حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة البوليسية


سعيد العليمى
2021 / 11 / 14 - 20:44     

مزيد من الخبرة : حول المراقبة البوليسية
" إن سرية العمل هى توفير ظروف الحياة للتنظيم" .. لينين
إن اتباع قواعد السرية في مجمل نشاطات الحزب الشيوعي من جانب منظماته الحزبية بأعضاءه وكوادره هي السلاح الثوري الذي يمكن من المحافظة على طليعة الثورة من بطش أجهزة القمع البوليسي ويؤمن استمرارية هذه الطليعة . فقضية الأمن تتعلق بحماية الحزب الشيوعي وهو يخوض نضاله ضد ضربات السلطة ، فالحزب هو فصيلة الطليعة ، أي الكتيبة الصدامية للطبقة العاملة التي تخوض مع الجماهير النضالات الطبقية ضد الدولة الرأسمالية ، بهدف الإطاحة بها ، وتأسيس دكتاتورية البروليتاريا ، وهذه النضالات ليست نزهة رقيقة أو تطريز ثوب، فبعض الرفاق والمنظمات الحزبية يقعون في أيدي العدو الطبقي أثناء هذه النضالات ومهمة الأمن أي اتباع قواعد السرية هي تفادي الضربات التي يوجهها العدو الطبقي أو تقليص آثارها إلى أقصى حد .
والحزب الشيوعي بمقدار ما يتحلى بعقلية علمية منهجية ، ويتسلح بالحذر وباليقظة الثورية ، ويتابع تعميم خبراته وتدريب كوادره وأعضاءه، فإنه يستطيع أن يتفادى الضربات القاتلة الموجهة إلى "قلبه الداخلي" وكوادره السرية من المحترفين الثوريين ، ويقلص إلى أقصى حد من تأثير الضربات الأخرى – التي تقويه – فالحزب الثوري لا يتعلم خارج الممارسة بل عبر نضاله الطويل المتراكم ويدفع ثمنا للخبرة ، من حياة كوادره ، وأعضاءه، أعواما يقضونها محتجزين خلف أسوار السجون والمعتقلات .
وبادئ ذي بدء نود أن نشير إلى أن كل الأجهزة التقنية التي تمتلكها أجهزة القمع ، ليست كائنا خرافيا لا يمكن مجابهته ، فالقضية تكمن فيمن يستخدمون هذه الأجهزة ، ووفقا لأي منهج ولأي خطة . لذلك فإن المناضل الثوري ، وخبراته ، ويقظته ، وابتكاره الخلاق ، وأولا وأخيرا منهجه العلمي المخطط في مواجهة هذه الأجهزة هو العامل الرئيسي والحاسم في عملية الصراع ضد الشرطة ، والمخابرات ومجمل الأجهزة القمعية ، والانتصار في هذا الصراع سواء على الصعيد التكتيكي ، أو الصعيد الاستراتيجي مشروط ببذل الجهد الدؤوب في تجميع الخبرة ، ودراسة أجهزة العدو الطبقي ، وخاصة أكفأ هذه الأجهزة في الفترة الراهنة ، أي المخابرات حتى نتمكن من إدراك مخططاتها ، ومتابعة نشاطاتها المعادية للثورة ، واكتشاف ثغرات ضعفها وتوجيه الضربات المؤثرة لها في سياق سياستنا إزاء مجمل جهاز الدولة .
إن الأوضاع السياسية التي تحيط بالنظام الحاكم ، وانتهاجه أكثر فأكثر سياسة معادية للشعب وللحركة الثورية خاصة طليعتها الشيوعية يقتضي أن نكون يقظين ، وأن نحافظ على أمن التنظيم وسريته ، ازاء اى تحرك بوليسى وتتبع كل نشاط معاد للحركة الثورية . وإذا كان على قضية السرية أن توضع في المكان الأول من قائمة اهتماماتنا ، فليس هذا واجب مستوى قيادي معين ، أو منظمة حزبية بعينها ، بل هذا واجب كل الرفاق في العمل الحزبي حتى نساهم جميعا في تحديد الأسس التي تقوم عليها سرية التنظيم ، وفي استيعاب كافة خبرات النضال ، وتعميقها من أجل الوصول إلى إدراك أرقى يشكل مجابهتنا للأجهزة القمعية . ولا شك أن الأمن الحقيقي لأي عمل حزبي يتوفر بقدر ما تزداد قواعده الجماهيرية فهي التمركز الأول لمجمل نشاطاته ، والدرع الواقي لأي محاولات من جانب السلطة لتصفية التنظيم بأسلوب قمعي بوليسي .
لقد توفرت لنا خلال عملنا الحزبي خبرات ثمينة مدفوعة الثمن . هذه الخبرات التي لا يجب أن تظل حبيسة التكرار الشفوي في المناسبات ، لذلك ستتابع اللجنة المركزية من خلال أجهزتها طرح خبراتها ، ودروسها المستفادة في هذا المجال ، وهي تطالب كافة الرفاق دون استثناء بتقديم خبراتهم الخاصة ونقلها وتعميمها عبر النشرة الداخلية ، أو الكراسات الخاصة ، حتى نتملك جميعا وعيا أمنيا أرقى يحمي نضالنا ، ويمكننا من إنجاز مهماتنا. ن هذه الدراسة التالية مخصصة فقط لتناول المراقبة البوليسية خاصة تلك التي تستخدمها أجهزة المخابرات ، وتدخل ضمن ما يسمى بالمراقبة "الراقية" وهذا النمط من المراقبة لا يستبعد أية أشكال دنيا من المراقبة سبق أن تم طرحها على الزملاء فهى تكملها من الناحية الأساسية ولا تتعارض معها وقبل أن نتناول ذلك القسم الذي يتعلق بالمراقبة البوليسية نرى من الضروري أن يكون مدخلنا إلى ذلك هو قصورنا العام عن الأجهزة القمعية التي تمتلكها السلطة ، وتوجهها ضد القوى الثورية ، وما يميز هذه الأجهزة من فروق خاصة بين طبيعة جهازي المخابرات – وهو القوة الأكفأ – والمباحث العامة .
