مفيش فايدة - لماذا نحن سنظل متخلفين


سامى لبيب
2021 / 11 / 18 - 19:02     

- لماذا نحن متخلفون (85) .

تَفتني الكتابات التي تخوض في فهم الوجود والحياة والإنسان , ففيها محاولات لسبر أغوار الغموض الذي يلف المشهد الوجودي ونحو فهم حقيقي لماهية الحياة والوجود ولتبديد ما علق بها من أوهام وخرافات ومفاهيم مغلوطة , وعندما أنصرف عن هذه الكتابات أجد نفسي معتنياً بالبحث عن أسباب تخلفنا وجمودنا وتردينا في محاولة للتنقيب عن جذور التخلف وكيف لنا الخروج من مستنقعها .
هذا المقال جاء في البدء باحثاً متعاطياً مع ظواهر تخلفنا وتردينا والتنقيب فى أسباب تخلفنا , لتنتابني حالة تشاؤمية لأجد أنه لا طائل من البحث في أسباب التخلف , فجذور التخلف مُتجذرة تكاد أن تكون حالة جينية لا سبيل من الفكاك منها .. أرجو أن أكون مخطئاً في نظرتي ورؤيتي التشاؤمية وأن أتراجع وأتخلص منها قريباً وفالحياة تصير مستحيلة مع اليأس وإنعدام الأمل ,

- أولاد جينات القهر .. هل من سبيل للخروج من شرنقة التخلف لشعوب عاشت وتعايشت مع القهر والإستبداد حتي أدمنته ,فلتنظر مثلا إلى أن المسلمين بمعتدليهم ومتطرفيهم وإرهابيهم هم أحفاد أجداد تم قهرهم على الإسلام ليصير الأحفاد أكثر إنتماءاً وتعصباً للإسلام !

- أنظر إلي أنفسنا عندما تحمسنا نتيجة القهر لبعثية صدام والأسد وإشتراكية عبد الناصر وجماهيرية القذافي .. أنظر للشيوعيين العرب وإنجذابهم لشمولية وقهر الدولة السوفيتية..نحن كالفراش ننجذب ونحتفي بكل ما هو مستبد وقاهر .

- كيف حارب صدام إيران لمدة ست سنوات بكل مكونات الشعب العراقي ؟ وكيف صار حال العراق الآن بوجود بعض القوي والمليشيات العراقية التي تنتمي وتعمل لصالح إيران ؟ ..هل القهر مُجدي ؟! وهل صار المذهب إنتماء وهوية أم ماذا ؟
وكيف تفسر أن حضور داعش فى العراق وجد ظهير لوجستي من سنة العراق نكاية ومواجهة لشيعة العراق .

- ليس حكامنا من ينهجون سياسة قمعية تجاه الآخر بل نحن شعوب قبلية طائفية إثنية لا تري أي حق للآخر في العيش والحرية والكرامة فله أن يعيش تحت كنف قبيلتنا وطائفتنا وما تمنحه من هبات أو فليضطهد وعليه الرحيل .

- لماذا لا يتباكي الروس أبناء الإتحاد السوفيتي السابق على زوال التجربة الشيوعية بينما يُمجدها شيوعييّ العرب ؟! ولماذا لا يحتفي الروس بالثورة البلشفية الآن بينما يحتفي بها ويعظمها الشيوعيين العرب ؟! هل هذا يأتي من تشبع الشيوعيين العرب بثقافتهم الشمولية البائدة التي تميل إلي إرث الماضي المُحتفي بكل القهر والقوة .

- هل جوهر التخلف يكمن في إعتماد الماضي بشخوصه وأفكار ورؤي أصحابه دوماً , فنجد مثلا أن كل التفسيرات والفقه والمذاهب والإجتهادات للقدماء فلا يقدم ولا يجرؤ المعاصرون على تقديم فكر وتفسير جديد ليكتفوا بالنقل .. أضف إلي ذلك بأن الأمور لم تكتفي بنقل فكر القدماء بل بمنهجية حياتهم وثقافتهم القائمة على القهر والإستبداد ومسخ الآخر .

