حزب العمال الشيوعى المصرى ومسألة الحب الحر *


سعيد العليمى
2021 / 11 / 13 - 20:29     

( 1975 )
مقدمة فى مواجهة نقد محتمل

لاينعتق اى نص - مثله مثل الاحداث الحياتية - من سياقه التاريخى بكامل الشروط التى أحاطت به وانتجته ، وخاصة السياسية ، والاجتماعية ، والايديولوجية ، والحدة التى طرحت بها مشاكل معينة داخل تيار ماركسى معين ، كان جزءا من حركة أممية ذات هيمنة فكرية ، أملتها طبيعتها كحركة تتجاوز الحدود القومية ، وذللك استجابة لمشاكل عملية معينة ، فى خضم صراع طبقى محتدم تؤطره دولة بوليسية فرضت ضرورة العمل السرى ، كما لا يتجاوز النص درجة الوعى النظرى التى بلغتها قيادته الفكرية والسياسية التى طرحته . لذا يتخذ مرجعيته من الاصول الماركسية ليضع بها حلا لمشاكل عملية بتكييفها وفق منظور يدعم الحزب الثورى ، ويقاوم التشتت والتبدد والتحلل الذى كان يمكن أن تخلقه هذه الممارسات فى العمل حسب منظوره آنذاك . ومن الطبيعى ان ينهل النص من ماركس وانجلز ولينين وغيرهم ممن طرحت عليهم نفس المسألة فى شروط مغايرة . ولايكفى لفهمه رغم وضوحه ، أن يقرأ فقط برصد علاقات حضوره ، وانما ايضا بعلاقات غيابه . ومع عودته للأصول فى التدليل على موقفه فقد ادمجها فى تلك القراءة التى استمدت جدتها من الشرط المغاير ، ولم يكن الامر استنساخا وانما اعادة انتاج فى وضع جديد . ففيه تلتقى عدة نصوص لتتفاعل وتتحاور ولتربط وتبرهن . هل كان يمكن أن يناقش ماقاله فوكو بعدها بعقود " تقع اللذة فى الطرف المناقض للسلطة " وان لم يكن يعنى آنذاك السلطة الحزبية ؟ وهو الذى اخترق الحديث عن الجسد كافة مؤلفاته ، كجسد حاضر بشكل قوى فى قلب المجتمع السياسى والمعرفى . لا أريد أن أكرر ماورد فى المتن فهو كاف بذاته ، غير اننى اؤكد ان النص المذكور ارتبط بعمل حزبى سرى مناهض للنظام ، فإن كان الاخير على استعداد لأ ن يلفق" تهما اخلاقية " بالمعايير السائدة اجتماعيا آنذاك ، فبالاحرى كان سيستخدم موادا جاهزة نقدمها له ، فضلا عن الموروث التاريخى الذى خلفه الاجانب فى الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية ، وبات مادة مستمرة للتشهير من الصحافة الصفراء . ولكن يمكن لى أن اتوقع فى زمننا الراهن ، وخاصة من الشباب المتأثر بما بعد الحداثية ويمثل " يسارا ثقافيا" ، ان يقال ان لينين كان " ذكوريا رجعيا " ، أو أنه كان ذو "عقلية وصائية " او" نخبويا " كما ان " النظرية والتنظيم السياسى ذكوريان" ايضا ، مما انعكس علينا وعلى مواقفنا آنذاك ، ومعظم هؤلاء يعرفون عن البورجوازية ، والطبقة ، والدولة ، والايديولوجيا ، والثورة ، واساليب الانتاج المادية القليل - بعكس جيلنا - بينما يعرفون عن المثلية الجنسية ، والجندر، والتحرش وماماثلها الكثير ، وهذا ثمرة اخفاقنا التاريخى الأممى ، ويبدو لى ان هذا منطقى تماما ، ويتسق مع غياب اى حركة ثورية منظمة وهيمنة حالة الجزر وتسلط الثورة المضادة ، وغياب اوتفتت الفاعل الاجتماعى التاريخى الذى يفترض ان يكون رافعة التغيير الثورى ، اى حين لايكون التغيير السياسى الحقيقى مطروحا ، وشيوع افكار مابعد الحداثة ، واحد نقاطها البرنامجية "الاحتفاء بالجسد " " وفن استعمال اللذات " -- وهى اسلوب فى الفكر يبدى ارتيابا بالافكار والتصورات الكلاسيكية كفكرة الحقيقة ، والعقل ، والهوية ، والموضوعية ، والتقدم .. والاطر الاحادية ، والسرديات الكبرى -- ، ثم جذركل شئ اى تصفية الحياة السياسية ، وهيمنة القمع الذى تسبب فى طرح مسائل كان يمكن ادماجها فى برنامج ثورى انتقالى، لكنها ليست بالضرورة هى الاولويات فى بلادنا ، كما تسبب القمع فى تعيين موضوعات معينة مثلت مايجوز الكلام فيه ، وحشرت المثقفين خاصة فيها ، وتضافرت هذه العوامل مجتمعة لتعزلهم عن القضايا الاساسية التى كان ينبغى الاهتمام بها ، وربما كانت كذلك فى المجتمعات الغربية ، وفق جداول اعمال الليبرالية المعاصرة . حيث اخلت فيه السياسات الطبقية الكلاسيكية الميدان لسلسلة واسعة من السياسات المرتبطة بقضية االهوية . وتستمد هذه النظرات جذورها من التحولات التاريخية التى شهدها الغرب نحو شكل جديد من الراسمالية تهيمن فيه التكنولوجيا والنزعة الاستهلاكية ، وصناعة الثقافة ، وسادت فيه صناعة الخدمات ، والمال ، والمعلومات على المصنع التقليدى . وبالطبع انهيار الاشتراكيات الواقعية التى باتت نظرياتها التى قامت عليها موضع جدال ، ورفض حاسم للاطر المفاهيمية التى اعتادت هذه على العمل من خلالها .