الأجهزة البوليسية
مثل كل أجهزة الدولة تعد أجهزة القمع بمثابة أدوات في يد السلطة الطبقية السائدة فهي تمثل مصالح الحلف الحاكم ، وفي لحظات خاصة واستثنائية مشروطة يمكن لتلك الأجهزة ، أو أبرز رؤوسها أن تتناقض بشكل ثانوي، أو مؤقت مع هذا الجناح أو ذاك من السلطة الطبقية وبصفة عامة تنعكس في تلك الأجهزة التناقضات داخل صفوف الطبقة الحاكمة ، فهذه الأجهزة ليست معلقة خارج أوضاع الصراع الطبقي ، كما أنها على وجه الخصوص ، ليست خارج أوضاع الطبقة البرجوازية . وقدرات تلك الأجهزة وشروط عملها تتحدد في مجرى ذلك الصراع الذي تشنه وتخوضه القوى الثورية وحزبها الطليعي في إطار الشروط التكتيكية المحددة بهذه القدرات ذات الطابع القمعي . إلا أن الممارسة التي تقوم بها هذه الأجهزة وباعتبارها أدوات قمع للحركة الثورية تتراكم لديها خبرات متعاظمة مستمرة من عملية المجابهة مع قوى الثورة ذاتها ، وتتزايد هذه الخبرة بمقدار تنامي نفوذ وتأثير الحزب الشيوعي ، وقد كانت سمات بعض هذه الأجهزة في الأعوام الماضية عليها طابع التخلف الشديد بما يتضمن ذلك من قلة الكفاءة لأن النقيض المقابل وهو الحركة الثورية وحزبها الطليعي لم يجد الأرض والشروط المهيأة لوجوده فلم تكن مهمة ملاحقة هذا الحزب مطروحة على جدول أجهزة القمع بما يفترض في هذه الملاحقة من خصوصية ، والتي تختلف من جوانب أساسية مع مجرد تصفية الحياة السياسية ، ومطاردة الحلقات والمجموعات الماركسية، ولهذا نلاحظ بالتحديد أن هذه الأجهزة لا تتناسب إمكانياتها المادية الضخمة مع حجم فاعليتها وتأثيرها الحقيقين ، وعلى سبيل المثال فإن معظم "القضايا" التي استطاعت هذه الأجهزة ضبطها لم تستند فيها إلى مراقبتها ، ومتابعتها بأدواتها التكتيكية بقدر ما كان في غالب الأحيان تهاوى بعض عناصر هذه القضايا وانحرافهم في اتجاه التبليغ عن النشاط الثوري لهذه الجماعة الثورية أو تلك وحتى بالنسبة لفصائل الحركة الشيوعية السابقة ، فإن معظم قضاياها جاءت عن هذا الطريق وقد كان ذلك ممكنا بسبب ضعف هذه التنظيمات وطابعها البرجوازي الصغير ، وتناقضاتها الداخلية ، ثم قبل كل شيء خطها السياسي الذيلي الذي يتضمن تأييد السلطة ، والتحالف معها وتأكيد جانب وطنيتها في معاداة الاستعمار، وانعكاس كافة هذه المفاهيم على البنية التنظيمية ، خاصة ما يتعلق بقضية سرية الحزب .
لقد استمدت الأجهزة قدرتها القمعية بالدرجة الأولى بسبب قدرة الطبقة الحاكمة في فترة تاريخية سابقة على مصادرة المجتمع ككل لصالح حكم بونابرتي ذو سطوة سياسية بالدرجة الأولى . واستند نجاحها بجوار كافة الظروف الموضوعية نجاح السلطة التاريخي في لف الجماهير الشعبية حولها ، ولم تكن هذه الأجهزة في حاجة حقيقية لتملك القدرات التكنيكية لمزاولة مهام القمع الطبقي فقد اختفى هذا الجانب التكتيكي في أغلب الأحوال برقابة الجواسيس والنشاط الخارجي .
إن أجهزة القمع لا يمكن أن تنمو بمعزل عن نمو نقيضها وهو الحركة الثورية . ففي اللحظة الراهنة حيث تتصاعد الحركة التلقائية للطبقة العاملة ، والطبقات الشعبية حيث تظهر في هذه المدينة أو تلك حلقات ثورية أو مجموعات أو تنظيمات تنمو الأجهزة البوليسية ، وتزيد من كفاءاتها حماية للنظام الطبقي القائم أما عن إمكانيات هذه الأجهزة من الناحية المادية : أدواتها التكنيكية، انفاقها، شبكات عملائها فهي حقا ذات طابع سرطاني استثنائي ، وهي تستفيد بخبرات أجهزة القمع في العالم الرأسمالي في مواجهة الحركة الثورية ، وتستورد آلاتها وتوفد مبعوثيها في دورات تدريبية إلى هناك .
ولابد لأي تناول لتركيب الأجهزة البوليسية أن يوضح التمايز بين تلك الأجهزة في حجمه الحقيقي ، فبدرجة أو بأخرى هناك قنوات مشتركة للمعلومات بين الأجهزة المختلفة فالتمايز الإداري لا يلغي تداخلها في الواقع ، لكن هذا التداخل يقع ضمن شروط عدم التنسيق بينها ، بل بالأحرى التنافس وعلى أية حال فهناك تمايز بين أجهزة - أو فروع أجهزة – المعلومات ، والأجهزة التنفيذية وكذلك التمايز بين أجهزة المخابرات ، وأجهزة المباحث كأجهزة لجمع المعلومات .
إن التقسيم الإداري بين أجهزة القمع خاصة جهازي المخابرات والمباحث لا يجب أن يبعدنا عن جوهر الأمر فيما يتعلق بنضالنا ، أي أنها أجهزة ذات طبيعة واحدة ، وليس علينا أن نميز في النضال اليومي بين هذا الجهاز ، أو ذاك فعادة لا يكون هناك الوقت ، ولا الإمكانية للمعرفة المحددة حول أي جهاز ينتمي اليه هذا المخبر أو ذاك ، خاصة أن تملك أحد الأجهزة لأشكال راقية في التدخل والرقابة لا ينفي استخدام نفس الجهاز للأشكال الدنيا .
ويبدو جهاز المباحث إذا ما قورن بجهاز المخابرات أكثر تماسا بالجماهير وحياتها اليومية وأقل قدرة من الناحية التكنيكية ، وأكثر عددا ، وهناك جهاز كامل على مستوى البلاد وله أفراده الذين يتبعون رئاسته بشكل مباشر ونفرق هنا بين جهاز المباحث العامة، وبين مباحث أمن الدولة – التي هي قسم من هذا الجهاز – حيث يتركز عمل الأخيرة أساسا في مجال الأمن السياسي بهدف تأمين الوضع السياسي والجبهة الداخلية .