- النقل قبل العقل منهج فكري سلفي وجد حضوره فى الشيوعيين العرب لينقلوا التجربة البلشفية السوفيتية بكل شموليتها ونهجها فلم يستطع الماركسيون العرب من خلق تجربة ماركسية عربية .

- جوهر التخلف يكمن في النقل دوماً ودائماً دون أي مراجعة أو تطوير لتجد منهجية النقل حضورها في منظومة التعليم من خلال النقل والتلقين والحفظ والصم والتفريغ , فلا تكتفي الأمور بالتعليم الديني لتجد حضورها فى العلوم الطبيعية التجريبية ليمارس الطلاب الحفظ والنقل والتلقين بدلا من البحث والتجريب لذا لن تجد مُبدع ومُخترع عربي بل ستنال فى أحسن الأحوال على ميكانيكي سيارات !

- هل المشروع الذي يُقدم عليه ولي عهد السعودية من إشاعة الفن والترفيه في المملكة سيجدي فى التخلص من السلفية الوهابية ومناخ التطرف والتزمت والإنغلاق ؟ .. أتصور أنه لن يجدي فإمكانية فشله واردة بقوة ليس من منطلق ثقافة التجهم فقط ولكن الشعوب التي ستعرف الفن والحياة لن تكون مضمونة .

- سبب بقاء وإستيطان التخلف أنه لم يطرأ على الثقافة ومنهجية التفكير أى تغيير وتطور عندما تظل علاقات الإنتاج على ماهي عليه , فإقتصاد الرعي مثلا قائم فى منطقتنا منذ 1400 سنه ليتبدل فيه المنظر فقط فبدلا من رعي الأغنام صار رعيَ آبار النفط .. إبحث دوماً عن علاقات الإنتاج .

- التنوريون العرب الذين يناضلون من أجل تحديث وتطوير الخطاب الديني ومحاولة إيجاد رؤية تلفيقية للنص الديني حتي لا يتصادم مع العصر وقوي التطور هم واهمون , فبالرغم أنهم لا يبغون محو وطمس الدين كلية , فأي محاولة لترقيع الثوب البالي لن تُجدي , وأى محاولة للتحديث هو قضاء على الدين نفسه .

- نحن شعوب يفتنها القهر والإستبداد والشمولية وتميل للإرتداد إلي ماهو قمعي مستبد كنتاج ثقافة قمعية مُتجذرة مخاصمة لكل تطور وحداثة , فكيف تفسر إنحصار علمانية بورقيبة وعبد الناصر وكمال أتاتورك .

- كيف تفسر أن التجارب الديمقراطية الباهتة التى تمت قد أفرزت وأحضرت قوى معادية للحريات والديمقراطية فهذه القوي قى خصومة مع الحداثة والتمدن , فأليس هذا مزاج شعبي يميل لقوي الشمولية والبطش أملاً في الخبز والعسل .

- نحن شعوب مشوهه فكرياً وإنسانياً فتهفوا للعيش عند الآخر ولكن ثقافتنا تحمل الكراهية والإحتقار لهذا الآخر ومحاولة مناهضته وقد تصل الأمور لإرهابه ..فثقافة الكراهية والبراء مُتجذرة في جيناتنا .

- أخيرا مفيش فايدة .. فدعك من الأنظمة العربية فلا يوجد مكون أو كيان أوحزب يؤمن بالحريات والديمقراطية وحق الآخر فى حرية الفكر والتعبير والحقوق والحياة إيماناً أصيلاً فكرياً حقيقياً جينياً .

دمتم بخير
العلمانية هي الحل ولكن كيف تكون حلاً فى مجتمعات طائفية الهوي والهوية .