المغرب: حراك الطلاب والمعطلين بشائر النضال الكفاحي المقبل

أنس رحيمي
2021 / 11 / 27 - 23:20     



«إن النشاطات الثورية وشبه الثورية للطلاب تعني أن المجتمع البرجوازي يمر عبر أزمة عميقة» تروتسكي

تشهد العديد من مدن المغرب وبلداته، خلال الأيام الأخيرة، تحركات شبابية جماهيرية يشارك فيها الطلاب وأصحاب الشواهد الجامعية العاطلون. ومثله مثل جميع الحركات النضالية الجدية العميقة، فقد تميز هذا التحرك الأخير بمشاركة كثيفة للنساء الشابات اللائي كن في المقدمة وعبرن عن كفاحية عالية. كما أنها استقبلت بتعاطف كبير من جانب عموم الشعب المغربي، ليس فقط لأن مطالبها مشروعة، بل لأن الجماهير كلها غاضبة وتريد نقطة مرجعية تتحلق حولها.

الشرارة

طلبة في مسيرة احتجاجية على شروط التوظيف في التعليم بمدينة فاس
انطلقت هذه التحركات الأخيرة احتجاجا على قرار وزير التعليم الأخير بوضع العديد من الشروط التراجعية على الراغبين في التقدم لاجتياز مباريات التوظيف في قطاع التعليم، ومن أهمها تسقيف سن التوظيف في 30 سنة، ومنع مشاركة الأساتذة الذين يشتغلون في التعليم الخصوصي إلا بموافقة مشغليهم (وكأنهم صاروا عبيدا في ملكيتهم).

يأتي هذا القرار خدمة مباشرة للوبيات قطاع التعليم الخاص لأن وضع الحصول على ميزة 12,5 شرطا مسبقا للتقدم للمباراة يصب في مصلحة مافيا ذلك القطاع الذين يتاجرون في النقاط ونفخها بطرق غير موضوعية لاستقطاب الزبائن. إضافة إلى أن منع عمال التعليم المشتغلين في القطاع الخاص من التقدم إلى المباراة خطوة تذكرنا بعصر الأقنان وحتى العبودية، حيث يمتلك السيد الاقطاعي مصير من يشتغلون في إقطاعيته ويلزمهم بموافقته قبل اتخاذهم لأي قرار.

كما أنه إجراء تكنوقراطي ضيق الأفق لحل مشكلة صناديق التقاعد التي أغرقت في الأزمة بسبب توقف الدولة عن خلق مناصب شغل كافية، بحيث أن المناصب المحدثة لا تعوض حتى تلك التي فقدت بفعل تقاعد أصحابها أو الوفاة، فبالأحرى أن تلبي الحاجيات المتزايدة للمجتمع إلى الأساتذة والأطباء والممرضين ، الخ. كما أنها أغرقت في الأزمة بسبب نهبها من طرف شركات القصر ومحيطه والحكومات المتعاقبة التي ما تزال ترفض أداء مستحقاتها، وكذلك الإدارات الفاسدة التي عاتت في الصناديق نهبا وتبذيرا…

العوامل العميقة
يعتبر هذا النهوض النضالي الأخير هو الأكبر من نوعه والأكثر امتدادا منذ حراك 20 فبراير. حيث عم جميع المدن العمالية الكبرى، وخاصة التي تضم مواقع جامعية (طنجة، تطوان، وجدة، الدار البيضاء، فاس، الرباط، أسفي، أكادير، مراكش، مكناس الخ). وأظهر، مرة أخرى، حجم الامكانيات الكفاحية والرغبة في النضال وتغيير الأوضاع المختزنة بين صفوف شباب الطبقات الكادحة.

لكن ورغم أن السبب المباشر هو ذلك القرار الوزاري، فإن هناك الكثير جدا من الأسباب العميقة التي تدفع الجماهير، وخاصة الشباب، إلى النضال.