أما عن دور جهاز المخابرات فمن غير الصحيح أن نشاطها يقتصر على التعامل مع "الأعداء" باسم الحفاظ على أمن البلاد ! فأمن البلاد لا يعني لدى البرجوازية وأجهزتها سوى استمرار وتأمين نظامها السياسي القائم المعبر عن مصالحها . وبهذا الصدد يبرز على الدوام "لحفاظ على الأمن الداخلي للبلاد" وتقوية الجبهة الداخلية وسلامتها ". وتلعب المخابرات العامة الدور الرئيسى في الحفاظ على هذا الأمن ويبدو هذا واضحا من خلال عديد من القضايا كانت هي من قام بضبطها وتقديمها للنيابة والمحكمة – وسلاحها الاساسى جمع المعلومات عما يحدث داخل البلاد أو خارجها .
ومع نمو الحركة الثورية في الداخل يصبح الدور الرئيسى لأجهزة المخابرات هو ملاحقة ومتابعة كشف التنظيمات الثورية خاصة بعد تأسيس فرع الأمن القومي وهو أحد فروع المخابرات العامة الذي يهتم بالنشاط الثوري في الداخل . ومن المهم أن نشير إلى أن دور أجهزة المخابرات – خاصة الأمن القومي – لا يقتصر من زاوية دورها في عمليات القمع الداخلي على مبادرتها الخاصة ، بل هي في الأساس تكلف من قبل الرئاسة بلعب هذا الدور أو ذاك فالسلطة تستدعي أعتى أجهزتها وأقدرها في قتالها ضد نهوض الجماهير الشعبية وطلائعها الثورية .
إن أحد السمات الجوهرية لنشاط المخابرات هو أنها تعتمد في الأساس على ما يسمى "بالعمليات" بمعنى عملية جمع معلومات فهي تشكل "مجموعة عمل" للقيام بعملية محددة ، بدءا من الرقابة وجمع المعلومات ، والمتابعة ، والاختراق وهي تعتمد بشكل ثانوي على المعلومات التي تحصل عليها من وجودها في مركز يسمح لها بالتجسس على الأماكن المختلفة ، وعادة ما تبدأ المعلومات لدى المخابرات من هذا الشكل الثانوي وينتقل الجهاز لاستخدام الشكل الرئيسى بعد ذلك . أما جهاز المباحث فيعتمد على عيونه الكثيرة قليلة الكفاءة والتي لها صفة الثبات مثل مباحثي الحي حيث تطلب منه مراقبة بيت ما أو رفيق بعينه وتعتمد على الزمن ليراكم معلوماتها بالقدر الكافي – ومن هنا تنتقل المعلومات لبعض الثوريين أحيانا ، وهذا في حد ذاته لا يستبعد أن يقوم جهاز المباحث بعملية محددة – ويماثل المخابرات في هذا الشأن – مثل العمليات التي تقوم بها مباحث أمن الدولة لكشف أسرار تنظيم معين . لكن هذه العمليات تكون أضعف بما لا يقارن بعمليات المخابرات لعدة أسباب أولها وأبرزها أن الأفراد الذين يقومون بالعملية في المباحث ليسوا على نفس الدرجة من الكفاءة ، ففي المخابرات ضباط متخصصون ، ولهم خبرات سابقة في متابعة الجواسيس – وضباط مباحث أمن الدولة يختارون من بين أكفأ ضباط مكاتب مكافحة المخدرات والآداب – وطبيعة عملياتهم من النوع الطويل الأمد الذي يواجه خطر المتابعين وهم يعملون في ظروف أكثر مواتاه وثانيا أن جهاز المخابرات في العادة لا يكون في عجلة من أمره لذا فلديه فرص كافية لجمع المعلومات وتبويبها وفهرستها دون أن يكتشف القائمون بالعملية ، وهذا يختلف عن وضع المباحث التي تطالبها السلطة باستمرار القبض على "مثيري الشغب" أو "قادة الأحزاب" أو أعضاء "التنظيم المعين" وثالثا أن جهاز المخابرات – الأمن القومي أساسا – يقوم بعمليات قليلة لكنها رئيسية من وجهة نظر النظام فينفق على العملية مبالغ طائلة كجزء من المصاريف الباهظة لهذه الأجهزة عموما والتي تكون غالبا مصاريف سرية .
اشكال الرقابة البوليسية
ترتبط عمليات الرقابة على العمل الثوري برقابة الرفاق ، والرقابة في التحليل الأخير هي وضع الرفيق أو مجموعة الرفاق تحت المنظار البوليسي ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) . وهذا ما نستهدف بقدر الإمكان أن نتجنبه لأطول فترة ممكنة خاصة في غير العمل الجماهيري ،وعندما يضع البوليس تحت رقابته أحد الرفاق (الجماهيريون ، وبعض الرفاق ذوو النشاط نصف العلني ، والرفاق السريون الذين تمسهم الرقابة البوليسية ) يصبح عليه مواجهتها من موقع يختلف عن موقع رفيق لم يكتشفه البوليس بعد، ولكشف الرقابة ومواجهتها ينبغي البحث في أشكال الرقابة، لكن أساليب الرقابة ليست جامدة فهي ترتبط بظروف عديدة تجعل الأسلوب السائد ملائما للحالة الثورية أي أن هذه الأساليب ترتدي وجوها عديدة وذلك بمقدار ما يتسع العمل السياسي والفكري والتنظيمي للحركة الشيوعية بمجموعها وبناء عليه فإن بعض هذه الأساليب تزاح لتحل محلها أساليب جديدة موائمة للحالة التي بلغها الوضع الثوري ، فأساليب التسمع بمراقبة التليفونات ، أو تسجيل المناقشات ، أو المراقبة الفردية تفقد مغزاها متى انخرطت أوسع الجماهير في النضالات الطبقية ، لذا فإن الحركة الثورية مدعوة إلى تغيير أساليبها ولتطويرها وفقا للحالة التي يبلغها الوضع الثوري ، وهذا يقودنا إلى القول بأنه ليست هناك قواعد جامدة على الثوري أن يتبعها لتوقى المراقبة ولتضليل الشرطة، ونتيجة لشراسة السلطة في محاولات خنقها للعمل الثوري ، فإن هذه القواعد لا يمكن أن تشمل في نطاقها كل الحالات الملموسة . إن اتباع نماذج محددة بشكل آلي تكون نتيجتها دائما وفي الواقع عدم مراعاة مبادئ العمل السري ، وافتقاد اليقظة الثورية ، والدقة وروح الابتكار، وإن المبادئ المرشدة في العمل السري عموما ، وفي تمويه النشاط السياسي ليست مبادئ طقسية ، فإن مجال الصدام مع السلطة الطبقية وخصوصا أشرس جوانبها القمعية يقتضي إبداعا خصبا خلاقا حتى يعمل تحت الأرض بعيدا عن أعين أجهزة السلطة المكلفة بمطاردته ، وعلى المناضلين السياسيين عموما ، والشيوعيين خاصة أن يستلهموا تلك الحكمة التي أبدعها فلاحونا المصريون وهي أن "المدفونة تكسر المحراث" أي أن العمل السري الدؤوب واليقظ يمكن إذا ما التحم بالجماهير على أسس ثورية أن يدمر دكتاتورية البرجوازية المسيطرة.
