الجدران الغليظة


حسن مدن
2021 / 11 / 16 - 12:52     

قبل سنوات، والمصادفة وحدها هي التي أخذتني لمشاهدة برنامج على الفضائيّة الألمانيّة الناطقة بالعربيّة، في يوم احتفال الألمان بمرور ربع قرن على سقوط جدار برلين، يتوقف أمام قضية التغلب على الآثار النفسية الناجمة عن عقود من العزلة بين أبناء أمة، وجدوا أنفسهم يعيشون في دولتين، وتنقسم عاصمتهم التاريخية إلى جزءين، يفصل بينهما جدار .

البرنامج يعرج على تجارب مشابهة في بلدان أخرى عانت الانقسام، حتى لو لم تكن هناك جدران تفصل بين أجزائها، فالجدران ليست مادية فقط، من طوب وإسمنت تعلوهما أسلاك شائكة، إنما هي من أفكار ومشاعر وظنون وهواجس ومخاوف، ومن تلك البلدان كانت جنوب إفريقيا بعد تصفية نظام الفصل العنصري .

استهواني البرنامج، لأني كنت في نفس الفترة منغمسًا في قراءة رواية للكاتب الألماني رالف روتمان، عنوانها: "نار لا تشتعل"، ومع أن أحداثها تدور حول كاتب روائي موزع بين حبين، حب قديم ينبعث مجدداً، فيما هو قد ولج علاقة حب جمعته بطالبة دكتوراه، وعلى ما في الحكاية من تشويق، إلا أن أهمية الرواية تكمن في كون أحداثها تجري على خلفية التحولات في ألمانيا بعيد سقوط الجدار، حين تعين على الأمة أن تداوي جروح انقسامها، وتعمل على إعادة بناء جسور الفهم والثقة بين أبنائها الموزعين بين الشرق والغرب .

أي أن الرواية تعالج، من زاويتها الخاصة، ذات الموضوع الذي جرى تناوله في البرنامج، حيث يبدو البطل الذي نشأ في الغرب الألماني متوجساً ومرتاباً إزاء من يلتقيهم من بني جلدته الذين شاء حظهم أن ينشأوا في الجزء الشرقي فترة التقسيم، لدرجة أن يدهشه لطف هؤلاء الذين سبق له أن تجنى عليهم، كنتاج للصورة النمطية التي تكونت في الغرب عنهم خلال عقود .

إنه أمر يهمنا في شرقنا العربي من زاويتين على الأقل، فمن الزاوية الأولى نجد أن كثيراً من الشعوب العربية وجدت نفسها متورطة في جدران من الكراهية والخوف بين أبنائها، نتيجة الانقسامات الحادة، مذهبياً وطائفياً وعشائرياً، وهي معنية باليقظة كيلا تزداد هذه الجدران غلاظة .
من الزاوية الثانية يلفتنا أن الغرب المفتون والمبتهج بسقوط جدار برلين، وهو سقوط لم يكن ثمة مناص منه على كل حال، هو نفسه الغرب الذي يصمت، كيلا نقول يبارك جدار العزل في فلسطين .

الشجاعة ليست في إدانة جدار سقط، وإنما في إدانة جداران ماثلة أمام الأعين .