وفى كل الاحوال يتداخل موضوعنا اى موضوع الجسد فى "علوم " الدين والمجتمع ، وفى المسالك والتفاعلات اليومية ، وهذه المفاهيم والممارسات تخضع لمفاهيم وتصورات ايديولوجية تحدد كيفية التعامل معه .
ان تراجع الطاقات الثورية ترافق مع اهتمام بالجنس ، وراح يحتل مكان هذه الطاقات شيئا فشيئا ، وصار بعض الماركسيين "لاكانيين " –حسب تعبير تيرى ايجلتون فى نقده لهذا الفكر - وتجاهلوا الانتاج ، واهتموا بالمثلية الجنسية ، وتنحت الاشتراكية لتفسح المجال لفوكو، واهتمامه بالبدن وعنايتة بالجسمانيات . ان النسبية الثقافية ، والعرفية الاخلاقية ، والشكية ، ورفض التنظيم المنضبط يشكل نقيضا لأى ممارسة ثورية تستهدف تقويض الاوضاع القائمة .
ان العلاقات الجنسية ليست ظواهر بيولوجية منعزلة فهى توجد كفعل ثقافى كما ان لتجلياتها طابعا اجتماعيا ، وكذلك ايضا فى تقييمها وتفسيرها . ولم يكن لينين مخطئا فى موقفه من الناحية الجوهرية فقد ااتخذ موقفا متوازنا بين الفسق الذى يخفى نفسه فى شكل تحرر زائف ، وهو شكل من اشكال الاستلاب ، وبين الحشمة المفرطة التى تنكر الحياة – لقد عارض الحب الحر الذى انتقده لدى اينيسا ارماند وعدد مظاهره بالحب البروليتارى ، اى الحب الواعى لمسؤولياته وواجباته بديلا عن النزوة الجنسية المؤقتة ، وغير المسؤولة التى تفتقر لأى مضمون انسانى ، واطرى الشاعرية العفوية للعلاقات الانسانية الحقيقية . وفى حواره مع كلارا زيتكين – ذكريات عن لينين – اعتبر ان وعظ الشباب بالزهد الرهبانى وبقداسة الاخلاق البورجوازية القذرة نوعا من الكذب المرفوض . ورأى انه فى ظروف احتدام الصراع الطبقى تنهار القيم الايديولوجية القديمة ، فاقدة قوتها الكابحة . بينما تتبلور القيم الجديدة ببطء فى غمرة النضال . ومثلها النظرات الى موقف الانسان للانسان ، والى موقف الرجال من النساء ، كلها تتغير بطريقة ثورية ، كما ان المشاعر والافكار تتغير هى ايضا بطريقة ثورية ، واكد انه لايروج للزهد وان على الشيوعية ان تجلب معها لا الزهد وانما التفاؤل والانتعاش اللذين ينجمان عن اكتمال الحياة العاطفية . وشكك فى صلاحية من يتقلب ويندفع من قصة غرام الى اخرى ، او من يتشابك معه الغرام الشخصى مع الشأن السياسي باعتباره لايصلح للنضال السياسي او الثورة . وقد استخدم لينين بعض التعابير التى قد يصفها البعض بانها " ذكورية رجعية " مثل تشبيهه للمرأة متعددة العلاقات ببركة الماء الموحل التى شرب منها الكثيرون ،الا انه ينبغى الحكم على كل ماقال فى كليته و من منظور سياقه التاريخى ، وخاصة الحرب الاهلية والتدخل الاجنبى . واول ثورة اشتراكية فى القرن العشرين ، والمهام الاممية التى كان يتوقعها ويتهيئ لها .
مع ذلك فقد كان مفهوم لينين عن " الحب الحر " كما يتصوره هو التحرر من الحسابات المالية ، ومن الهموم المادية، ومن الاراء المسبقة الدينية ، ومن النواهى البطريركية ، ومن آراء المجتمع المسبقة ، ومن البيئة الخسيسة الفلاحية – البورجوازية الصغيرة – المثقفة البورجوازية ، ومن عراقيل القانون والمحاكم والشرطة ، ورفض ان يعنى التحلل من تبعات الحب الجدية او السماح بالزنى . وكان يرى ان واجب الشيوعية ان تحمل للانسان لا الزهد وانما فرح الحياة والرفاه المرتبطين بملاء الحب . وقد اوجز هذا المعنى فى عبارته : لارهبانية ولا دون جوانية .
ان الحزم الذى يبديه لينين امام الشطط العاطفى والجنسى مرتبط باضعاف وهدر القوى التى كان يجب ان تكون متوترة باتجاه هدف واحد ، ومركزة على ايمان واحد يرتبط بوعيه بعظم مهمته واهميتها وارتباطها بمذهب يتطلع لتغيير وجه العالم فى ادق تفاصيله ، بينما يرى ان المهمة الاولى والاكثر الحاحا هى تطبيقه الثورى .