رئيس الحكومة المغربي الملياردير: عزيز أخنوش
كانت الأزمة عميقة حتى قبل الجائحة، لكن الجائحة زادتها تفاقما، حيث تراجع النمو بأكثر من 7% وبلغ معدل الفقر 11,7% سنة 2020 وحدها. والطريقة الإجرامية التي دبرت بها الطبقة السائدة الجائحة زادت أوضاع الجماهير صعوبة، بحيث رمت بكل ثقل الأزمة على كاهل الكادحين، بتسهيل التسريحات الجماعية وغلاء الأسعار، الخ. مقابل تقديم كل التسهيلات للرأسماليين، بما في ذلك إعفاؤهم من الضرائب وسحب قانون معاقبة الكسب غير المشروع… مما مكن تلك الأقلية من الطفيليات، وعلى رأسهم القصر ومحيطه وبقية الرأسماليين الكبار، من تحقيق ثروات هائلة. فعلى سبيل المثال ارتفعت ثروة عائلة صديق الملك، ورئيس الوزراء الحالي، عزيز أخنوش، بما يقارب 25 مليار درهم منذ تفشي الجائحة، حسب منظمة أوكسفام. كما أكدت مجلة فوربس أنه على الرغم من أن العام الماضي كان من أصعب الأعوام في التاريخ الحديث، فإن ثروة الملياردير عزيز أخنوش الشخصية حققت زيادة “مفاجئة”، منذ أبريل 2020 إلى حدود ماي 2021، بحيث بلغت 900 مليون دولار، ليُصبح صافي ثروته ضمن التصنيف الجديد هو 1,9 مليار دولار.

كان هذا ما عبر عنه ماركس عندما قال: «تراكم الثروة في قطب هو، بالتالي، وفي نفس الوقت، تراكم البؤس وعذاب الكدح العبودي والجهل والوحشية والانحطاط المعنوي، في القطب الآخر».

وفي نفس الفترة انتقل معدل البطالة، حسب المندوبية السامية للتخطيط – وهي هيئة رسمية-، إلى 12,7% (قبل أن يتراجع مؤخرا إلى11,8%). وخاصة بين الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة بحيث يصل إلى 31%، والشباب الحاصلين على شهادة بمعدل 18,7%، والنساء بمعدل 16,5%. هذا بينما يشتغل العديد من الذين يعتبرون ضمن العمال في ظروف قاسية، فحسب المندوبية السامية للتخطيط فقد بلغ العمال «النشيطين المشتغلين في حالة الشغل الناقص المرتبط بعدد ساعات العمل 495.000 شخص على المستوى الوطني… كما بلغ عدد النشيطين المشتغلين في حالة الشغل الناقص المرتبط بالدخل غير الكافي أو بعدم ملاءمة الشغل مع المؤهلات 531.000 شخص… وفي المجمل، بلغ حجم السكان النشيطين المشتغلين في حالة شغل ناقص بشقيه 1.027.000 شخص على المستوى الوطني».

هذا وقد عرفت الأسعار، في نفس الفترة، ارتفاعا كبيرا لا تعبر عنه الأرقام الرسمية، لكن الجماهير تعيشه بشكل ملموس. تقول المندوبية السامية للتخطيط إن المواد الغذائية سجلت ارتفاعا، ما بين شهري شتنبر وأكتوبر 2021، هم على الخصوص أثمان الخضر بـ4,7% واللحوم بـ2,7% والسمك وفواكه البحر بـ1,4% والزيوت والذهنيات بـ1,0% والحليب والجبن والبيض والقهوة والشاي والكاكاو بـ0,7%. نفس الشيء مع المواد غير الغذائية وخاصة المحروقات التي عرفت ارتفاعا بـ 3,2%. وارتفاعا قدره 6,2% بالنسبة للنقل…

إذن عوامل الانفجار أكبر من مجرد قرار وزاري، إنها تجد جذورها في مجمل الوضع القائم. وهذا ما عبرت عنه الشعارات المرفوعة التي تجاوزت الاحتجاج على القرار إلى التنديد بمختلف الهجمات الاقتصادية والسياسية التي تشنها الطبقة السائدة ودولتها من تقشف وقمع وفساد سياسي، واستعادت شعارات حركة 20 فبراير وعلى رأسها شعار: حرية كرامة عدالة اجتماعية، وهذه دولة فاسدة، بل والشعارات الثورية لرابطات تشجيع الفرق الرياضية (في بلادي ظلموني، وهذه بلاد الحكرة…).

