اللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ..عرض مكثف واستخلاصات


بشير صقر
2021 / 11 / 23 - 16:34     

تقديم

أبرز صدور كتاب " اللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية " ردود أفعال أولية طيبة في عدة مدن .. ، تنم عن رغبة في استعادة روح تلك الفترة أو ذلك الزمن .. وهو ما يشجع علي إقامة لقاءات مشابهة لما جرى مساء الثلاثاء 16 نوفمبر الجاري في ( جاليرى ضي) بحي المهندسين – بالقاهرة لمناقشته ؛ في ظل حالة الحصار الخانق الراهنة وخواء الفضاء السياسى التي تخيم علي المجتمع .

ونشير إلي أن تأخر صدوره خمسة عشر عاما علي الأقل قد أخل بالتوازن المفترض بين الأدب الشفهى لتلك التجربة وبين أدبها الموثق لغير صالح أدبها الشفهي و تراثها .. وهو في تقديرنا الأحق بالتسجيل .. إذا جازت المقابلة بينهما.

والسؤال الأول : المطلوب الإجابة عنه في هذا الشأن هو :
لأى غرض صدر الكتاب ..؟ لتأريخ التجربة .. أم لتوثيقها .. أم لكليهما ..؟ وهل حقق صدوره هذه الأمنية والغرض أم لا..؟
وللحقيقة كان الغرض مزدوجا – التأريخ والتوثيق – لكن الحجم الهائل لمستندات التجربة وصورها أدي تقريبا لاستبعاد فكرة التوثيق والاكتفاء بالتأريخ تجنبا لضخامة التكلفة وهو ما أسهم في تقليص حجم الأدب الموثق للتجربة بعد أن تسبب التأخير في الكتابة لتقليل حجم الأدب الشفهى.
وفي هذا الشأن أعرج علي مناشدة للسادة الناشرين .. طرح طبعة شعبيةتفض التكلفة وثمن المطبوعة مراعاة لإمكانيات الشباب والفتيات الشرائية .. حيث أن مهمة الناشرين الأولي من واقع دورهم هي النشر.

أما السؤال الثاني : فهو ما هى أبرز نتائج تجربة اللجنة الشعبية التي يتضمنها صدور الكتاب ..؟ :
• في علاقة اللجنة بالغرض الذي تأسست من أجل تحقيقه..؟
• وفي إنهاض الحركة السياسية الهامدة آنذاك في مصر .. ؟ أى في زمن التجربة.
• وفي أثرها علي الأجيال الجديدة ..؟
وهو ما ما نود الإجابة عليه في القسم الحواري من اللقاء.

أما بشأن أسلوب الكتاب ، فيطرح السؤال الثالث نفسه :
هل اتخذ النص من حيث الصياغة نسقا واحدا أم عدة أنساق.. استنادا إلي نوعية المادة المعروضة ونوعية الجمهور المتوقع ..؟

وأتمنى أن تجيب المناقشة بيننا عن بعض تلك الأسئلة .. في الجزء الثاني من هذا اللقاء.
هذا من حيث التقديم الذى أردت أن أصدر به حديثي مع السادة الحضور والقراء..

ونظرا لأن منهم من لم يقرأ الكتاب فسوف نعرض الخطوط الأساسية لمكوناته فى الآتي :
• اندلاع الانتفاضة الفلسطينية كان الشرط والسبب الرئيسي ولتشكيل اللجنة .. وللدعم بكل أنواعه.

• أول ردود الأفعال كان في مدينة العريش أو شمال سيناء بمعني أدق في الخميس 13 أكتوبرعام 2000 .. حيث تشكلت لجنة شمال سيناء لدعم انتفاضة المسجد الأقصي. . وشكل المادة الرئيسة والثرية للنشاط الانتخابي البرلماني في تلك الأيام هناك.


• كذلك تأسست اللجان في 15 محافظة وعديد من احياء المدن وفي عشرات القري.. وعمل نصفها في الدعم المادى وجميعها في الدعم السياسي. وأن الجانب الأعظم من الدعوم ( حوالي 90 % ) ذهب للجان الشعبية الفلسطينية ولجان العمل الصحي الشعبية و النسبة الباقية للسلطة الفلسطينية التي كان دورها الرئيسي في تحويل الدعوم إلي معونات لا تُدفع عنها جمارك ومن ثم لا تتخذ صفة الصادرات.

• كما تضمن الكتاب خبرات متراكمة من خلال العمل اليومى أسهمت في رفع شأن اللجنة وجماهيريتها.


