الخصوصي والكوني


حسن مدن
2021 / 11 / 29 - 12:03     

تحرص باحثة كندية اسمها لورين كود على تبديد الانطباع العالق في أذهان من هم خارج أمريكا الشمالية بأن بلادها، كندا، مجرد امتداد للولايات المتحدة الأمريكية .

يبدو لها هذا الأمر مقيتاً، ساعية للبرهنة على صحة العكس .ومع الإقرار بأن هناك عدداً لا يحصى من التماثلات، لا بين الولايات المتحدة من جهة وكندا من جهة أخرى فحسب، وإنما بين مختلف بلدان الكوكب الذي يذهب أكثر فأكثر نحو ثقافات عابرة للحدود، لكنها تصر على التمايزات، لجهة حاجة كل أمة أو ثقافة لتأكيد هويتها النابعة من ظروفها الملموسة ومن التقاليد الخاصة بها، حتى لو كان أهلها يتكلمون بذات اللغة التي يتكلم بها سكان بلد آخر مهما كان كبيراً ومؤثراً كما هو الحال مع كندا في علاقتها الثقافية واللغوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

كندا ليست صاحبة ثقافة مهيمنة عالمياً بنفس طريقة أو درجة الولايات المتحدة الأمريكية، وليست العلاقات بين البلدين علاقة بين طرفين متماثلين أو متكافئين، فكندا أصغر وأقل تأثيراً، ولكنها تريد أن ترى نفسها في دور مستقل في التواصل الثقافي مع العالم . تريد أن تكون لها لمستها الخاصة التي تميزها .

يعنينا مثل هذا السجال في أمر مهم، هو مدى حدود العلاقة بين ما نعدهُ كونياً شاملاً، تحت لوائه تنضوي ثقافات العالم المختلفة التي تتحد حول قيم إنسانية عليا واحدة، وبين الخصوصي، أو القومي، أي حق كل أمة في صون ثقافتها القومية وحمايتها من التبدد أو الذوبان في مصهر ثقافة واحدة كاسحة، ففي مثل هذا الضياع خسارة لا لأصحاب هذه الثقافة وحدهم، وإنما للثقافة الإنسانية عامة، التي يجب أن تنطوي على تعدد واسع يثريها بروافد متنوعة .

مثال كندا في هذه الحال مثال نموذجي، فالحديث لا يجري عن بلدٍ ناءٍ في إفريقيا أو آسيا، يشعر أهله بأنهم مهددون فيما يعدونه هوية خاصة بهم من أن تجتاحها ثقافة عالمية طاغية، أحادية، فيما هم لا يمتلكون مقومات الصمود بوجه هذا الاجتياح، إنما يدور عن بلد متقدم تجمعه مع النموذج الأمريكي المتفوق في اللحظة الراهنة عوامل حاسمة بينها اللغة المشتركة والجوار الجغرافي، وإلى حد ما التنوع الإثني .

ما الذي يجعل الكنديين يشعرون بمثل هذا القلق، فيما يعاب على شعوب البلدان النامية قلقها على تقاليدها الثقافية؟