من يملك التعليم ، يملك المستقبل...!


عمران مختار حاضري
2021 / 11 / 10 - 21:25     

من يملك التعليم يملك المستقبل :

*... من المعلوم أن أمراض المنظومة التعليمية و التربوية عامة هي انعكاس مباشر لفشل و فساد منظومة الحكم في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و الثقافية و الأخلاقية و زيف التحديث و هشاشة البديل الحداثي الديموقراطي الحقيقي... في ظل التبعية النيوليبرالية الرثة و الحفاظ على خيارات متازمة ثار ضدها الشعب على إيقاع تداعياتها المدمرة خاصةً الاقتصادية والاجتماعية و السياسية حيث التهميش و الإقصاء الاجتماعي و التفقير الممنهج و شيوع ثقافة الياس و الإحباط و انسداد الآفاق خاصةً في أوساط الشباب حيث إنتشار ظاهرة المخدرات و العنف و البذاءة حد الرعاعية و السادية الكلامية... و الانتحار و الجريمة التي طال مداها الوسط المدرسي فضلاً عن تدني المستوى التعليمي و الانقطاع المبكر عن التعليم ( تشير بعض الإحصائيات إلى انقطاع أكثر من مائة ألف سنوياً عن التعليم في تونس خلال السنوات الأخيرة لعدم القدرة على مجابهة مصاريف التعليم...) كما أن التعليم العمومي جرى ويجري تدميره قصديا لفائدة لوبيات الاستثمار الخاص و أصبح لدينا تعليم للأغنياء و تعليم للفقراء...!
* نحن لا نعول اطلاقا على هكذا أشباه حداثيين شكلانيين مزيفين تبعيين، الذين اكتوى الشعب بحكمهم الفردي المطلق لعقود على جميع الأصعدة و الذين جمعوا بعد الثورة بين المبايعة الإخوانية و الإسناد الأجنبي...!
*وهؤلاء الإخوان بقيادة حركة النهضة الذين سعوا طيلة عشرية حكمهم المدمر إلى" أخونة المجتمع" حيث انتشرت "الجمعيات الخيرية" و فتحت البلاد إلى شيوخ الفتنة و التكفير و استشراء الفساد و الإرهاب و الاغتيالات السياسية و الاختراقات الأمنية و "المصارف الإسلامية" و رياض الاطفال القرآنية و إدراج تدريس مادة " المالية الإسلامية" و إنتشار الكتاتيب و التخطيط لمشروعهم في " الحبس على التعليم" كما هو الشأن في عدة بلدان خليجية عنجهية متخلفة و إنتشار الكتب الصفراء و دروس و منشورات قروسطية تعادي قيم العصر و العقلانية و التقدم بتاطير الإخوان و ما يسمى ب المجلس الأعلى لعلماء المسلمين فرع تونس ...!
*كما لا نعول أيضاً على الشعبوية المحافظة الناشئة التي لا تتخطى المواءمة بين الأصالة والمعاصرة و هي أقرب ما يكون إلى ظاهرة "إسلام السوق" هذه الظاهرة التي تشكلت على أنها إعادة تسييس الإسلام من غير الإسلاميين التقليديين ... ذلك أن "إسلام السوق" يعني جوهرياً إعادة تسييس الدين على أسس نيوليبرالية تماماً في ظاهرة شبيهة ب "التيار الاءيماني لدى المحافظين الجدد" في امريكا و إعادة الأسلمة هذه أو إعادة التسييس لا تعني التمهيد لإقامة الخلافة طبقا للشعارات الكلاسيكية الاسلاموية إنما هي في جوهرها قناة لخصخصة الدولة و التخلي عن دولة الرعاية الاجتماعية بشيوع اشكال تديين فردي خارج حركات الإسلام السياسي التقليدية و لا يشكل بديلا عنها بنفس الوقت ... ! إنه شكل تديين متكيف مع الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي ، منفتح على العولمة و لا يختلف طبقيا على الاسلامويين كما الحداثويين الزائفين بل يكرس نمطاً من ثقافة إسلامية جديدة...! إنه مزيج من " النزعة الفردانية المتعولمة و نزع للقداسة عن الإلتزام التنظيمي المعهود بما يتضمنه ذلك من التخلي عن الشعارات الكلاسيكية الاسلاموية الكبرى التي تتمحور حول" الإسلام هو الحل" و هو بالمحصلة عملية "برجزة داخلت عملية الأسلمة" ...! *و بناءً عليه يتحتم على الأطياف التقدمية العلمانية المستنيرة الناهضة و الديموقراطية الشعبية الاجتماعية الصادقة في الذود على مكاسب دولة الرعاية رغم جزيئتها و محدوديتها و الذود على المدرسة العمومية والعمل الجاد على نشر قيم العقلانية و التنوير و ضبط استراتيجية شاملة تهدف أساسا إلى إصلاح و تعصير مناهج التربية والتعليم و دمقرطة التعليم و علمنة المجتمع كي ننهض و نتقدم... فكلما ارتقى الإنسان بعقله ، كلما تراجعت انتماءاته الضيقة للقبيلة و العرق و الدين و التعصب... و أصبح أقرب للإنسانية حيث لا يصنف البشر الا من خلال سلوكاتهم و مواقفهم المواطنية التشاركية و الأخلاق العقلانية الاجتماعية و المبادىء الإنسانية القيمية ...
* فالمجتمعات التي لا تفكر لا تنتج أفكارا معروضة للنقاش و حتى شبه الأفكار هي شبه مقدسة بصفة عامة، في ظل إنتشار التعصب و التكلس و ثقافة الشتيمة بدل النقد العقلاني الموضوعي العلمي... هذه المجتمعات، التي عادة ما تكون مناهج التعليم فيها غير عقلانية ، غير علمانية ، غير ديموقراطية و غير عصرية و تنويرية المضامين ،غير شعبية ، و غير محمولة بقيم الحرية والعدالة و المساواة و التقدم بوجه ثقافة السوق الإستهلاكية التي تحاكي الجسد و القوة و العنف و السطحية و الاءثارة و المشيئة للعلاقات و الروابط الإنسانية الراقية الهادفة إلى النهوض بالوعي الجمعي و الذوق العام و تنمية الخلق و الجمالية و الإبداع ...! حيث تكون مرتعا لانتشار الخرافة و الرداءة و نفي للعقل و التاريخ ( يذكر أن أكثر الكتب مبيعا في مجتمعاتنا هي كتب الطبخ و الموضة و الأبراج و تفسير الاحلام...! و هذا دليل قاطع على أننا أمة تأكل و تنام...! و لا تتوفر على إنتاج علمي و معرفي و ثقافي يليق بها ، و بتقدمها و نهوضها)... و فضاءا لتغول أشباه المثقفين و السياسيين الفاسدين و الإعلاميين المضللين والحداثويين المشوهين و التجار الدينيين و الشعبويين المحافظين الهلاميين... ! و تكون بوءرة للعنف و الأفكار الغبية و المتسلطة و المتعصبة و ما أكثر هذه النماذج في مجتمعاتنا.... !

عمران حاضري
10/11/2021