• كذلك تناول أشكال الدعم المتنوعة ( مادي ، سياسي ، رياضي ، فني ، صحي علاجى ، إعلامي ) وكذلك القوافل وخط سيرها وأعدادها ونوعياتها والحشود أو الوفود الجماهيرية المصاحبة وما يقابلها في الطريق باتجاه مدينة العريش ومعبر رفح.

• أن الكتاب لم يهمل التباينات الواضحة داخل اللجنة وأصرعلي تناولها جميعا – في البابين الثالث والخامس- وتوضيح دورها في مسار اللجنة وتحديدا ( دور الدولة ، دور الكيان الصهيوني ، دور الصليب الأحمر الدولي في المنطقة ، دور جماعة الإخوان ، دور بعض قادتها ، دور بعض الشباب ، و كذلك برنامج رئيس التحرير التليفزيوني للإعلامي حمدى قنديل، بل ودور اللجنة ككل في مواجهة أو التغاضى عما يعتمل داخلها وتأثير ذلك علي معدل السير والتقدم أو العرقلة ).


• ومع ذلك فهناك فصل يتعرض للمعوقات منها القبض علي عدد من أعضاء اللجان بالقاهرة والدقهلية وميت غمر ، وبعثرة أبرز قادة اللجنة الشعبية فى شمال سيناء ونقلهم- تنكيلا بهم - إلي محافظات الوجه البحرى. وخطف الدولة لمؤتمر الكاتدرائية من الكنيسة واللجنة الشعبية إثر اتفاقهما علي عقده .

• أما من حيث فحوى النشاط وتسيير دولاب العمل واستمراره وتعديل مساراته وتلافي عراقيله وتحقيق الأغراض التي تأسست اللجنة لإنجازها.. فيمكن القول:


1- أن اندلاع الانتفاضة كان شرطا رئيسيا لتشكيل اللجنة ، وأن كلاهما ( الانتفاضة واللجنة ) كانا شرطا لاستمرار الدعم والنشاط .

2- وأن تحديد أهداف اللجنة وإطارها السياسي كانا أيضا شارطين لبداية صحيحة لعمل اللجنة . كما ساهم الاختيار الصحيح للمهمة الأولي ( جمع التوقيعات علي مناشدتي أمين عام الأمم المتحدة ورئيس الجمهورية ) في الدفعَة القوية التي دعمت انطلاقها .. لآنها كانت في متناول جميع الأعضاء وتغطي كل لجان المحافظات وكان يمكن ممارستها في أي توقيت وأي مكان..إلخ


3- كذلك كان الاستمرار بنفس الوتيرة - وربما أعلي - نتيجة مباشرة للاتي :

 استبدال مهمة جمع التوقيعات – التي هبط معدلها - بمهمة جديدة ( جمع التبرعات ) .

 والإسقاط التام لمهمة أخري ( مقاطعة السلع الأمريكية والصهيونية ) التى لم تتناسب شروطها مع عمل اللجنة .

 واستحداث لجنة نشاط جديدة ( لجنة المحافظات ) استنادا لحجم الدعم الجماهيري المتصاعد.

 من ناحية ثالثة تحقق كل ذلك نتيجة تطبيق المبدأ الهام .. أن تقسيم العمل كان استجابة لمهام موضوعية مطروحة للإنجاز وليس ( بتحديد وظائف وتسمية موظفين كماهو دارج في دواوين الحكومة ).


4- وبشأن العراقيل الأمنية :

فكان تجاوزها نتيجة الابتكار وإعمال الذهن وعدم الارتكان للأفكار المسبقة والتقديرات التقليدية القديمة وأبرزها الحصول علي مخازن العريش. وهذه الواقعة تخالف بعض البديهيات المتداولة في الكفاح الجماهيرى وفي العمل التنظيمى السياسي والنقابي والتي كانت تعد بمثابة أقانيم لا يمكن المساس بها.

5- علاج العراقيل المتوقعة داخل اللجنة:
والتي هي أولا بنْت العمل الجبهوى وسليلة تباين الأفكار والمنابع الفكرية بين الأعضاء وكذا تباين المكونات السياسية... والأهم من كل هذا هو أنها جاءت علي خلفية حالة من الهمود في الشارع المصرى دامت عقدين من الزمان.. فقد تم التغلب عليها – جزئيا – بقرارمزدوج يتعلق بعملية التصويت [ حيث تم الاتفاق علي مبدأ التوافق في القرارات العامة والسياسية ، وعلي التصويت والإغلبية في القرارات العملية ] وكان ذلك أحد عوامل الاستقرار النسبى فى العمل الإداري.