عيون المدينة أسلوب رئيسى في المراقبة البوليسية ( المخابرات والمباحث )
"إن تشعب أجهزة القمع المكلفة بمطاردة الحركة الثورية قد امتدت إلى كل مكان عقب حركة يوليو ، ولم يعد القسم المخصوص ، أو البوليس السياسي ، أو المباحث العامة هي الأجهزة المعنية بملاحقة الثوريين فحسب ، بل انها باتت مثل الملك الذي كان كل ما تمسه يداه يتحول إلى ذهب ، فإن كل مؤسسات المجتمع المصري بالمنظمات ، والروابط ، والجمعيات ، والنقابات ، والاتحادات قد تحولت إلى أجهزة بوليسية والمهمة الأساسية للجميع هي القيام بدور في قمع الجماهير الشعبية المصرية وتطلعاتها وتفويت فرص صدامها الثورية . ومنذ ذلك الحين أي بعد أن استطاعت البرجوازية القومية أن تستأثر بالسلطة السياسية وبعد أن قضت على بعض طبقات المجتمع القديم كان عليها أن تطور أيضا أجهزتها الخاصة بمصادرة العمل الثوري المتعلقة بقطع الطريق أمام أى تغيير طبقي ، يتناول أساس المجتمع البرجوازي وكان عليها أن تستفيد من خبرة أجهزة القمع في العالم الرأسمالي ، وأن تعمق أسلوب عيون المدينة الذي كانت القوى الرجعية قد عرفته منذ فترة طويلة ، وأدركت أن من الأسهل أن تخلق من الفلاح جاسوسا بدلا من أن تخفي جنرالا أو مارشالا في زي فلاح . لقد تقلص الدور الذي كان يقوم به المرشد العادي وحل محله الأستاذ الذي يدرس في الجامعة ويقوم بالتجسس على أعضاء هيئة التدريس وعلى طلابه ويقم التقارير والمعلومات عن الأساتذة والطلاب لمكتب الأمن ولا يقتصر هذا الدور على الأساتذة فحسب بل تقوم به كذلك بعض العناصر الطلابية المشتراة وموظفي الكلية العايين ، وفي المصانع ، والشركات حيث تتركز الطبقة العاملة . تقوم بهذا الدور أيضا مكاتب الأمن وما شابه ذلك ، ويعتبر العمال والإداريين الصفر من أكفأ العناصر في القيام بهذا . وقد وصل الامر في ظل نظام الدولة البوليسي إلى حد أن الجيش الشعبي الذي يقوم بمهمة "الدفاع الذاتي" عن المصانع ضد احتمالات الهجوم من العدو الإسرائيلي قد بدأ ينخرط في القيام بأعمال تجسسية بوليسية .
إن هذا الدور لم يعد يقتصر على أحد أي على فئة المخبرين ، والمرشدين العاملين بالأجهزة نفسها ، فقد وسعت تلك الأجهزة من صفوفها أثناء سعيها في أن تلف المجتمع بكامله في شبكاتها حتى زاد عدد القائمين بدور العملاء من الاتحاد الاشتراكي والاتحادات الطلابية ومنظمات الشباب حتى الصحفي والطبيب والموظف العادي والبقال والبواب والمكوجي .
إن أسلوب عيون المدينة هذا يقتضي أن يتخذ رجل المباحث – أو المخابرات – أحد زملاء المناضلين الشيوعيين ، موظف عادي ، فراش حتى يوافيه بتحركاته ، وصلاته ، وأفكاره ، وميوله ، وأسماء من يتصلون به أثناء وجوده في مقر عمله ، أو يستعين ببواب منزله ، أو المكوجي الذي في شارعه ، أو البقال المجاور لمسكنه أو خادمه ، أو خادم منزل مجاور ليقدم بيانا بخطواته ، وتحركاته وقد يستعين أيضا بعامل أو مساح أحذية بالمقهى الذي يتردد عليه أو فراش النادي ، أو المدرسة والرابطة التي ينتمي إليها أو أحد زملائه بها لموافاته بأخباره أو من اتصل به أثناء وجوده بها، كذلك قد يلجأ ضباط المباحث للاستعانة ببعض الصبية المؤتمنين بعد تدريبهم على طرق المراقبة ، ومن القواعد المعروفة أن قوة وهيبة ضابط المباحث تقاس بعدد مرشديه . لهذا فهو يسعى دائما إلى اختيار أعوان من الأهالي للانتفاع بمعلوماتهم ، ويكون هؤلاء الأعوان من بين الأفراد الأكثر اتصالا بالجماهير، ويستخدم أكثر من مصدر واحد في كل جهة لمده بالمعلومات ، ويتخذ من مقارنة المصادر وسيلة للتأكد من صحة المعلومات التي تصل إليه مع الحرص على بقاء المصادر منفصلة عن بعضها ، وإحاطة اتصاله بأعوانه ، بالكتمان التام حتى لا يتعرضون للأذى ، أو الانتقام ويكافئ المجد منهم حتى يتقدم في أداء مهامه البوليسية .


وهناك أربعة أشكال سنتكلم عنها ، لكن نود الإشارة إلى أن الاختراق البوليسي هو تتويج للجهود البوليسية وتكون خطوته التالية إذا ما نجح في أحداث هذا الاختراق ، أسهل منالا . فهذا الشكل يتيح له إمكانية الحصول على معارف تفصيلية ، يضطر ان يبذل الكثير من الجهود في الحصول عليها بالوسائل الأخرى، وهو يمتلك بالاختراق – رقابة داخلية – على الاجتماعات ، وكافة جوانب النشاط السري . وتصبح بعد ذلك وسائل الرقابة الثابتة ، والتتبع سهلة للغاية وفي متناوله ، ويصعب كشفها في هذه الحالة حيث تتسم خطواته بالبطء الشديد . أما في حالة عدم وجود هذا الاختراق فتبرز أمام الشرطة أهمية الرقابة الثابتة ، والتتبع ، لكشف الرفاق ونوعية نشاطهم . وفي أغلب الأحوال لا يبدأ البوليس بنوع من أنواع الرقابة إلا بعد تبليغ محدد، أو شكوك تثار حول أحد الرفاق في مجال عمله ، أو إقامته ، أو في مكان لقاءاته ، أو خلال ممارسة هذا الرفيق أو ذاك للنضال العلني الجماهيري حيث يكفي الأخير بذاته لتوجيه أنظار الشرطة إليه .