الإصلاحيون وقادة النقابات العمالية
وقف الاصلاحيون أمام هذا النهوض الجديد وهم مرعوبين، حائرين، يتأسفون على “الاستقرار” وينتقدون القرار بكونه “لا دستوري ولا قانوني”، و”في غير محله”!! ويتهمون الوزير بـ”عدم مراعاة الظرفية الآنية التي يمر منها المغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي”، ويتساءلون “هل فقد السيد الوزير عقله؟”، “ألا يرى أن الوضع حابل بالعديد من عوامل الانفجار وأنه من الأسلم عدم استفزاز الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وخاصة الشباب، بقرارات مثل هذه؟”.

الإصلاحيون كائنات مفلسة غبية تؤمن حقا بأنه يمكن العيش في مجتمع طبقي دون أن تقوم الطبقة السائدة بتنفيذ هجمات على الطبقة العاملة والكادحين، خاصة في مراحل الأزمة العميقة مثل هذه التي تعيشها الرأسمالية اليوم محليا وعالميا. وعندما يشهدون مثل تلك الهجمات، رغم كل نصائحهم وتوسلاتهم، فإنهم يتوجهون إلى الطبقة العاملة والكادحين قائلين: “إذا كان الرأسماليون غير مهذبين ويستمرون في التنمر، فعليكم أيها العمال والفلاحين أن تكونوا عاقلين ومهذبين وتترفعوا عن الرد، حفاظا على المصلحة العليا”. إنهم يتمنون لو لم تقم الطبقة العاملة والكادحون برد فعل ضد تلك الهجمات، فالأهم بالنسبة لهم هو “الاستقرار”.

لكن الطبقة السائدة على العكس منهم تعلم أن الصراع الطبقي عنصر بنيوي في مجتمعها، ولذلك فهي لا تتوقف عن تطوير مختلف أجهزة وأنواع قوات القمع والسجون والقوانين التي تحمي مصالحها، وتحرص على تحسين فعاليتها بكل الطرق. حتى أنها القطاع الوحيد لا يعرف الاقتطاعات في الميزانية بل العكس تماما.

هل فقد الوزير عقله؟
هل فعلا الطبقة السائدة، وممثلوها في شخص وزير التعليم، قد “فقدوا عقلهم” وقاموا بخطوة غير محسوبة؟ كلا، على الإطلاق! ينبغي ألا ننسى في هذا الصدد أن بنموسى وزير داخلية سابق وعميل فرنسي بجنسية فرنسية، وبالتالي فإنه يمتلك ما يكفي من مصادر المعلومات والمستشارين لكي لا يقوم بخطوة عشوائية.


وزير الداخلية السابق ووزير التعليم الحالي: شكيب بنموسى
نعتقد أن ما دفع الوزير إلى اتخاذ هذه الخطوة في هذا الوقت بالتحديد هو ما يلي:

أ) كون الطبقة السائدة تعيش وضع أزمة وتعتبر أن تطبيق المزيد من الهجمات لتحميل الكادحين فاتورة الأزمة ضرورة ملحة، وهذا ما يجعلها لا تتوانى عن تنفيذ أكثر سياسات التقشف وحشية، كلما سمحت لها موازين القوى بذلك.

ب) كونها تعلم يقينا غياب أي قوة يسارية كفاحية منظمة قادرة على قيادة المقاومة وأن القادة النقابيين مجرد خدم عندها لن يجرؤوا على اتخاذ أي خطوة لعرقلة تلك السياسات فبالأحرى إسقاطها. لذلك فإنها تتصرف بكل طمأنينة وغطرسة.

ج) أن الطبقة السائدة تعلم أنها تقف على بركان هادر يمكن أن ينفجر في أي لحظة، لذا فإنها تحاول أن تستبق ذلك الانفجار وتنتزع فتيله قبل أن يندلع. وفي هذا المسار تنهج نفس التكتيك الذي تستعمله مصالح محاربة نيران الغابات، التي تعمد قبيل فصل الحرائق إلى التسبب في اشعال حرائق متحكم فيها لكي تتمكن من تفادي حدوث الحرائق الكبرى عندما يأتي فصلها، أو على الأقل التقليل من حدتها وانتشارها. اشعال الحرائق المتحكم فيها يمكن من إحراق الأغصان والأعشاب القابلة للاشتعال وأخذ فكرة عن البؤر التي يمكن أن تشكل خطرا، وما إلى ذلك من المعطيات الضرورية للتعامل مع الحريق الكبير عندما يندلع. وهذا بالضبط ما تطبقه الدولة اليوم. إنها تعمل على استنزاف الحركة الجماهيرية في معارك منفصلة منعزلة عن بعضها البعض، لكي تتمكن من اخمادها واحدة تلو الأخرى، وتحول دون اتحادها في حركة جماهيرية واحدة.

