في مديح الحملة الانتخابية لفدرالية اليسار الديمقراطي


محمد الدحاني
2021 / 11 / 21 - 22:47     

مقدمة
سنحاول في هذه المساهمة أن نسوق بعض الملاحظات الخاصة بالحملة الانتخابية للأحزاب السياسية المغربية، وسنسلط الضوء بالأخص على حملة ما كان يسمى قبل الانتخابات بفدرالية اليسار الديمقراطي، لكونها جسدت فعلا، مفهوم الحملة الانتخابية النزيهة شكلا ومضمونا، مُحاولة بذلك ترسيخ السلوك المدني، والمنافسة الشريفة، والانضباط لقواعد الديمقراطية من أجل مأسسة ثقافة وقيم السلوك الانتخابي في فكر ووجدان المغاربة.
1. من فدرالية اليسار الديمقراطي إلى تحالف فدرالية اليسار.
كما هو معلوم لدى الرأي العام أن فدرالية اليسار الديمقراطي، التي كانت تضم حزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، وحزب المؤتمر الاتحادي لم تعد موجودة كتنظيم حزبي يتقدم للانتخابات برمز ظرف الرسالة المفتوحة، وإنما لازالت موجودة كفكرة وروح نضالية يجسدها حلم تجميع اليسار المغربي في حزب كبير، وما هذه المساهمة إلا تجلي من تجليات التشبث بهذا الأمل الذي يفرضه الطلب الاجتماعي الناتج عن الاختيارات النيوليبرالية التي اعتمدها النظام السياسي المغربي منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي استهدفت ولازالت تستهدف القطاعات الاجتماعية التي تشكل العمود الفقري لضمان عيش المواطنين المغاربة بالحد الأدنى من الكرامة.
لذلك، نشدد على تشبتنا بحلم/ أمل بناء الحزب اليساري الكبير، وتشكل مرحلة تأسيس تحالف فدرالية اليسار، الذي يضم حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، وحزب المؤتمر الاتحادي، وتيار اليسار الوحدوي "المنشق" عن حزب الاشتراكي الموحد، بعدما سحبت أمينته العامة التصريح الخاص بالترشح المشترك لانتخابات الغرف المهنية برمز ظرف الرسالة المفتوحة، كما جرت العادة في الانتخابات السابقة، وقررت أن تخوض هذه الانتخابات برمز الشمعة، أي كحزب مستقل عن مكونات فدرالية اليسار الديمقراطي.
هذا القرار كان حدثا مفاجئا للمناضلين في كل المكونات، بما فيها أعضاء في المكتب السياسي للاشتراكي الموحد، فكان رد الفعل سريعا، نظرا لضيق الوقت، والمتمثل في تأسيس تحالف فدرالية اليسار والتقدم لجميع الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية برمز ظرف الرسالة المفتوحة.
ما نود تأكيده من الاشارات السابقة، هو أن تحالف فدرالية اليسار يشكل المرحلة الأولى لبناء الحزب اليساري الكبير، والذي من المفترض أن يعيد الاعتبار للعمل الحزبي والسياسي بالمغرب، بعدما تمت بلقنته من طرف النظام السياسي المغربي، بصناعة الأحزاب الادارية، واستقطاب النخب السياسية للأحزاب المناضلة، ودعم قوى الاسلام السياسي، واستعمالها كأداة من أدواته لكسر شوكة الأحزاب المناضلة.
2. على مستوى اختيار المرشحين
تجد الأحزاب السياسية المغربية نفسها في كل محطة انتخابية، مضطرة أن تعمل وفق ثلاث استراتيجيات أساسية لاختيار مرشحيها في جميع الدوائر الانتخابية، وفي ما يلي أهم الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجيات:
 استراتيجية الفوز بالمقعد الانتخابي:
إذا كان من الناحية المبدئية، جميع الأحزاب السياسية تراهن على الفوز بالمقعد الانتخابي في الدائرة التي يمثلها فيها أحد مرشحيها، فإن الأمر مناقض لذلك من الناحية العملية، وسأوضح ذلك في الفقرات الآتية.
