نشر الفكر الثوري التقدمي الماركسي بين الجماهير الواسعة مهمتنا الأساسية


خليل اندراوس
2021 / 11 / 20 - 10:38     

من يحمل الفكر الماركسي يمتلك روح وقدرات الإصرار على استكمال مشروع الأمل له ولغيره ولشعبه وللإنسانية جمعاء، بصلابة وشجاعة وعزيمة على المضي نحو النور، نور الحقيقة، من خلال رؤيته وفهمه للحاضر ولمجتمع المستقبل مملكة الحرية على الأرض، ومكملا معرفته الفلسفية الجدلية بالممارسة والالتزام والكتابة التي تنتصر له، رغم كل الظروف الصعبة التي يمرّ بها في مجتمع يعاني الكثير من السلبيات والإخفاقات والتلون والنفاق والخيانات.

ومن يمتلك هذه الرؤية إنما يبشر بعالم جديد، عالم العدالة الاجتماعية، عالم لا يتضاد فيه "وعي الأنا" مع "الوعي بالآخر" وهؤلاء هم أنقياء الفكر، والمناضلون ضد كل اضطهاد قومي أو طبقي وصانعو السلام، ولديهم المناعة والقوة والشموخ ضد كل كلمة سوء وتحريض. فهم أصحاب رسالة تقدمية إنسانية، فكما لا يمكن أن "تخفى مدينة واقعة على قمة جبل"، كذلك لا يمكن إلغاء دور من يحمل هذا الفكر الإنساني الأممي التقدمي، من خلال أي شعارات ذاتية كانت أو دينية أو قومجية.


لا شكّ بأنّ الإنسانية تمر في مرحلة حاسمة صعبة حيث تهيمن الرأسمالية المتوحشة الأنانية العدوانية، لذلك مهم جدًا رفض هذا الواقع والنضال من أجل تغييره، والمبادرة إلى وضع مهام جديدة مرحلية واستراتيجية تطرح البديل الإنساني لكل شعوب الأرض. وفقط النظرة الماركسية الكلية الشاملة هي الكفيلة بالكشف عن حقيقة الواقع الذي نعيشه، وتكشف الأساليب والممارسات وطرق العمل الثوري من أجل تغييره، فالإمبريالية العالمية خلقت مفاهيم وثقافة غربية تقوم على أساس من الشعور بالتفوق الشوفيني العنصري واستبعاد ونفي الآخر. وهنا لا بدّ أن نؤكّد وجود خط رابط بين أسطورة "الشعب المختار" والايديولوجية الصهيونية العنصرية وبين سياسات الامبريالية العالمية وممارساتها العدوانية عالميًا وخاصة في الشرق الأوسط. فكل مشروع يقوم على هيمنة وسيادة شعب على شعوب أخرى هو مشروع عنصري شوفيني، وهذا يعني ان الإنسانية لم تتخلص بعد من المشروع الفاشي النازي للإمبريالية العالمية في مرحلة أزماتها، بل بالعكس نجد الولايات المتحدة تستكمل هذا المشروع بوسائل أخرى، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعمها المطلق للفكر الصهيوني الرجعي العنصري ودعمها لسياسات إسرائيل وحروبها العدوانية وتنكرها لحقوق الشعب العربي الفلسطيني واستمرار الاحتلال والاستيطان، يكفي أن نذكر بأن الولايات المتحدة فتحت مخازن أسلحتها في إسرائيل أمام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي ارتكبت جرائم حرب خلال عدوانها المستمر على غزة وقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ من سكان غزة بحجة الدفاع عن أمن إسرائيل. في حين تقوم إسرائيل بفرض حصار غير إنساني لا بل جريمة إنسانية ضد قطاع غزة، هذا الحصار المناقض والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية ولكل المفاهيم والمبادئ الإنسانية بالإضافة إلى استمرار بناء الجدار العازل في الضفة، وتحديد حرية تنقل الإنسان الفلسطيني، واستمرار سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت في الضفة وفي القدس المحتلة.
المرض الأساسي والمزمن لكل قضايا الشرق الأوسط هو استمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي والتنكر للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني. ومن يريد أمنًا أو مستقبلاً لإسرائيل عليه أن يضع يده على الجرح ويقضي على هذا المرض ألا وهو سياسات العدوان والاحتلال الإسرائيلي، والعمل على الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة بحدود الـ 67، وعاصمتها القدس.

برأيي، الإنسانية تستطيع تجاوز المرحلة الكارثية الامبريالية الحالية، لذلك على كل ثوري أن يرفض الشعور بالإحباط، بل عليه أن يعمل بمثابرة وإصرار فكما قال ماركس: "هناك لدى البشرية شيء في الحلم لو وعته لامتلكته".
فنحن نعيش اليوم عصر زيف العبارات والشعارات والدراسات التي ترفعها طبقة رأس المال المسيطرة في المجتمع الرأسمالي، مثال على ذلك شعار "التنمية الاقتصادية" و"الديمقراطية" ففي المفهوم الغربي الامبريالي، لم تعد تعني سوى وحشية حرية السوق، وأرباح عشر شركات كبيرة لصناعة السلاح، التي تتاجر بدم الشعوب، وبعض الشركات وأصحاب رؤوس المال الذين يشترون الانتخابات في الولايات المتحدة حيث يشترك في تلك الانتخابات أقل من 50% من سكانها وهذه الانتخابات والتي تدعى ديمقراطية تسمح للوبي الصهيوني، مثل منظمة "ايباك" وغيرها من المنظمات الصهيونية المسيحية ومنظمات اليمين الأمريكي أن تحتل الكونغرس الأمريكي لدرجة دفعت البعض أن يقول بأن أمريكا دولة مختطَفة من قبل اليمين الإسرائيلي. حيث أصبح رأس المال المنظم الوحيد للعلاقات الاجتماعية داخل كل دولة وعلى مستوى عالمي.