والحقيقة ان نظرات لينين فى عمومها تتسق مع آراء ماركس وانجلز – وقد كرس ماركس فى " المخطوطات الاقتصادية والفلسفية صفحات رائعة عن العلاقة بين الرجل والمرأة ، رافضا الشيوعية الجلفة التى ادانت احادية الزواج ودعت لمشاعة النساء ، والى اباحة معممة تفضى باسم الحب الى بغاء عام ، مؤكدا تميز العلاقات الجنسية عن غيرها من زاوية ان موضوعها " كائن انسانى يشعر ويتألم ، لاشئ جامد عديم الشعور ، عديم الانسانية " .
وكان انجلز يرى ان اعظم تقدم اخلاقى حققته الانسانية هو : الحب الجنسى الفردى المعاصر .



رسالة إلى الرفاق والرفيقات
"ينبغي ربط حياة الرجال والنساء بالكلمة التي توحد بيننا : رفاقً "
ماياكوڤسكي

أثير في فترة سابقة غير بعيدة على صعيد النقاش النظري المجرد في عديد من المنظمات الحزبية ، مسألة موقف الماركسية من العلاقات الخاصة ، وبالذات ما يتعلق بالمفاهيم التي تنشأ في إطارها علاقة الرفاق بالرفيقات ، ورغم أن بعض هذه المفاهيم وخاصة ما كان منها لا يتوافق مع المفهوم الماركسي للمسألة لم يجد مجالا واسعا للتطبيق في الممارسة العملية ، إلا أننا نعتقد أن اللحظة الراهنة هي أكثر مواتاة لمناقشة مثل هذه المفاهيم ، ودحضها قبل أن تتحول إلى خط رسمي فعلى في هذا المجال ، سيما أنه من الممكن أن تترتب على أساسها نتائج فادحة الضرر لعملنا الحزبي عامة ، ثم لعملنا الجماهيري خاصة . كتب انجلز : " إنه لواقع ملفت للنظر أنه في كل حركة ثورية كبرى تظهر مسألة " الحب الحر" في المقدمة ، فبالنسبة لقسم من الناس يعتبر تقدما ثوريا نبذ القيود التقليدية التي لم يعد لها أية ضرورة ، وبالنسبة لقسم آخر يعتبر مذهبا مواتيا يرحب به جد ملائم لتغطية كل أنواع المجون بين الرجل والمرأة (1) .
والآن كيف عبر في واقعنا هذا "القسم الآخر" ، من أطروحة إنجلز السابقة ، عن نفسه ؟
إنه يبدأ بطرح هذا المقصود الخاطئ : وهي أن قضية العلاقات الخاصة ليست من المسائل التي تتبنى فيها الماركسية موقفا محددا ، فهي " مسألة مفتوحة " وغير محسوبة على صعيد الفكر النظري ، وقابلة لمختلف أنواع الاجتهادات ، وبناء على ذلك فلا مانع من اتخاذ مواقف ليبرالية تجاه الأفكار ذات الطابع الفوضوي ، البورجوازي الصغير ، والتي تدول حول "إعادة ترتيب الأوضاع" أي خلق حركة تنقلات دورية تلائم بين الرفاق والرفيقات ، وإجراء عمليات فرز دقيقة ، تؤدي لإحداث تباديل وتوافيق ، وإغناء الحياة الداخلية لا على أسس سياسية ، بل على أسس عائلية بحتة ، وتقديم مفاهيم " شبه مقدسة " من أن "أي مناضل يصلح للارتباط بأي مناضلة " مادامت هناك رابطة فكرية سياسية تجمع بينهما ، وإغفال خصوصية كافة هذه العلاقات وفرض " علاقات تجريبية " بهدف استخلاص الدروس والخبرات، على أساس أن "كل فشل هو نوع من الخبرة"، والبداية "بالعلاقات الكاملة" التي توفر "ا لأساس العادي" وتمهد لنمو المشاعر فيما بعد ، كل ذلك يتم تحت راية " جدل العلاقات " ويمتد هذا المنطق على استقامته حتى يصل إلى تبني آراء رافضة لكل الأخلاق بوجه عام – لا الأخلاق البورجوازية فحسب – ويكرس كل مظاهر الانحطاط والإنحلال البورجوازيين – خاصة حين يرفع شعار الاحتياج وإشباع الاحتياج بمنطق " لم لا ؟ " – وفق تنظيرات ترتدي غلالة ثورية شفافة ، تخفي في التحليل الأخير مجرد نزوات غريبة . وإذا كان البعض قد تحدث عن هذه القضية باعتبارها مسألة مفتوحة، من زاوية عدم تحدد موقف الماركسية منها ، فقد آثرالبعض الآخر أن يكون أكثر جرأة في أن يزعم باسم الماركسية وبالذات فلسفتها المادية ، أنها تكرس " العلاقات التكتيكية " وتميز بينها وبين " العلاقات الاستراتيجية " أي بين العلاقة العرضية العابرة التي تنشأ في شروط محددة – ظروف حرب أو مهمة ما – والعلاقات الدائمة ، وتحبذ أن تكون هناك قرارات " بالتوجه " نحو هذا الرفيق ، أو تلك الرفيقة أي إقامة علاقات متعسفة من الناحية الأساسية ، لا تنمو بشكل طبيعي و" تلقائي " مهددة الطرفين على السواء ، بالإحساس بالاغتراب إزاء كل منهما الآخر، ونشوء حواجز فاصلة سميكة ، ثم بعدم تنامي مشاعر الطرفين فيما بينهما . كل ذلك، وفق مفهوم عن "الميول الإرادية " التي تعلي من شأن الوعي في خلق الارتباط الوجداني، بناء على "التوجه القصدي" بالمشاعر ، محللين ذلك جميعه بالاحتياجات العاطفية ، وتشابه ظروف المناضلين ، وعدم استقرار أوضاع الرفاق ، من زاوية ظروف النضال الصعبة ، وشروط العمل السري، وحملات القمع البوليسي .
