقات إنتاج تتمحور في صيد الأسماك .
- سبب فشل التجارب المقتبسة من الإشتراكية هو تبني المراحل النهائية فى مجتمعات لا يوجد بها ظروف موضوعية لتحقيق ذلك , بينما المنطقي أن يقوم الثوريين بتبني المراحل السابقة حسب تطور المجتمع .
- التحدي الحقيقي الذي يواجه الشيوعية يتمثل فى تحقيق وترويض النزعات الشخصية الفردانية فى التميز والتفوق , فمن حق كل إنسان فى التمييز والتفوق دون أن تعتري هذه النزعة الأنانية والتحكم والسطوة , فكيف تتحقق وسط مجتمع يؤمن بالشمولية وذوبان الجميع في المنظومة .
- نتيجة حرص الشيوعيين على محو التمايز الطبقي فقد إعتنوا بأن تكون المنازل نسخة واحدة والملابس ذات ألوان وخطوط متشابهة فى قبح وعناد ومخاصمة لرغبات البشر فى الإبداع والتجديد والخصوصية ومن هنا قفزت الرأسمالية من الشباك.
- من أسباب نجاح الرأسمالية وبقاءها أنها نجحت دوماً فى العزف على غرائز الإنسان ورغباته فى المتعة والتميز والقوة بغض النظر عن أن تلك الرغبات تدوس على الآخرين ,بل صارت تلك الرغبات السادية سبب متعة البشر ولتزدهر الرأسمالية على أنقاض الإنسانية .
- أكبر هراء هو القول بوجود فن تقدمي تنويري وفن هابط ,فالفن هو تعبير عن مزاج وهوي الناس الذي يفرضه الواقع الثقافي فعندما تلفظه وتريد إحلال فن راقي بدلا منه فلتغير الثقافة أولاً , ولتعلم دوماً أنك لست الحكم والمسطرة لذوق الناس , كما عليك إستعمال الريموت كنترول .
- الشمولية قد تنجح أحيانا بل قد تنال رضا وقناعات الجماهير فى مرحلة ما ولكن مصيرها إلى السقوط متي عاندت حرية الفكر والنقد والإبداع والصراع .
- عندما نتأمل ونحتذي ونمتثل لمقولة المسيح الرائعة ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان سندرك لماذا تفشل أيدلوجيات وتسقط .. ليس المقصود بالطبع الحياة على كلام الله بل أشياء أخري
- يفتني شعار "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" كحلم الإنسانية فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع ولكن للأسف هو شعار يبقي مثاليا لعدم وجود الظرف الموضوعي الذي يحققه.

-دمتم بخير .
الشعار بدون واقع موضوعي يحتضنه يبقي حلم .