ويمكن للرقابة أن تنتقل من شكل لآخر تبعا لتطور عمليات الرصد البوليسي، أو عادة بعد وجود شكوك .
في كل الأحوال لابد للرفيق أثناء حركته التأكد من عدم وجود عناصر بوليسية مترجلة تتبعه ، وكمجرد أمثلة نذكر أن المراقبين يسيرون خلف الرفيق الهدف بأقصى بعد يسمح بمراقبته ، وتقل المسافة في الأماكن المزدحمة خاصة في الليل ، وتطول في الأماكن الخالية "خاصة بالنهار" وغالبا ما يوجد اثنين من المراقبين وراء الرفيق الهدف إن لم يكن أكثر أحدهما على نفس الرصيف مثلا والآخر على الرصيف المقابل وهذا الوضع الأخير يسمح باستيعاب، ومواجهة مناورة الزميل المفاجئة مثل ركوبه وسيلة مواصلات من الاتجاه المعاكس لاتجاهه الأصلي، أو قطعة المفاجئ للشارع أو حتى رجوعا في عكس الاتجاه (حيث يتابعه في هذه الحالة المراقب الآخر البعيد حتى يغير الأول هيئته أو يبادل مع مراقب آخر) وفي الأماكن الخالية قد يستعمل المراقب طريقة أخرى غير السير وراء الرفيق الهدف فهو يتابعه بنظرة فحسب من أقصى بعد يسمح بذلك دون أن يراه الرفيق وذلك عن طريق الاختفاء في تقاطعات الطريق أو في حارة جانبية أو الاختفاء وراء عمود إضاءة أو شجرة وهكذا عندما يصل الرفيق لنهاية الطريق ويدخل في طريق جديد يجري المراقب بأقصى سرعة حتى نهاية الطريق الذي كان يسير فيه الرفيق ويختفي في زاوية ويتابع الرفيق بالنظر أيضا أي يسير على قفزات في تتبعه وهناك شكل آخر أيضا هو السير في شارع موازي للشارع الذي يسير فيه الرفيق ويتابعه عبر المسافة الفاصلة في كل تقاطع (انظر شكل 4 المتابعة المتوازية ) .
وفي حالة شك الرفيق في وجود رقابة من هذا النوع (رقابة مترجلة) أو للتيقن من عدم وجدوها لابد وأن يناور محاولا أن يتثبت من ذلك بأن يلجأ على سبيل المثال االى الآتي :
يسير في شارع أ طويل خالي أو يكاد وليست به أية تفرعات جانبية لمسافة كافية ويسير لنهاية الشارع ثم في الشارع المتفرع من ب مسافة كافية لظهور أي مختبئ في الشارع أ ثم الرجوع من نفس الطريق من الشارع ب إلى الشارع أ وفحص الطريق أ بإمعان وفي حالة عدم كشف الرفيق لرقابة مترجلة خلفه بأحد الطرق البسيطة فعليه وضع أحد احتمالين أنه لا توجد رقابة خلفه أو أن هناك رقابة تتخذ أشكالا راقية. أنه من الهام كشف الرقابة وليس مجرد قطع الطريق عليها ( مثل القفز المفاجئ في وسيلة مواصلات ) .
*المصدر : الصراع العدد السادس – نشرة الامن - 5 يوليو 1975 .

- 2 --
- ملاحظات حول تأمين أماكن الاجتماعات *
لم يلجأ الجهاز البوليسي الى اتخاذ إجراءات الرقابة على أماكن الاجتماعات إلا في أعقاب تراكم أخبار لديه مما يدعوة للقيام بمثل هذا الإجراء . وقد تأتي هذه الأخبار عن طريق اختراق داخلي لأحد مصادره البوليسية، أو نتيجة لإمحاء الحدود الفاصلة من قبل الرفاق بين حركتهم العلنية ، وحركتهم السرية. بشكل يؤدي إلى وصول رقابة إلى هذه الأماكن، أو بسبب خرق المبادئ الأولية في معاملة المكان السري ذاته . لكن الجهاز البوليسي لا يمكن أن يحدد، إلا في حالة الاختراق، ما إذا كان هناك اجتماع تنظيمي أم لا، إلا في سياق رقابة تتبع، ومشاهدات محددة ، وإذا احسسنا في لحظة أن أماكن الاجتماع خالية من الاختراق البوليسي، أي بعدم وجود "مصادر". فإن المهمة تكون حمايتها ضد مظاهر الرقابة البوليسية. ولابد من التمييز بين أماكن الاجتماعات العلنية وأشباهها – التي تستخدم للمهمات الطارئة ، أو اللقاءات الفردية والثنائية، والتي لا تصلح كمجال لاجتماعات حزبية ، بسبب إمكانية تعرضها لأكثر من رقابة بحكم طبيعتها، ثم نتيجة كون بعض العاملين فيها يمثلون جزءا من شبكة عيون المدينة – وبين الأماكن الحزبية الخاصة. فاللقاءات في أماكن علنية لمهام سرية ، هو استثناء نادر – أو يجب أن يكون كذلك – والوضع الحالى يعكس قلة إمكانياتنا من جانب، ورغبة في تخفيف العبء عن الأماكن الحزبية من جانب آخر، لكن هذه الأماكن العلنية معرضة للرقابة البوليسية العفوية من قبل مخبري المكان وعيونه، أيا كانت طبيعته، وهو يحتمل فقط لقاءات اتصال سريعة ، في غير أوقات الصدام الجماهيري مع السلطة ، أو أثناء حملات المطاردة والقمع ، حيث تخضع مثل هذه الأماكن لنوع من المراقبة الأشد تكثيفا .