ممثلو الطبقة السائدة واعون بهذا الوضع، أكثر من أغبياء اليسار الإصلاحي. وفي هذا الصدد قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في تصريح صحفي مؤخرا، «إن القرارات والإجراءات المقبلة ستحدث ضجة، وإذا لم تحدث ضجة بشأن هذا القرار ستحدث بشأن القرار الآخر». وبالتالي فإنهم يحرصون على إصدارها تدريجيا وتلقي صدمة “الضجة” وإخمادها، قبل الانتقال إلى الإجراء الآخر، وهكذا…

طبعا هذا لا يعني أنهم متحكمون كليا في الوضع، بل على العكس، احتمالات انفلات الوضع عن سيطرتهم وارد جدا، وهذا ما يرعب الاصلاحيين ربما أكثر حتى مما يرعب الطبقة السائدة. خاصة وأنها نضالات تلقائية “عفوية” خارجة عن سيطرة بيروقراطية النقابات والأحزاب الاصلاحية، القابلين للمساومة. لكنهم للحد من ذلك الخطر يحرصون على ألا تكون للحركة قيادة ولا نقطة مرجعية تلتف حولها ولا تنظيم يوحدها، مما يضمن لهم الانتصار عليها في آخر المطاف، وبهذا القدر أو ذاك من القمع والتنازلات.

والمثير للسخط هو الاحزاب اليسارية الاصلاحية، التي تنخرط، بوعي أو بغير وعي، في تنفيذ هذه السياسة وإنجاحها من خلال اكتفائها، في أحسن الحالات، بالانخراط، على مضض وبضغط من قواعدها في الغالب، في تلك المعارك المشتتة وكتابة بينات التضامن معها (التضامن: كما لو أن الأمر يتعلق بحماية الدببة القطبية، وليس بمعارك طبقية ونضالات من المفترض أن قيادتها من صلب مهمات تلك الأحزاب). هذا عوضا عن العمل على توحيدها في معركة موحدة عبر اقتراح أشكال تنظيمية ديمقراطية قاعدية في الأحياء العمالية وأماكن العمل والجامعات والربط بينها محليا واقليميا وجهويا ووطنيا، وتمكينها من برنامج مطالب انتقالية يوحدها ويربط بين نضالاتها اليومية وبين النضال الشامل من أجل حسم السلطة من طرف الطبقة العاملة وعموم الكادحين، باعتباره الحل الوحيد الجدي والدائم لوقف التقشف والاستغلال والقمع ومختلف الهجمات التي تستهدف ظروف عيش وعمل العمال وعموم الكادحين في المدن والقرى.

“قلنا له، وقال لنا”
عوض أن تعمل قيادات النقابات على الانخراط في هذه التحركات وتنظيمها وإعطائها شعارات وخطة عمل، والدعوة إلى خوض إضرابات عامة تشل كل القطاعات لإخضاع الدولة وإجبارها على وقف هذا الهجوم وبقية الهجمات التي خربت ظروف عيش وعمل العمال والجماهير الكادحة، فإنها سارعت، تسابق بعضها البعض، لتحاور الوزير لإقناعه بالتراجع عن القرار حفاظا على ما يعتبرونه “استقرارا”.

إنهم يعتبرون أنفسهم، لسبب ما، عقلانيين. كما يعتبرون أنفسهم أكثر قدرة على حماية استقرار نظام الطبقة السائدة من ممثلي الطبقة السائدة أنفسهم، وهذا ما جعلهم يتقدموا برجائهم للوزير بأن يتراجع عن القرار، لكنه عاملهم بالاحتقار الذي يستحقونه وعبر لهم عن تشبثه بالقرار وودعهم دون أن يقدم لهم حتى ما ينقذون به ماء وجههم أمام قواعدهم.