المشكلة المركزية في عالمنا المعاصر التناقض الجدلي في كون عالمنا متلاحمًا ومترابطًا حيث أصبحت الكرة الأرضية قرية صغيرة، وفي نفس الوقت عالمًا ممزقًا يعاني من الصراعات والحروب والفقر والبؤس والجوع. عالمنا متلاحم مثلاً لأنّ أي انهيار للبورصة في لندن أو طوكيو أو نيويورك يؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وإلى أزمة بطالة وأزمات اقتصادية في كل أنحاء العالم. وممزق لأنه من الناحية الاقتصادية وبموجب تقارير مؤسسات وهيئات دولية 80% من مصادر العالم يسيطر عليها، ويستهلكها 20% من سكان العالم. فالنمو الاقتصادي للعالم الامبريالي الغربي يكلف العالم بسبب الأمراض وسوء التغذية والمجاعة والبطالة والفقر ما يعادل ضحايا هيروشيما كل يومين.

عالمنا الامبريالي المعاصر يعاني من مشكلات رئيسية مثل المجاعة والبطالة والهجرة، والحروب المحلية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من الاستراتيجية العدوانية للإمبريالية العالمية والصهيونية العنصرية الشوفينية، وأنظمة الاستبداد العربي وعلى رأسها السعودية التي أقامت التحالف العدواني التآمري ضد شعب اليمن، وهذا ما تفعله ضد سوريا الشعب والوطن.
هذا النظام، أي النظام السعودي الذي مارس على مدى قرن كامل التآمر والخيانة تجاه فلسطين الشعب والوطن حيث قال أول ملك لآل سعود "بأنه لا مانع لدي من إعطاء فلسطين لليهود المساكين". أما على المستوى العالمي فثلثا الإنسانية تعاني من الفقر والجوع والبؤس والأمراض وسوء التغذية، ويطرح السؤال هل يمكن القبول بهذا الواقع كقدر محتوم، وقبول هذا الواقع المأساوي والمرير والذي يولد التهميش والعنف والاصوليات بكل أشكالها، دون أن نضع الهيمنة الامبريالية العالمية موضع المساءلة والمحاسبة والكفاح الفكري والسياسي والجماهيري على مستوى الدول وعلى مستوى عالمي ضد هذه الهيمنة عالميًا، وفي المنطقة ضد الهيمنة الامبريالية الصهيونية العربية الرجعية على الشعوب العربية وكل منطقة الشرق الأوسط.

التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة وما ذكر سابقًا، وما يجري من تطورات عالمية وفي منطقة الشرق الأوسط تؤكد بأنّ الامبريالية العالمية والصهيونية العنصرية الرجعية وأنظمة الاستبداد العربي تعمل بشكل مدروس من أجل مصالح رأس المال المالي والعسكري وشركات النفط والغاز العابرة للقارات وضد مصالح شعوب المنطقة، ومن أجل نظام عالمي أمريكي جديد، يرتكز على سياسات القوة والتدخل والهيمنة الاقتصادية من خلال مفاهيم السوق الحرة المتوحشة، هذا النظام العالمي الجديد تقوده الولايات المتحدة والأنظمة المارقة في إسرائيل والدول العربية الرجعية. ومن هذا المنطلق ترفع إسرائيل شعار التنسيق الأمني في المنطقة، وتجتمع وتقيم علاقات دبلوماسية، وتفتح سفارات لها مع العديد من دول الخيانة في الخليج، لتعميق التواصل والتنسيق التخريبي ضد الشعوب العربية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وخاصة ضد شعوب سوريا وإيران والتنظيم المقاوم للهيمنة الأمريكية في المنطقة حزب الله في لبنان.
ولكن هناك جملة من الأسباب تجعل زحف القوى المناهضة للإمبريالية ولأيديولوجيات السوق الحرة المتوحشة، والصهيونية الرجعية العنصرية، والرجعية العربية من المستحيل قهرها.

لذلك مهم جدًا نشر الفكر الثوري التقدمي الإنساني الماركسي على الجماهير الشعبية الواسعة لكي تستولي على إدراك مئات الملايين من الناس حقًا وفعلاً، لكي تمثل بالتالي حسب قول ماركس، قوة مادية جبارة. ليس في العالم قوة تستطيع أن تقطع الطريق أمام حركة الشعوب من أجل تحررها السياسي والاقتصادي.

وسيأتي الزمن الذي تستولي فيه الأفكار الماركسية على إدراك الأغلبية من سكان الأرض وخاصة في هذه المرحلة حيث تعاني الرأسمالية العالمية وايديولوجيات السوق الحرة من أزمات متكررة، وحيث يزيد غنى الأغنياء ويزيد فقر الفقراء من شعوب ودول.