الأقلية الأكثرية


جعفر المظفر
2021 / 11 / 20 - 17:56     

يوم أمس إستمعت إلى المحاضرة التي ألقاها الأخ الدكتور غازي فيصل السكوتي على منصة المجلس الثقافي العراقي والتي قدمها بإيجاز دقيق ورائع وكان موضوعها الديمقراطية في الوطن العربي.
الدكتور غازي هو معرفة قديمة فقبل أكثر من نصف قرن كنا عملنا سوية في مجال الثقافة والإعلام, سياسيا وإتحاديا, وفي مواقع متقدمة, وكنا نتحرك بهدى من أيديولوجية واحدة .
خلال النصف قرن الماضي كانت هناك الكثير من الأحداث الخطيرة التي كان لها أن تغير من طبيعة الأفكار ومن ترتيب الصفوف. مثلٌ مختصر على طبيعة هذه المتغيرات أن البعض الذين كانوا يعملون في منظمة عقائدية واحدة أصبحوا بفعل المؤثر الطائفي يعملون ضد بعض فبعد أن كانوا أخوة ورفاق صاروا خصوما وأعداء .. لا تنطبق هذه التراجيديا على البعثيين والقوميين فقط وإنما على الشيوعيين أيضا: كان هناك مثلا البعثي السني والشيوعي الشيعي أو بالعكس, وأنا كنت من الرافضين بشدة لهذه التعسكرات المأسوية المضحكة المبكية عاقدا العزم على مراجعة تجربتي السابقة بكل شجاعة وصرامة وصراحة فرحت أكتب وأكتب وأكتب رافضا أن أخضع لتأثيرات من عادوا عن وطنيتهم إلى طائفيتهم ومقررا أن أواصل نقد التجربة مؤمنا بأننا (لم ننجح ولكننا لم نفشل) وإن بإمكان الأجيال التي اتت من بعدنا أن لا تيأس بتأثير من (عدم نجاحنا) وأن تبحث عن سبل نجاحها ذاتيا, أما أعظم ما يمكن أن نفعله نحن الجيل الذي شاخ فهو أن نتحدث في الهواء الطلق عن تجاربنا السابقة راجين الإستفادة منها وغير ميالين لمزاحمة جيل على ساحته.
الدكتور غازي فيصل سفير العراق الأسبق في فرنسا والفليبين والمدير الحالي لمركز الدراسات الإستراتيجية المختصة بقضايا الديمقراطية والتقدم في المحيط العربي هو أحد أبرز المفكرين في الهواء الطلق.
بصراحة من يستمع إليه يعلم أن المفكر في وطننا بات بحاجة إلى أن يلبس خوذة وسترة واقية تقيه شر الرصاص المتطاير من أولئك الذين يعيبون عليه مراجعته لذاته ولأفكاره من أصدقاء وأخوة الأمس قبل الخصوم.
وسأقول أنني كنت يوم أمس قد تأكدت بشكل حاسم إنني لست وحدي.
مع رجل مثل غازي فيصل ومع أصدقاء مثلكم نحن : الأقلية الأكثرية.