7-أما عن مواجهة الأفكار المشتطة:
فكان طول النفس والحزم هو وسيلة الحسم معها كما تم مع : [ الشعار الناظم لعمل اللجنة الذى يرى البعض أنه هو قطع جميع العلاقات مع العدو الصهيوني ]، ومطلب آخر استفزازى للشباب ( باستحداث لجنة مستقلة لهم .. وإلا شهّروا بنا ) ]

8- وكان لتطبيق المبدأ الديمقراطيجميع اللجان مستقلة :
( حتى في الأحياء والقري - ومتساوية الحقوق في مسلكها وإبداء رأيها ، ولا فرق بين الحديث والقديم منها إلا في تقديم الخبرة طواعية وبرفاقية) .
كذلك رفض تسمية رئيس أو منسق أو أمين أو متحدث رسمى أو أي من تلك التسميات في اللجنة.. وأن تدار الاجتماعات بواسطة الأعضاء بشكل دورى، وقد اسهم ذلك في خلق روح من التسامح والتآزر والثقارب بين غالبية أعضائها.

9--وكان لبُعد النظر والحرفية :
في ابتكار الشعارات العبقرية كما حدث بلجنة شمال سيناء التى اكتشفت أثناء جمعها التبرعات من منازل العريش علي سيارة نصف نقل تجوب شوارع المدينة وأزقتها أن مطالبة الجمهور بأحجام محددة من التبرعات قلل معدلها ؛ بينما أسهم شعار : كيلو واحد أرز أو دقيق أو سكر من كل منزل – وليس كل شقة - قد ضاعف أعداد المتبرعين وحجم التبرعات .. وهو ما نقله العم عطية الصيرفي إلي مدينته ميت غمر ونفذه علي الفور.

10- تعويض ضعف القلب الإداري للجنة:
كذلك كان ( تشكيل القلب الإدارى من ممثلين للجان النشاط الحقيقية ) والتي تشكلت بدورها نتيجة احتياج موضوعي للمهام التي تؤديها. وقد عوّض ذلك نسبيا غياب القلب الإداري النابض والمتفرغ الذي ظلت اللجنة تعاني منه منذ لحظاتها الأولي.


11- عدم التهادن مع الميول الضارة:
هذا ولم تتهادن اللجنة في معظم الأحيان مع أية ميول ضارة وتعاملت مع التناقضات والتباينات الحادة داخلها باستقامة ووضوح وهو ما عدل مسالك البعض الذين بادروا بعملية استبعاد من يرونهم مصدرا أو خطرا صداميا علي اللجنة في الأيام الأولي لعملها .

هل كان في الإمكان تحول اللجنة الشعبية لكيان سياسي مستقلذي دور في الحياة السياسية في مصر ..؟

وما قلل من معدل الأداء العالي منسوبا لحجم الكفاءات والطاقات التي باللجنة أن كل أًعضاء لجنة القاهرة ومعظم اللجان لم يكونوا متفرغين.. مما أضعف اندفاعها وتدفقها ؛ علاوة علي أن بعض التهاون في مواجهة الميول المشتطة أعاق تحولها إلي هيئة سياسية دائمة بأهداف مصرية جديدة كما كانت تنبئ كثير من مؤشراتها.

واللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية من اللجان القلائل التي لم يتوقف نشاطها استنادا لقصور آليتها الداخلية أو اختلال توجهاتها السياسية .. بل توقف نشاطها لتوقف باعثها الأصلي وشرط وجودها وهو الانتفاضة الفلسطينية، ولذا تركت انطباعا إيجابيا وأثرا قويا بأنها نجحت في مهمتها حتي آخر ساعة ، بل إن هناك لجانا شعبية استمرت في العمل وواصلت الدعم حتي سنوات قريبة كلجنة الدقهلية.

وعموما تسابقت اللجان في الدعم والابتكار وتنافست في التفنن في خلق مجالات جديدة للمؤازرة وكانت لجنة رعاية جرحي الانتفاضة المعالجين بمصر بحي شبرا هي مفاجأة اللجان الشعبية قاطبة، وتستحق أن تكون عنوانا للجنة الشعبية لدعم الانتفاضة في مصر .

كذلك كان دور المرأة قويا ومتماسكا وعاليا وخصوصا في مدينة ميت غمر التي أبلت بلاء حسنا . وقد رأينا فيما بعد انفضاض عمل اللجنة الشعبية تأكيدا لذلك .. متمثلا فيما قامت به المرأة في مركز النديم أو في نقابة الأطباء أو في رعاية الأطفال اليتامي في بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة.

16 نوفمبر 2021 بشير صقر