تقوم هذه الاستراتيجية، على أحد مبادئ الفلسفة الميكيافيلية، والمتمثل في مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، بمعنى يجب على المرشح في هذه الدائرة أن يفوز بهذا المقعد الانتخابي مهما كلفه الأمر لذلك، سواء بشراء ذمة المرشح المنافس، أو ابتزازه، وأحيانا تهديده. أو بشراء ذمم الناخبين، أي محاولة ارشائهم بقدر مالي معين، غالبا يقدر ب200 درهم للناخب، كمقابل لصوته على المرشح فلان صاحب الرمز كذا، أو ابتزازهم، وذلك عبر تجنيد بعض أعوان السلطة وحثهم على مطالبة الساكنة بالتصويت على فلان الفلاني، أو محاولة دغدغة واستغلال مشاعرهم الدينية، بمطالبة فقيه المسجد أن ينصحهم بالتصويت على الحزب الفلاني الذي يمثله في هذه الدائرة فلان الفلاني. طبعا هذه الممارسات لا توجد في كل أنحاء المغرب، وإنما توجد في قلب البوادي النائية أو المنسية أو غير النافعة على المستوى الاقتصادي، لكنها تشكل تاريخيا الركيزة الأساسية للدعم السياسي للنظام السياسي المغربي ولأحزابه الادارية، باعتبارها هي الوحيدة التي تعتمد استراتيجية الفوز بالمقعد الانتخابي في هذه الدوائر الانتخابية بالذات مهما كلفها ذلك. في حين تعتمد في المدارات الحضرية والشبه الحضرية على ترشيح أصحاب المال والجاه وأعوان السلطة، أو المتعاونين معها.
 استراتيجية ترشيح المناضلين.
تقوم هذه الاستراتيجية على ترشيح مناضل الحزب في دائرة انتخابية ما، وإن كان الحزب يعلم مسبقا بضعف حظوظ الفوز بالمقعد الانتخابي، وأحيانا يكون الأمر مؤكدا بأن هذا المناضل لا يمكن أن يفوز بالمقعد في هذه الدائرة الانتخابية ومع ذلك يرشحه الحزب فيها. لأنه يعتبر هذا الترشح بحد ذاته شكل نضالي مزدوج، يتمثل في تزكية الحزب لمناضليه أولا، مما يشعرهم أن حزبهم يثق بهم ويراهن عليهم في الحاضر والمستقبل، ويضمن حقوقهم في ترشحهم بدوائرهم الانتخابية، والمناضل يعتبر ترشحه بمثابة اشعاع للحزب وتعريف المواطنين به وبرمزه وقيادته ومواقفه السياسية، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي يترافع عليها.
مع كامل الأسف، هذه الاستراتيجية لا يقوم بها من الأحزاب التي تشارك في الانتخابات، إلا مكونات ما كان يسمى قبل انتخابات 8 شتنبر 2021 بأحزاب فدرالية اليسار الديمقراطي، أي حزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، وحزب المؤتمر الاتحادي.
هذه الأحزاب تعتمد هذه الاستراتيجية لأنها تشكل أساس فلسفتها السياسية، والمتمثلة في إعادة الاعتبار للعمل الحزبي المغربي، وإعادة ثقة المواطنات والمواطنين في الأحزاب السياسية، فالأحزاب السياسية المغربية ليست كلها أحزاب تعيش على الريع السياسي والاقتصادي، والذي يتجلى في دعم الخيارات النيوليبرالية المعتمدة من طرف النظام السياسي القائم منذ الثمانينات كما سبقت الاشارة لذلك، وإنما هناك أحزاب سياسية تنتصر لقضايا الشعب، وترافع من أجلها، وتضحي بأرواح ودماء وحرية مناضليها في سبيل تحقيق هذه المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والايكولوجية.