ماذا كان ردهم؟ هل نددوا وقرروا تنظيم النضال ضد القرار؟ هل دعوا الطبقة العاملة، وخاصة عمال قطاع التعليم، إلى الانخراط في المعركة وخوض إضراب عام إلى حين إسقاط القرار؟ هل قدموا للمعركة شعارات ومطالب اقتصادية وسياسية توسع أفقها وتعطيها منظورا واضحا وتكتيكات صحيحة؟ كلا، كل ما صدر عنهم هو مجرد بيانات هزيلة سردوا فيها ما “قالوه” للوزير وما “قاله” الوزير لهم، كما لو كانوا مجرد صحفيين أو متتبعين محايدين، أو بالأصح مجرد خدم عنده لتبليغ رسائله، وليسوا قادة نقابيين معنيين أساسا بهذه القضية.

لقد فقد هؤلاء السيدات والسادة كل علاقة بالنضال، حتى صاروا يعتبرونه خطرا وصارت مهمتهم هي تقديم الاستشارات المجانية لممثلي الطبقة السائدة بأفضل الطرق للحفاظ على الأوضاع القائمة وتفادي اشتعال الأوضاع.

لقد صاروا يخافون النضالات والجماهير أكثر مما يخافون الهجمات المتتالية ضد مكاسب الطبقة العاملة والكادحين، فلا يتحركون أبدا مهما بلغت حدتها، لكنهم سرعان ما يستيقظون عندما تواجه برد فعل من جانب الجماهير، لكن ليس لكي يقدموا تعبيرا كفاحيا لتلك النضالات بل لكبحها وضمان بقائها ضمن الأطر المقبولة للطبقة السائدة ودولتها.

وقد تحولوا إلى كابح مطلق وفقدوا كل شرعية في الانتماء إلى الحركة العمالية والنقابية، ولا بد من تطهير المنظمات العمالية منهم كشرط مسبق ضروري لأي نضال ناجح.

ما لم ينتزع بالنضال ينتزع بالمزيد من النضال
كان من المفترض أن تكون الطبقة العاملة هي التي تحمل على كاهلها النضال ضد هذا القرار وغيرها، بوسائلها الطبقية الفعالة، وخاصة الإضراب العام، القادرة على شل الطبقة السائدة وإخضاعها. لكن الطبقة العاملة ما زالت غير قادرة بعد على القيام بهذه المهمة. فقواها مكبلة ببيروقراطية نقابية رجعية مندمجة بجهاز الدولة وعميلة صريحة للطبقة السائدة، كما أنها لم تتعافى بعد من مخلفات الخراب الذي ضربها إبان الجائحة على شكل ارتفاع رهيب في معدلات البطالة وما لا يحصى من المآسي. وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يقف الشباب، الطلاب والعاطلون، في الخطوط الأمامية للتصدي لسياسات التقشف والهجمات.

نحن الماركسيون ندعم هذه النضالات ونعتبرها مشروعة وتقدمية، وندعو الطبقة العاملة إلى الانخراط فيها بكل حزم وإخلاص. كما ندعو أعضاءها إلى تنظيم أنفسهم بشكل ديمقراطي محليا وإقليميا ووطنيا، وإيصال صوتها ونضالاتها إلى كل حي عمالي وكل مصنع وكل جامعة ومدرسة، بحيث تصير قضية كل الكادحين. هذا هو الطريق الصحيح لإعطائها الزخم الضروري للانتصار.

إن النضالات الحالية وبغض النظر عن نتيجتها النهائية، هي، من وجهة نظرنا، بشائر للنهوض النضالي المقبل. إنها دليل على أن المجتمع البرجوازي يمر من أزمة عميقة، كما أنها دليل على عظمة الطاقات الكفاحية التي يمتلكها الشباب. ومن هنا يأتي مصدر تفاؤلنا نحن الماركسيين وثقتنا في النصر النهائي.

إننا نرى فيها مقدمات النهوض النضالي العمالي القادم لا محالة، وندعو الشباب الثوري الذي يريد فعلا كسر الحلقة الجهنمية المفرغة من النضالات التي تنتهي بالهزيمة أو الاستنزاف، بسبب غياب القيادة والتنظيم، إلى التفكير جديا في الانخراط في النضال الذي يخوضه الماركسيون من أجل بناء تلك القيادة الثورية وذلك البرنامج الثوري لتمكين الحركات الجماهيرية من أن تصب جميعها في مسار واحد يقودها إلى إسقاط دولة الرأسماليين وبناء دولة العمال وعموم الكادحين.

هذا هو المشروع الذي نقترحه عليكم، وندعوكم إلى الالتحاق بنا في التيار الماركسي الأممي لتحقيقه.