إن التقاط أحد الرفاق في مناطق هو غريب عنها ، أو حتى وراء إمكانية الشك البوليسي تجاه البعض (في قهوة مثلا) لا يعتبر خطرا كبيرا حتى الآن ، إلا فيما يتعلق ببعض الرفاق الذين لهم أوضاع خاصة. ومن ناحية أخرى لا يجب الركون تماما إلى ذلك، فيمكن بالصدفة، وأثناء تفتيش بوليسي تقليدي كشف جزء سري من العمل . كما أن التراكمات الناشئة عن التواجد الكثيف في مثال هذه الأماكن ، يوجه نظر الأجهزة لتشديد الرقابة عليها ، خاصة أن بعضها يصعب تقدير وضعه من الناحية البوليسية ، حيث لا يستبعد أن تلتقي فيه عناصر من تنظيمات أخرى، أو قوى أخرى، بل أحيانا عصابات للسرقة أو شبكات الدعارة . ويحدث هذا غالبا مع كثير من الكازينوهات، والمقاهي، وعلى سبيل المثال – فقط – فإن الأماكن التي يتردد عليها الليبيين والفلسطينيين تعتبر أماكن غير مأمونة ، حيث قبض مثلا ومنذ أكثر من عام على مجموعة في أحد ملاهي الإسكندرية تعد لحوادث اغتيالات وتفجير بعض الأماكن . ومن ناحية أخرى هناك بعض المناطق التي تتميز بتواجد مرتكبي جرائم معينة، كتجار المخدرات الذين يتواجدون في حي الباطنية مثلا. ولا يكاد يخلو واحد من هذه الأماكن، من مخبر محلي على الأقل، ومثل هذه الأوضاع لا تتيح مع تطور العمل ، ومطاردة السلطات، استخدام تلك الأماكن لأنها تثير الريبة والشكوك، وبصفة خاصة للرفاق غير العلنيين ، إلا لأوقات قصيرة ، ولغير المهام الأساسية، وفي أوقات مناسبة في المساء لاستخدام الظلام كستار أثناء التأمين ، وإفشال عمليات التصوير ، وحتى يسهل التهرب من المتابعة كما يصعب تمييز وجوه المناضلين أو الشك فيهم ومتابعتهم ، وعلى هذا فتلك الأماكن تخضع أيضا لقاعدة ترشيد الاستعمال، وإجراءات الأمن ضد المتابعة البوليسية خلال عمليتي الذهاب والعودة منها . ويضاف إلى ذلك ضرورة التحلي باليقظة الحادة خلال التواجد بالمكان إزاء أدنى مظهر من مظاهر الرقابة ، ولنحاول تذكر أنه قد تم القبض على بعض العناصر الوطنية الديمقراطية خلال تواجدها في بعض الأماكن العامة، وقبل أن ننتقل إلى كيفية تأمين مكان اجتماعاتنا الحزبية، سنورد بعض الملاحظات، التي تتعلق بأشكال الرقابة البوليسية على هذه الأماكن. وهي من النوع الذي يمكن كشفه خاصة في حالة إذا لم تكن موجهة نحو رفيق بعينه – فهي لا تتم عادة إلا من مواضع يسهل منها مراقبة المقهى ، أو الكازينو ، أو المحل العام، كأحد الأركان المظلمة أو خلف شجرة أو عامود إضاءة، أي في مواجهة إحدى الفاترينات، أو بالقرب من كشك سجائر، أو حتى كصاحب الكشك ذاته ولا يحول هذا بالطبع دون وجود عين محلية داخل المكان نفسه، خاصة حالة المقهى، والكازينو والأندية الليلية. كما يمكن أيضا لعين داخل المحل متابعة الطريق خارجه، ويمكن قطعا، مع توفر يقظة مناسبة، التنبه للحركات المريبة التي تكون مكشوفة سيما في الليل .
وتنشأ عملية الرقابة البوليسية في هذه الأحوال – غالبا – من التصرفات المشبوهة، التي يصعب أحيانا تفاديها، كالحديث بصوت منخفض، اقتراب رؤوس المجتمعين بعضهم من بعض، والصمت المفاجئ حين مرور أحد، أو مجيء "جارسون" المكان، أورصد رجل الشرطة لوجه جماهيري، أو حزبى معروف. وقد تنبثق من تلك العمليات الأولية، سلسلة كاملة من التتبع، يتحدد قدرها ونوعيتها، وفق الظروف المحددة، مما يقتضي الوصول إلى أسلوب يناسب عملية التأمين الواجب القيام بها. وهناك قواعد عامة أولية لابد من مراعاتها بالنسبة لمثل هذه الأماكن ولا يجب التهاون في تطبيقها.
على المجتمعين أن يكون مظهرهم مناسبا للجلوس في تلك الأماكن، وأن يكون عددهم مناسبا – ثلاثة على الأكثر – بحيث يمكنهم الحديث دون إثارة الانتباه، وتجنب أن يأتي رفيق، ثم يمشي آخر في أعقاب حضوره، وعدم التلهف على استكمال النقاش أثناء ترك المكان، خاصة إذا زاد العدد عن اثنين .
ولابد من اليقظة، وفحص المكان، والوجوه المترددة عليه، والتصرف "ببرود" وهدوء أعصاب، تجاه الشكوك، فبعضها من الممكن ألا يكون على صلة بأوضاع الرفاق، وعدم التصرف بثبات في مثل هذه الأحوال قد يؤدي إلى إثارة شكوك بوليسية لم تكن موجهة نحو هؤلاء الرفاق بالذات . ونود أن نورد مثالين عن قدرة بعض الرفاق على التأني وضبط الأعصاب. ففي أثناء مهمة حزبية، بسبب حرارة الجو الشديدة، وبالمصادفة وقف التاكسي أمام أحد الأماكن المعروف أنها مقر للمخابرات العامة، وهبط السائق ليملأ جالونا للمياه. لقد استطاع ا لرفيقين أن يرصدا حركة السائق، وأن يدركا طبيعة نقاشه مع حراس المبنى، في نفس الوقت الذي تأهبا فيه للتصرف بشكل ملائم، ولو كانا قد حاولا الهرب منذ أن وقف التاكسي، لأدى هذا بالفعل إلى القبض عليهما، نتيجة للارتياب في تصرفهما. وفي مهمة أخرى اقتضت وجود رفيق ورفيقة في إحدى المناطق لوقت متأخر من الليل، وأثناء انتظارهما لإيقاف تاكسي، وقفت عربية ملاكي وطلبت منهما الركوب على أساس أنها مستعدة للقيام بما يقوم به التاكسي، وكان مظهر صاحبها فاخرا بينما وجد معه شخص لا يقل من ناحية المظهر، لقد كان هذان الشخصان غالبا ضباط اداب، اللذان ارتابا في الرفيقين. لقد ركب الرفيقين العربة، وصورا لهما أنهما زوجين، قامت مشاجرة بينهما، وقد ذهب الرفيق ليأتي "بالسيدة زوجته" وقد طالت جلسة تصفية الخلاف إلى مثل هذا الوقت المتأخر، مما أدى إلى أن يكمل الرفيق والرفيقة طريقهما بسلام، بعد عملية تأمين واسعة أعقبت نزولهما من السيارة.