لقد نشأت هذه المفاهيم ، وهي تستند على شروط أهمها ، وجودنا في المحيط الاجتماعي البورجوازي بكل ما يلقيه من تأثيرات وما يخلقه من مفاهيم ، بل وأيضا كرد فعل متطرف من الناحية الشكلية ضد هذه المفاهيم البورجوازية الصغيرة التي نمارس وسطها عملنا الجماهيري الأشد أساسية فى اللحظة الراهنة ، بكل ما تحمله من أفكار ، هذا يضاف إلى عدم التوازن بين تكوين رفاقنا الفكري والسياسي وتكوينهم الوجداني ، وتخلف تشكل الأخير ، عن تشكل الأول ، ثم نتيجة لافتقاد القدرة على تبين الفهم المبدئي ، لموقف الماركسية الواعي ، تجاه هذه المسألة بالتحديد .
لقد كان هناك اتجاه آخر يتبنى موقفا صحيحا ، لكنه اقتصر على مجرد إطلاق اللعنات العاجزة ، مما وقف عائقا في سبيل أن يتحول إلى مفهوم سائد، بل كاد حتى في بعض الأحيان أن ينزلق إلى تبني نفس هذه المفاهيم التي ناوئها خلال فترة من الزمن ، وقد أدين من جانب الاتجاه الأول باعتباره "متخلفا" وأخلاقيا ، بل وحتى بيوريتانيا .
هل هناك ما يمكن أن يسمى بالأخلاق الشيوعية ، والسلوك الشيوعي ؟
ويجيب لينين : أجل بكل تأكيد، غالبا ما يزعم أنه ليس لدينا أخلاق خاصة بنا، وفي معظم الأحيان تتهمنا البورجوازية بأننا نحن الشيوعيون، ننكر كل أخلاق ، وتلك طريقة لتشويه الأفكار لذر الرماد في عيون العمال والفلاحين . بأي معنى ننكر الأخلاق والسلوك .
"بالمعنى الذي تبشر به البورجوازية التي كانت تبشر بأن هذه الأخلاق من وصايا الله ، وبهذا الصدد نقول بالطبع ، أننا لا نؤمن بالله، ونعرف جيدا جدا أن رجال الدين والملاكين العقاريين والبورجوازية كانوا يتكلمون باسم الله لكي يؤمنوا مصالحهم كمستثمرين . كذلك حينما لا يشتقون هذه الأخلاق من قواعد السلوك ، ومن وصايا الله، فكانوا يستخلصونها من جمل مثالية أو نصف مثالية ، وهى تعني دائما شيئا يشبه كثير الشبه وصايا الله . إن كل أخلاق من هذا النوع ، مستقاة من مفاهيم مفصولة عن الإنسانية ، مفصولة عن الطبقات ، إن كل أخلاق كهذه ننفيها وننكرها، ونقول أنها تخدع العمال والفلاحين وتغشهم، وتحشو أدمغتهم حشوا ، وذلك في صالح الملاكين العقاريين والرأسماليين . (2)
إن معنى هذا بشكل محدد أن الماركسية ليست ضد الأخلاق بصفة عامة ، فهي ضد الأخلاق المشتقة من وصايا الله ، أو من الجمل المثالية ونصف المثالية ، سواء كانت هذه أخلاق المجتمع العبودي أو الإقطاعي أو البورجوازي . ولذلك فإن أخلاق الشيوعيين وطوال فترة النضال ضد النظام الرأسمالي بمثابة نفي الأخلاق البورجوازية السائدة ، ومحاولة للاسترشاد بالنموذج الشيوعي ، " فأخلاقنا خاضعة تماما لمصالح نضال البروليتاريا الطبقي " – لينين ، ونحن إذ نناضل في سبيل إقامة المجتمع الشيوعي، نناضل في الوقت ذاته ضد النواقص الخاصة بنا ، ضد التشوهات التي يخلفها فينا وجودنا في المجتمع البورجوازي ، ولا يجب أن نتخذ إزاءها موقفا تبريريا ، بهدف تأبيدها ، وإذا أردنا أن نتناول قضية الأخلاق من زاوية المسألة التي نناقشها، وهي العلاقات الخاصة، سنجد أن هناك نموذجا شيوعيا مرشدا ، وضع أساسه النظري انجلز، واستطاع لينين أن يطوره في مواجهة بعض المفاهيم غير الماركسية .
إننا نرى العلاقة الصحيحة التي تنشأ بين رفيق ورفيقة ، هي التي تتميز بوجود نوع من التوافق الفكري والسياسي كأرضية عامة مشتركة ، لابد أن يوجد جانبها وبصفة رئيسية ذلك الارتباط الوجداني النفسي ، الذي تبدو مظاهره عبر فترة كافية من الوقت ، بشكل يمكن التيقن من دوامه واستمراره ، ارتباط يقوم على الصراحة والمبدئية ، يختبر في المواقف ، قادر على تخطي العقبات ، والأوقات العصيبة، ارتباط ينشأ تدفعه الرغبة في أبدية هذه الصلة الوجدانية ، يتجاوز المفاهيم العرضية التي ترسب ميراثا مشوها . إنه كما قال فرانسواز دوبوف ، ذلك النمط النوعي من الحب الذي يجمع بين هبة الذات وبين مثل أعلى يتجاوز الحب بالملذات ، بين غبطة الحواس ، والأخوة التامة بين الرجل والمرأة ، الرفيقين كليهما "زميلي الكفاح، كليهما (3) ، وهذا النمط النوعي من الحب ، هو أحادي بطبيعته، وقادر على الدوام والاستمرار ويقوم على العلاقات الودية ، والتقاء العواطف والميول ، وغير قابل للوجود في إطار توجه قصدي إرادي ، قائم على الخصوصية ، التي تدفعنا إلى الارتباط بهذا الكائن الإنساني المحدد ، لا غيره وهو يتميز تميزا شديدا عن مجرد الأحاسيس الناشئة عن "الاحتياج " الجنسي .