 استراتيجية تغطية أكبر عدد من المقاعد الانتخابية.
الرهان الأساسي التي تقوم عليه هذه الاستراتيجية، هو محاولة تغطية أكبر قدر من الدوائر الانتخابية من طرف الأحزاب السياسية، أي أنها تعبئ كل وسائلها من أجل أن تجد شخصا تعطيه التزكية لتمثيلها في الاستحقاقات الانتخابية بهذه الدوائر. وفي الغالب، يكون مواطنا من العامة، لكنه يحظى بنوع من التقدير من طرف الساكنة، قد يكون هذا الشخص أستاذا، أو من ذوي المهن الحرة، أو شابا معطلا، أو طالبا جامعيا. وبصريح العبارة، لا يهم من يكون هذا الشخص، وإنما الأهم أن يقبل بتمثيل هذا الحزب في هذه الاستحقاقات الانتخابية داخل هذه الدائرة أو تلك.
كل الأحزاب المغربية تعتمد هذه الاستراتيجية بما فيها ما كان يسمى بأحزاب مكونات فدرالية اليسار الديمقراطي، لكن إن كانت جميع الأحزاب في هذه الاستراتيجية تعتمد نفس السلوك الانتخابي، فان الفرق يكمن في الدرجة، أي أن أحزاب ما كان يسمى بفدرالية اليسار الديمقراطي، ترفض أن تزكي أي كان ليمثلها، وإنما تضع لذلك شروطا معينة، أهمها، أن يكون هذا الشخص المرشح متعاطفا معها، أو يُشهد له من طرف الساكنة بحسن الخُلق و"المعقول" وذو شهادة تعليمية لا تقل عن البكالوريا. بخلاف الأحزاب الادارية والأحزاب الممخزنة، كل ما يهمها أن تجد شخصا يقبل بتمثيلها في هذه الدائرة الانتخابية، لا يهم من يكون، حتى لو كان من قطاع الطريق، أو ذوي سوابق عدلية، أو عنصر من عناصر "المافيا"، أو تاجر مخدرات، أو متهم في قضايا الفساد، أو أحد المتطرفين، والأمر لا يقتصر هنا على التطرف الديني بل يشمل حتى التطرف الاجتماعي.
3. على مستوى الخطاب
يفترض في الحملات الانتخابية أن يُعرف كل حزب ببرنامجه الانتخابي، سواء عبر وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية كمواقع التواصل الاجتماعي أو عبر اللقاء المباشر مع المواطنات والمواطنين، سواء على شكل مهرجان خطابي أو لقاءات فردية داخل الأسر أو المقاهي أو المطاعم والأسواق الشعبية.
في الغالب قادة الأحزاب ومناضلوه هم من يقومون بهذه العملية التواصلية المتمثلة في شرح تفاصيل البرنامج الانتخابي، ومحاولة اقناع المواطنات والمواطنين بالتصويت عليه. وفي الغالب هذه البرامج الانتخابية لا تستجيب أبدا لمطالب الساكنة، وغير قادرة على معالجة مشاكلها لسببين:
أولا: أغلب إن لم أقل كل البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية تكون إما من إنجاز مكاتب الدراسات أو من تخمينات المناضلين، بمعنى أنها تفتقد للمعطيات الميدانية للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون.
ثانيا: الحكومات التآلفية أو الائتلافية في المغرب لا تطبق برامجها الانتخابية، وإنما فقط تنفذ برنامج الدولة المعد مسبقا أي قبل الانتخابات ذاتها.