أما فيما يتعلق بالأماكن السرية فإن وضعها تحت الرقابة البوليسية، يعني أوضاعا آنية سيئة للرفاق ، بالإضافة إلى القطع بأنه قد حدثت أخطاء سابقة تراكمت، قد أدت إلى كشف جزء من العمل الحزبي أو هو في طريقه إلى أن ينكشف . وهذه الرقابة لا يمكن أن تنبثق فجأة ومن فراغ، فذلك أمر لا يمكن حدوثه إلا بتراكم الشكوك حول المكان، أو بالتتبع البوليسي لأحد الرفاق في غفلة منه، أو باختراق اللجنة الحزبية ذاتها. وإذا استثنينا الحالة الأخيرة، التي سنكرس لها مقالا مستقلا، لصلتهما الوثيقة بعلاقة العمل العلني بالعمل السري، ولاستكشاف بعض الجوانب التكتيكية في حماية أماكن الاجتماعات الحزبية، يصح القول أن صياغة تواجد الرفاق بدءا من حصول أحدهما على المكان ، واستمرار استخدامه (وفي خلال تركه ويجب تركه ، في بعض الحالات ) بالإضافة لعدم جود تتبع بوليسي خلف أحدهم، يصح القول أن هذا كله يمثل الحد الأدنى لحماية المكان والحفاظ على سريته.
ولا شك أن هناك شروط اعامة لابد من توافرها في المكان، فيحسن أن يكون موضعا يمكن من خلاله متابعة ما حوله ، وكشف أي مظهر للرقابة يحيط به، فعادة لا تسهل مراقبة ومتابعة الرقابة البوليسية لمكان سري، إذا كان أمامه مكان عام يمكن لأي شخص التردد عليه ، مثل فندق، مقهى، نادي.. الخ. أو جراج عمومي للسيارات، ففي هذه الحالة الأخيرة لا يمكن حصر العربات، ولا أرقامها ولا ألوانها، ولا توجد هناك إلا هوامش ضئيلة للتيقن من وجود رقابة ، ومن ناحية أخرى لابد ألا يكون المكان أو المنطقة مشبوها، فالمناطق التي يكثر فيها الأجانب تخضع لأنواع مختلفة من الرقابة السياسية، ومنها ما يتعلق ببعض الجرائم كتهريب المخدرات أو النقد، بالإضافة إلى رقابة مكاتب الآداب ، ولابد أيضا من وجود تناسب بين المكان وشاغله وبين المنطقة المحددة، وبين إمكانياته ومظهره الذي يبدو به. فلا يمكن مثلا لموظف صغير يتقاضى عشرون جنيها أن يؤجر مكانا بأكثر من نصف مرتبه. ولا يمكن لعامل أن يقيم في حي أو منطقة بورجوازية فذلك يعرض الشخص لكثير من الشكوك ،هناك أيضا مسألة ملائمة المكان للهدف الذي سيستخدم من أجله فمكان يستخدم للجهاز الفني ، يختلف مثلا عن مكان لتأمين الأرشيف ، أو للإقامة الحزبية السرية .
ولابد من محاولة معرفة صاحب المكان ومالكه، أين يعمل، ما هي صلاته، اهتماماته – على قدر الإمكان. وأمر حيوي معرفة الجيران، فأحيانا تؤخذ أماكن وتترك فور أخذها، بسبب اكتشاف أن هناك ضابط شرطة، أو مخبر فقط، أو أي قوى معادية.. الخ يسكن في نفس الموضع ، أو بالقرب منه.
إذا ما توافرت مثل هذه الشروط في اختيار الأماكن، فيمكن في هذه الحالة تحسين هذه الشروط، والإفادة منها بصياغة جيدة للحركة بالنسبة للجيران ، والمحيطين عامة بالمكان، وإننا نؤكد بادئ ذي بدء على أهمية أن يكون هناك مسئول محدد عن المكان، يتولى تطبيق وصياغة "السيناريو" المتعلق به، يراقب كيفية تعامل المترددين من زاوية أسلوب تأمينهم، بل وله أيضا حق أن يحدد طريق محددة للمجيء، وأساليب محددة للتأمين، وتقييد عدد المترددين في أحوال خاصة، ولا يجب بأي حال أن يتمسك الرفاق بالتعامل مع المكان وفق تقديرات خاصة متضاربة . إننا نود فقط أن نؤكد على ضرورة عدم التهاون في قيادة أحد الأماكن السرية، بدءا من مسئولية مناضل معين عن المكان واحترام توجيهاته على أن يقوم بهذه المهمة ، لا من الناحية الشكلية، التي تقتصر على مجرد الإدانة العاجزة الانفعالية ، لأساليب خاطئة مفترضة أو فعلية ، بل بهدف التأمين الفعلي للمكان، وتطوير أساليب الرفاق ورفع إمكانياتهم في مواجهة النشاط البوليسي ، كما أنه لابد وأن تمارس هذه المسئولية، بعيدا عن أي روح ليبرالية، تمنح نقدها لأساليب محددة أو تمنعه وفقا لأهواء ونزعات الاستلطاف الشخصي – واقتناع الحاضرين فى الاجتماع بمسئول محدد أيضا ، هذا بالإضافة لفحص وتقدير الرفاق المشترك بخصوص أمن المكان .
إن هناك بعض الملاحظات الأولية المعروفة، التي أجاد الرفاق دوما في خرقها، وهي تغيير الأماكن بوتائر غير مناسبة ، لا تخضع لتقدير موضوعي، أويتم الاحتفاظ بالمكان حتى يتم استهلاكه (كأن تبدأ الشكوك حوله )، ولا تبذل أي جهود في تركه بعد استخدامه فترة مناسبة، حتى لا تكتشف أساليبنا بتراكماتها، حيث يمكن الأجهزة البوليسية أن تحكم حصارها فيما بعد مبكرا على بعض المناطق والأماكن .