كتب انجلز " .. إن الحب الجنسي الحالي يختلف اختلافا جوهريا عن الرغبة الجنسية.. فهو أولا يفترض عند الكائن المحبوب حبا متبادلا ، والمرأة في هذا الصدد مساوية للرجل... ثانيا، يبلغ الحب الجنسي قوة وحدة تجعلان الطرفين يتصوران الانفصال واستحالة الوصال بلية كبيرة إن لم تكن أفدح البلايا، فيقدمان على مجازفة ضخمة ، بل إنهما يعرضان حياتهما للخطر لمجرد أن يملك أحدهما الآخر . " (4)
إن الماركسية تقف ضد الزواج البورجوازي، والارتباط البورجوازي ، القائم على أساس المصلحة الاقتصادية ، والاعتبارات التي تتعلق بالمركز الاجتماعي ، وتراه نوعا من أنواع الدعارة المقنعة لكن "بسعر الجملة " ، وهي ترى أن الزواج القائم على الحب ، هو وحده الزواج الأخلاقي ، الزواج القائم على الحب الجنسي الفردي ، وهو بطبيعته زواج أحادي، وهذه الأحادية ، لن تزول أيضا ، في المجتمع الشيوعي، مع شيوع وسائل الإنتاج ، فالوعي ليس انعكاسا مباشرا ميكانيكيا للأساس الاقتصادي، بحيث يترتب على شيوع وسائل الإنتاج شيوع النساء ، فالبناء الفوقي لنظام اجتماعي ما ، وإن كان مشروطا بالأساس الاقتصادي، إلا أن له درجة استقلاله النسبية .
لقد كان ماركس وانجلز، يعرفان تمام المعرفة الأفكار المتطرفة لبعض السان سيمونيين الذين كانوا يعظون بنظرية "الثابتين" الذين ولدهم نظام الزوجة الواحدة ، و"المتقلبين" الذين لا يمكنهم التلاؤم إلا مع زواج " قصير الأمد " وكان ماركس وانجلز يفهمان تمام الفهم أن هذا الهوس الفكري بإيروس المجنح لا يعني أكثر من تمرد طبيعي، ولو غير مستحب كثيرا ضد الزواج البورجوازي ، وضد جميع قيوده، لكنهما كانا يفهمان أيضا أن تطور الحضارة وانتصار الإنسانية على الحيوانية سيؤديان إلى إيجاد أشكال جديدة من المعاشرة الجنسية المشروطة بالتطور العام للرجل والمرأة على حد سواء ، والنافية لكل عنصر من عناصر الحيوانية والبغاء. (5)

إن الترجمة المحلية لدينا، لنظرية الزواج "القصير الأمد" ترتدي شكل العلاقات التكتيكية، ذات الطابع العرضي ، المؤقت المشروط التي تنفي كل ارتباط دائم ، وتؤدي إلى نشوء أخلاقيات المبغى "الثوري". إذا تصورنا دورة واحدة من التنقلات ، لقد عرى ماركس وأنجلز كل أشكال القهر الاقتصادي الذي تفرضه الرأسمالية على العلاقة بين الرجل والمرأة ، وأدانا كذلك التمرد الفوضوي على الزواج البورجوازي ، حين ارتدى هذا التمرد شكل إدانة لواحدية الزواج ، والتحدد الوجداني ، والنظر إلى المرأة لا من خلال وظيفتها الاجتماعية ، وإنما من خلال وظيفتها الجنسية ، حتى لو كان ذلك مجرد رد فعل ضد الرياء البورجوازي الأخلاقي ، لقد وصف ماركس وأنجلز هذه الآراء بكونها شيوعية جلفة تدعو إلى شيوع النساء ، من حيث منطقها العملي ، وإلى إباحية عامة تؤدى باسم الحب الحر وتحت رايته إلى "بغاء عام" ذو طابع أكثر أناقة ، ويكمل مقولة الزواج القصير الأمد ، أو العلاقات التكتيكية من ناحية أخرى، تلك المقولة التي تتحدث عن " الاحتياج الجنسي " أو أن العلاقة العاطفية ، والاتحاد الروحي بين كائنين إنسانيين يمكن أن ينشأ من خلال ممارسة مادية جنسية ، أو بمعنى آخر، أن " الأساس المادي" في العلاقة هو الصلة التي تنشأ بين عضوي تناسل ، حيث ينبثق تلقائيا وفيما بعد، على هذا الأساس "المادي العلمي"، الارتباط الوجداني، الذي يقوم على توهم أن الحب الجنسي الفردي، لا يتميز عن الرغبة الجنسية ، ويساوي بين هذا "الاحتياج"، وبين الاحتياجات الأخرى، كالغذاء، وشرب الماء، والتنفس بل والتبول أيضا ، إن هذا المفهوم يضع حاجة طبيعية كالغذاء على صعيد واحد مع الغريزة الجنسية ، متجاهلا أن ما يلبي الاحتياج إلى الغذاء هو مجرد شيء ، بينما ما يلبي الثانية هو "كائن إنساني، كائن فاعل، قابل للألم ، كائن اجتماعي" .