رغم أن الكل يعلم بهذه الحقائق، إلا أن الأحزاب الادارية والممخزنة لازالت تصر في الحملات الانتخابية على بيع الوهم للمغاربة، وبأنهم إذا صوتوا عليها، فإنها ستعمل على تحسين شروط عيشهم، وذلك بجلب الاستثمار الاجنبي وخلق فرص الشغل للشباب وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها من الجمل الانشائية الخفيفة على اللسان والثقيلة جدا في ميزان الدولة في الميدان. أما الأحزاب المناضلة والتي تعني في هذه المساهمة مكونات ما كان يدعى قبل الانتخابات بفدرالية اليسار الديمقراطي، هذه الأحزاب تنشد التغيير في برنامجها الانتخابي، لكنها تعرف تكلفته الباهظة، لذلك لا تواعد المواطنين بتحقيقه، وإنما تواعدهم بإيصال صوتهم إلى داخل مؤسسات الدولة المنتخبة، سواء بالجماعات المحلية أو بالبلديات أو بالمجالس الاقليمية والجهوية أو بالبرلمان. ومن هنا واقعية ومصداقية الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية لأحزاب ما كان يسمى بفدرالية اليسار الديمقراطي.
4. على مستوى الممارسة.
من المفترض أن قادة الأحزاب ومناضليهم من القواعد، والمتعاطفين معهم، وعائلة وأصدقاء وأقارب المرشح هم من يقومون بالحملة الانتخابية في الميدان، وذلك عبر توزيع الملصقات والمناشير الخاصة بالحزب، أو بتوزيع الملصق الذي يحمل صورة المرشح ورمز الحزب الذي ينتمي اليه على المواطنات والمواطنين في الفضاءات العمومية أو في منازلهم. وهذا بالفعل ما قامت به أحزاب مكونات ما كان يسمى قبل الانتخابات بفدرالية اليسار الديمقراطي، بالإضافة الى ذلك، أنها اكترت اللوحات الاشهارية الموجودة في الشوارع الرئيسية في المدن لعرض رمزها الانتخابي، سواء ظرف الرسالة المفتوحة أو رمز الشمعة، فضلا على ذلك تطوع مناضلوها والمتعاطفين معها بتنظيف الشوارع العمومية وبعض الأزقة من المناشير والملصقات للأحزاب الادارية والممخزنة. هذه الأخيرة، التي اعتمدت في حملتها الانتخابية على "توظيف" مجموعة من النساء والشباب بأجر يومي لتوزيع المناشير والملصقات الخاصة بحملتها، وذلك إما باعطائها للمواطنين مباشرة أو رميها في الشارع العمومي، الى درجة لا تجد في الشوارع العمومية الا ملصقاتها، وخاصة في اليوم الأخير من الحملة الانتخابية، كما جندت فئة أخرى من الشباب لتعليق لافتاتها الانتخابية على جدران المؤسسات العمومية في كل الشوارع والأزقة، فضلا أنها قامت بخرق سافر للاجراءات الصحية، والتي تكمن في جمع المواطنات والمواطنين داخل فضاءات معينة قصد مطالبتهم بالتصويت عليها، دون الحرص على سلامتهم من خطورة فيروس كورونا والسلالات المتحورة عنه، مما دفع بعض رجال الداخلية للتدخل لتوقيف هذا الفعل الذي يهدد سلامة المواطنين.
خاتمة
نُدّكر في الأخير، أن أحزاب ما كان يسمى قبل الانتخابات بفدرالية اليسار الديمقراطي، اعتمدت استراتيجية ترشيح المناضلين، كونها تشكل أساس فلسفتها السياسية المتمثلة في إعادة الاعتبار للعمل الحزبي، وإعادة الثقة للمواطنات والمواطنين في الأحزاب السياسية، على اعتبار أن بعضها ينتصر لقضايا الشعب، ويرافع من أجلها، ويضحي بأرواح ودماء وحرية مناضليها في سبيل تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والايكولوجية، كما رفضت هذه الأحزاب تزكية العديد من الأشخاص الذين لا تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة، ملتزمة بإيصال صوت المواطنين إلى داخل مؤسسات الدولة المنتخبة.