لابد لنا أن نعمل على تطوير أمن استعمال المكان ، والحفاظ عليه حتى في الفترات الأخيرة لاستخدامه، وهنا ينطبق أيضا القانون الجدلي "التراكمات الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية" بالنسبة لأمان المكان، فالاهتمام بمثل هذه اللمسات الصغيرة، يمكننا من تجنب الأخطاء الكبيرة، نحسن صياغة استخدام المكان أمام الجيران ، البواب، صاحب المكان ، المحلات المواجهة.. الخ بل يجب الحفاظ على أشكال عادية للحياة.. (1) تبعا لسياق محدد (وقصة محبوكة) جيدة الصياغة والتصرف في الممارسة العملية وفقا لها ، ولا ينبغي التناقض معها . ومن الهام أحيانا – بل وغالبا- أن تكون القصة المحبوكة غير منتهية ، بل يمكن أن تتقبل الجديد باستمرار لمواجهة الطوارئ .
إن قضية أمان الأماكن الحزبية تتعلق أساسا بأمانه الخارجي ، مثل وجود مراقبة خارجية، أو أمانه الداخلي كوجود مصادر تجسس للأجهزة داخل الاجتماع ، أو صياغة القصة التي يتعامل وفقا لها المقيمين أو المترددين على المكان. وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الإجراءات الاحتياطية الواجب اتخاذها.
فأول ما يجب علينا هو الاحتياط في درء خطر رقابة حول المكان ، ورغم أن الرفاق عادة، خلال مغادرتهم المكان يقومون بمحاولة كشف أي رقابة أو تتبع بصفة دائمة ، إلا أن عليهم بشكل دوري، عمل هذا الاختيار بأشكال راقية ، قادرة على كشف رقابة من طراز عال، ويفضل، بشكل حاسم، أن يقوم بها زميل غريب عن المكان ، بالحضور للمكان ومغادرته لجذب انتباه المراقبين ، ومن ثم يمكنه كشف الرقابة عن طريق كشف التتبع إن وجد ، وهو كإجراء احتياطي يعطي نسبة نجاح في بعض الحالات، مثل مكان يستخدمه عدد من الرفاق الجماهيريين، حيث يكون الهدف البوليسي، تحديد من يتصل بهم .
ومن ناحية الأمان الداخلي للمكان، لابد من فحص دوري، للبحث عن أجهزة الاستماع والتصنت، ورغم أن معظم الرفاق لا يقومون بهذا اعتمادا على أن المكان سري، لا يعرفه البوليس، وأن الرفاق موثوق بهم من ناحيتي قدراتهم وولائهم، إلا أنه لابد من رفض مثل هذا التصور، فلابد من بذل كل الجهود الاحتياطية في الأمن، التي توفر وتحرف أية ضربة بوليسية ، إن الأجهزة البوليسية، تعتمد في وضع آلات التصنت على حقيقه ، إنه ليست هناك أية شكوك من الزملاء ، وبالتالي يمكن أن يكون الجهاز في مكان يسهل اكتشافه بقليل من الجهود، ويجب البحث عن الأجهزة المحتمل تواجدها ، (إرسال – تسجيل – ميكروفون) وهناك مقالة ستكرس لموضوع الأجهزة – كما يمكن استخدام الراديو الترانزستور خلال الاجتماعات لعمل التشويش اللازم (في حالة أجهزة الإرسال فقط) وعلى المسئول التنظيمي التنبه لاحتمال حمل أحد الجواسيس لجهاز ما ، وحضور الاجتماع به ، ويرتبط بهذا التشدد في تطبيق قواعد العمل السري، من زاوية ضرورة استخدام الأسماء الحركية، واستخدام الصيغ المناسبة لعدم الإعلان عن الأماكن العلنية للرفاق المجتمعين كأماكن الإقامة والعمل ، ولابد من شجب أسلوب تبادل الأسماء العلنية حينا من الوقت في الأماكن السرية والحديث بما يعلن عنها في حالات وجود تسجيل .
هناك أيضا ضرورة في حالات وجود اجتماعات حزبية ، لتبرير هذا التواجد الجماعي لعدد من الأشخاص – لا يجب أغفال مثل هذا التبرير استنادا إلى أن المكان مأمون ، كذلك يجب تحجيم المطبوعات وتأمينها بصرف النظر عن درجة أمن المكان، ويحسن عدم إظهار عدد ضخم من الكتب في وضع مكشوف ، وترتيب أدوات ووسائل سريعة للنقل والاتصال في حالة كشف المكان .
إن هذه هي بعض الأمثلة عن الاحتياطات الدفاعية التي يجب أن نرسيها في أساليبنا، والتي نحتاجها الآن، وسوف نكون في أشد احتياج لها فيما بعد، إنها تمثل بالنسبة للعمل التنظيمي، أوضاعا استراتيجية من زاوية الأمان .
وعموما لابد من وعي أن عملية تأمين اجتماع سري في شقة سرية هي حلقة في سلسلة المهام والعمليات التي تتم داخل هذه الشقة. ويرتبط أمان الاجتماعات الحزبية، بوضع الشقة واستخداماتها السابقة، وهنا يلزم الاهتمام بصياغة أمان الشقة السرية تبعا لخصوصيتها (مكانها، سعتها...) وكذا تبعا للمهام التي تستخدمها من أجلها، وتطبيق كل قواعد أمان الشقق السرية السابق ذكرها.
وإذا كنا نتكلم عن الوقاية من التدخل البوليسي، فلابد من وعي دورنا ومهامنا في مرحلة التدخل الفعلي بما فيها مهاجمة شقة ما.. بها اجتماع حزبي. إن على المجتمعين دائما إدراك مثل هذه الأوضاع الطارئة، والاتفاق المسبق على كيفية مواجهة هذه الطوارئ، بدءا بهرب معظم المجتمعين، وحتى أبسط القواعد المتعلقة بصياغة أمان معرفة كل رفيق للآخر، وعلى القائمين بالمسئولية التنظيمية، تجهيز الأوضاع، واستخدام الشقق التي تسمح – كلما كان ذلك ممكنا، بمثل هذا الإجراء، ولابد من يقظة الرفاق جميعا في متابعة المكان، واتخاذ الاحتياطات، وفقا لكل حالة طارئة.
(1) فلا يجب مثلا السهر يوميا إلى الخامسة صباحا، ولا الدخول اليومي لرهط من الرجال على مكان يوجد به رفيق ورفيقة مثلا ، ولا النقاش العالي الصوت لمسائل حزبية في غرفة تطل على الطريق العام، ولا تردد عدد من الرفيقات على رفيق يحيا وحده .
(2) تتم أحيانا بعض عمليات التفتيش البوليسي لمكان أثناء غياب صاحبه، وتغطية عملية الدخول بسرعة .
*المصدر : الصراع (نشرتنا الداخلية – العدد السابع 20/7/1975) .