كتب دافيد ريازنوف : ليس كل تزاوج زواجا . والقرد قريب من الإنسان ، ولكن على الإنسان ألا يبقى في مستوى تطور الفرد . وإني لأكرر الفكرة التي صاغها ماركس "الإنسانية تتحرر"، عليها أن تتحرر من قوانين الطبيعة لكنها تجعل حاجاتها الحيوانية كافة إنسانية وهي تخضعها للعقل، وعديمو الإدراك أخلاقيا هم وحدهم الذين يمكنهم أن يتغنوا بتلك النزعة المادية التي لا تميز بين تلبية الجوع وتلبية الغريزة الجنسية ، فموضوع الحاجة الأولى موضوع خامد، وموضوع الحاجة الثانية كائن إنساني قادر على التمتع والتألم .
إن الغريزة الجنسية تكون في درجة محددة من التطور الفيزيولوجي احدى الشروط الرئيسية لتفتح القوى الجسمانية ، والأخلاقية . لكن من الضروري ألا تشكل تلبية هذه الغريزة سوى إحدى العلاقات التي لا تكون الحياة الإنسانية بدونها كاملة ، بيد أن هذه الظاهرة يجب ألا تعتبر أبدا هدف الحياة الإنسانية . ذلك أن الشكل الأكثر تطورا من الزواج الفردي ، القائم على الاحترام المتبادل ،وعلى المساواة الاجتماعية التامة بين الشخصين المختلفين فيزيولوجيا هو وحده الذي يحول الغريزة الطبيعية إلى لحظة من لحظات الاتحاد الروحي ، على حد تعبير ماركس ( 6) حقا إن مشاعر آلهة الأوليمب بينهما لا تهبط فجأة من السماء، لكنها من ناحية أخرى، لا يمكن أن تنشأ بمجرد إقامة نوع من العلاقة الكاملة من اللحظة الأولى ، إنها تقتضي فترة من التعارف ، يستطيع كل طرف أن يدرك مدى التوافق ، مدى تشابه الميول والعواطف، إمكانية تناسق تكوين فردين متمايزين ، حتى ولو كانت تجمعهما أرضية فكرية سياسية مشتركة . فهذه الأرضية لا يمكن أن تخلق آليا لحظة من لحظات " الاتحاد الروحي " ولا يمكن أن تجمع بين هبة الذات وبين مثل أعلى يتجاوز الحب بالذات ، وليس غريبا أن تبدو مثل هذه العلاقات التي تنشأ على هذا الأساس بعد فترة قصيرة، كعلاقات غير مطورة ، أو معوقة ، بل وحتى غير قابلة للنمو ، وذلك أن جدران الإحساس بالاغتراب الناتجة عن عدم المعرفة الحقيقية سرعان ما تتعالى عارضة سحبا سوداء ثقيلة، تنوء تحتها مثل هذه العلاقة . وتحت وطأة هذا المفهوم الذي يمتد حتى يحبذ "التجريبية" يمكن أن تنشأ أشكال الدعارة العادية في غياب الماركسية ، وأن تتفتح هذه الإباحية التي تعكس فساد المجتمع البورجوازي ، وتؤبد عجز الفرد عن أن يتحقق لوقوعه تحت سيطرة الغريزة التي لابد أن يصبح عبدا لها اذا ماتبنى مثل هذه المفاهيم .
إننا نرى مع لينين أن هذه الوفرة من النظريات الجنسية التي ليست في معظمها سوى فرضيات تعسفية تنبع من ضرورات شخصية تماما ، أي من حاجة المرء إلى تبرير حياته الشاذة أو غرائزه الجنسية المشتطة في نظر الأخلاق البورجوازية وإلى استصدار قرار بالعفو عنها (7) . لقد كان لينين لا يثق بهؤلاء الرفاق الذين ينغمسون في إثارة القضايا الجنسية على حساب النشاط السياسي الحزبي ، وكان يقول عنهم أنهم يغرقون مثلما يغرق الفقير الهندى قي تأمل سرته وكان يرى في ذلك احتراما مقنعا للأخلاق البورجوازية مثير للاشمئزاز . إن ذلك العمل ، رغم المظهر الثوري والمتمرد الذي يحاول الظهور به هوبالفعل بورجوازي تماما ، و يثار من قبل المثقفين والأوساط القريبة منهم ، ولا يوجد مكان له في الحزب وسط البروليتاريا التي تملك الوعى الطبقي والتي تقوم بالنضال (8) .
إن النظام الاجتماعي القائم يبدأ في التصدع مع تنامي قدرة الحركة الثورية ، ويتضافر مع ذلك أيضا بدايات تداعي أفكاره وعواطفه القائمة على المصالح الاقتصادية ، وفي سياق النضال ضد هذا النظام والوقوف بحزم ضد مفاهيمه عن الزواج ، تنمو تباشير مفاهيم جديدة للعلاقات بين البشر، لن تجد تحققها الكامل إلا في النظام الاشتراكي والشيوعي . إن الصراع الطبقي، ووعي الطبقات الكادحة بذاتها ، وخوض النضال الثوري تزعزع كل القيم الأيديولوجية البورجوازية ، وتبرز ببطء قيما حديثة كثمرة للنضال ذاته. ولا يمكن للوعي الشيوعي أن يتطور إلا عندما يخلق البشر لأنفسهم شروطا محددة ، وتعدل من الممارسة باتجاه محدد ، وهذا غير ممكن إلا بواسطة الثورة ، وهذه الثورة ضرورية لا لأنه يستحيل بصورة أخرى إسقاط الطبقة السائدة فحسب ، بل أيضا لأن الطبقة التي تلغي القديمة لا يمكن أن تطهر نفسها من كل ماعلق بها من المجتمع القديم وتصبح قادرة على خلق مجتمع جديد إلا في مجرى الثورة ، وبعبارة أخرى، يتوجب على البروليتاريا أن تطهر نفسها في مجرى الحرب الأهلية ، والثورة من كل وحل المجتمع البورجوازي القديم ، وأن تحرر نفسها من كل آثار التصورات النتنة (9) . فإذا كان المجتمع البورجوازي يرسب فينا ميراثا مشوها، فلا يجب أن نؤبد هذا الميراث ، ولا أن نبرر به سلوكنا، لأن هناك نموذج شيوعي، هو مثلنا الأعلى الذي يجب أن نتمسك به ، وأن نرتقي إليه وهذا أمر لا يمكن أن يتم بسهولة ، وإنما يقتضي نضالا ثوريا ، ضد المجتمع الذي يشكل أساس هذه المفاهيم ، التي تبرز فينا كنواقص خاصة ، لا تنتفي تماما إلا في أعقاب القضاء على النظام ، وبعد تصفية بناءه الفوقي، وتنامي بناء فوقي جديد ، لمجتمع اشتراكي ، وليس معنى هذا أن ننتظر المجتمع الاشتراكي حتى نتمسك بهذا النموذج الشيوعي فمثل هذا المفهوم يعكس تصورا بأن القيم ترتكز ميكانيكيا على الأساس الاقتصادي ، ووفقا له مادام المجتمع الشيوعي لم يأت بعد، ومازلنا في إطار المجتمع البورجوازي، فلا بد، وهذا حتمي ورغم إرادتنا ، من أن نتبنى قيمه . إن هذا المفهوم يغفل دور الوعي تماما ، ولا يرى النموذج الشيوعي الذي يجب أن نتشكل على أساسه ونحن نقف ضد المجتمع البورجوازي ، فليست العلاقة بين الجنسين مجرد تعبير عن الحركة بين الاقتصاد الاجتماعي ، والحاجات الفيسيولوجية ، فالسعي إلى حصر تغير هذه العلاقات بحد ذاتها في القاعدة الاقتصادية للمجتمع مباشرة بمعزل عن علاقاتهما العامة بالأيديولوجية كلها لن يكون بالماركسية بل العقلانية. (10)
لقد واجه لينين مفاهيم مماثلة أو متقاربة مع تلك المفاهيم التي ظهرت في واقعنا ، وفي عام 1915 ناقش اينيسا أرمان حول مفهومها عن الحب الحر، وانتقد ما يمكن أن يؤدي إلى خلطه بالمفهوم البورجوازي . وفي أعقاب انتصار ثورة أكتوبر، كان على لينين أن يناظر مرة أخرى، ضد الشباب الذي يحمل مفاهيم خاطئة تحت رايات جديدة ، ففي مقال كلارا زتكن، قال لينين : إن التغيير الذي حدث في الأسلوب الذي يواجه به الشباب قضايا الحياة الجنسية ، لاتتوانى من حيث المبدأ عن الرجوع للنظرية . والكثيرون منهم يصفون موقفهم "بثوري" و"شيوعي" . إنهم يعتقدون بإخلاص أن ذلك حق . وانا اكبر سنا من ان يفرضوا على ايمانا كهذا . وبالرغم من أنني بعيد عن شخصية الراهب القاسي ، يبدو لي أن ما يسمى "بالحياة الجنسية الجديدة" للشباب ، وأحيانا حتى عند الراشدين ، تظهر لي غالبا وكأنها بورجوازية صرف ، أو مظهرا من مظاهر الماخور البورجوازى ، ليس لكل ذلك علاقة ب " حرية الحب " كما نفهمه نحن الشيوعيون . أنت تعرفين دون شك تلك النظرية الشهيرة القائلة بأنه في المجتمع الشيوعي بإمكان الشخص إرضاء شهوته الجنسية وحاجته للحب بنفس السهولة التي يشرب بها كأس الماء . إن نظرية "كأس الماء" هذه قد أضاعت عقول شبابنا. وقد أصبحت هذه النظرية شؤما لكثير من شبابنا وشاباتن ا. إن أنصارها يزعمون أنها ماركسية ... فشكرا لمثل هذه الماركسية التي ترى أن كل الظواهر والتغيرات في البناء الفوقي للمجتمع تنتج بشكل مباشر وعفوي من القاعدة الاقتصادية وحدها . إن القضية أعقد مما يظنون . لقد وضح شخص يدعى فريدريك أنجلز منذ زمن بعيد مثل تلك الحقيقة فيما يتعلق بالمادية التاريخية. (11)
ويواصل لينين نقد نظرية كأس الماء : "إنني أعتبر نظرية "كأس الماء" الشهيرة غير ماركسية إطلاقا ومعادية للمجتمع فوق ذلك . ففي الحياة الجنسية لا يظهر ما أعطته الطبيعة وحسب ، بل وكذلك ما تجلبه الحضارة من أشياء وضيعة أو سامية ، ففي أصل الأسرة يركز انجلز على أهمية كون الغريزة الجنسية البسيطة قد تطورت وصُقلت حتى أصبحت حبا فرديا . (12)
إن ما قلناه آنفا، ربما اتخذ أكثر مما ينبغي طابع الاستشهاد بنصوص انجلز، وتعليقات لينين، وآراء بعض الكتاب الماركسيين ، وقد كان ذلك ضروريا من ناحية جوهرية لتبيان أن هذه القضية في الماركسية ليست مسألة مفتوحة ، ولإثبات أن هناك موقف محدد فيها ، من ناحية أخرى يقودنا هذا إلى القول بأن كل النظريات والمفاهيم التي ظهرت من جانب بعض الرفاق مثل نظريات "التوجه القصدي" والميول الإرادية" و"صلاحية أي مناضل للارتباط بأي مناضلة "، وإعادة ترتيب الأوضاع ، إلى "التباديل والتوافيق " ، كل هذه في مجملها نظريات معادية للمفهوم الماركسي تماما ، ونود حقا من هؤلاء الرفاق أن يعفونا قليلا من ماركسيتهم .
لقد انعكست هذه المفاهيم في حالات نادرة على علاقة بعض الرفاق ببعض الرفيقات مما ولد أحقادا شخصية من الممكن ان تحول دون مارسة عملهم الحزبي السياسي ، وهذه المفاهيم ذات الطابع الفوضوي جديرة بأن تشوه علاقة الرفاق بعضهم ببعض ، أن تخرب عملهم الحزبي الجماعي ، أن تفقد كل منهم احترامه أمام ذاته وأمام الآخر ، ثم إنها تحول قضية العلاقات الخاصة إلى الشاغل الأول في جداول وأولويات نشاطنا . وقد كان لينين لا يضمن الأمانة والصلابة في نضال امرأة تخلط بين مشاكلها القلبية والسياسية ، أو رجل يسعى وراء المغامرات و يقع في مصيدة دجاجة غبية، وكان يعتبر ذلك مناقضا للثورة ، لأن الثورة تتطلب من الجماهير ومن الفرد تركيز القوى ، ومن ناحية العمل الجماهيري ، فإن الجماهير لا يمكن أن تثق في عضو أو قائد حزبي ، يتبنى مجمل تلك المفاهيم التي عرضناها آنفا ، بالإضافة إلى أن هذه المفاهيم تستخدم كمادة خصبة في التشهير السياسي البورجوازي ضد العمل الشيوعي ، وذلك له نتائجه الفادحة من ناحية تقليص مجالات نشاطنا وعملنا . إن جرائم خطيرة يمكن أن ترتكب بمنطق هذه المفاهيم ، ضد الرفاق الثوريين أو رفيقة معتقلة . لا يمكن اقرار ان على المرء الا ينتظر، مثلما لا ينتظر على إشباع جوعه ، أو عطشه ، على أساس أن هذا الاحتياج ، هو احتياج مادي موضوعي، ولنحاول أن نتأمل قليلا مدى ما يمكن أن يصيب عملنا من نخريب إذا تم تطبيق هذا في الممارسة العملية ، إننا نطالب الرفاق جميعا بأن يناضلوا ضد هذه المفاهيم ، حيث تظهر وأن يصروا على إبراز المفهوم الماركسي في وجه كافة أشكال الانحراف الفوضوي البورجوازي
* الصراع (نشرتنا الداخلية – العدد التاسع) 20 أغسطس سنة 1975
لم ينشر المقال باسم قلم حيث لم تكن اسماء الاقلام قد استخدمت بعد . وكاتب المقال هو الرفيق سعيد العليمى – فعقب اعتقال جزء من اعضاء الجنة المركزية هم : ابراهيم فتحى وخليل كلفت وسعيد العليمى تولى القيادة جيل ماركسى مناضل شاب فى الفترة بين 1973 – 1975 . وقد ظهرت الاراء التى تعرضت للنقد هنا فى هذه الفترة . ولعب المقال دورا هاما فى تقييدها وان لم يقضى عليها .
ملاحظة : ارقام بعض الصفحات الخاصة بالمصادر غير دقيقة فقد وضع بعضها مكان اخرى ، كما لم تذكر اسماء المصادر كاملة فلزم التنويه .
(1) حول الدين – ماركس انجلز – مقال رؤيا القديس يوحنا – أنجلز ص 156 ترجمة زهير حكيم - دار الطليعة – بيروت – مايو 1974 .
(2) لينين .
(3) كتاب "المرأة والاشتراكية" مقال حدود التصور الماركسي في مشكلة المرأة ، فرانسواز دوبوف ص ص 95 - 115 ترجمة جورج طرابيشى- دار الآداب – بيروت . 1973 .
(4) مختارات ( فى اربع مجلدات ) – ماركس أنجلز- الجزء الثالث – دار التقدم ، موسكو
(5) كتاب المرأة والاشتراكية- مرجع سابق – مقالة الشيوعية والزواج – دافيد ريازانوف– ص ص 33 – 69 .
(6) كتاب المرأة والاشتراكية – مقال لينين والحياة الجنسية- بقلم كلاارازتكن– ص ص 71 – 87 .
(7) المصدر السابق – ص76 . وكذلك كتاب لينين والمرأة – تعريب زينب نبوة – إصدار دار الجماهير – بيروت –
(8) ... ذكرياتي عن لينين –كلارازتكين– ص151.
(9) كتاب المرأة والاشتراكية – مقال الشيوعية والزواج – دافيد ريازانوف– ص 48.
(10) لينين والمرأة – تعريب زينب نبوة – إصدار دار الجماهير – بيروت – مقال ذكرياتي عن لينين –كلارازتكين– ص159.
(11) نفس المصدر السابق – ص199. (12) نفس المصدر السابق – ص159 .