الظاهرة السارترية ح12 مفهوم الصراع والحرية بين هيجل وسارتر ج2


عباس علي العلي
2021 / 11 / 9 - 22:13     

لقد أسس سارتر مبدأه الأخلاقي في رفض الصراع الضدي أو التناقضي الإقصائي من فهم فلسفة هايدجر التي فهم من خلالها (أن الآخر هو الوجه الثاني حيث يقول " إن الآخر هو الوجه الثاني للموجود الإنساني")، فالعلاقة مع الآخر عند هايدجر موضوع طبيعي لا تحتاج إلى وساطة أو دليل لإثباته، وأن الشخص في حياته اليومية يوجد مع الغير دون أن يكون الأنا والغير خطرا على نده، وأن الغير في نظر هايدجر هم عامة الناس الذين نحيا وسطهم ونتعامل معهم دون مخاوف أو وساوس أو قلق، وهذا ما يجعل هايدجر يؤكد أن الشخص في حضور الغير يصير لا أحد ولا يتحول لعدم، فالغير عند هايدجر لا يشكل تهديدا للأنا بل وأنه ضروري للأنا في الحياة اليومية لأستمرارها لأنه كائن اجتماعي، مما يعني أن وجود الغير ضروري للذات وغيابه يدخل الذات في عزلة ووحدة دائمة.
إن السمة الجوهرية في فكر سارتر تجاه الحرية وربطه بالمسئولية الأخلاقية لقيمة الحرية تجعل منه رائدا حقيقيا للقيم العليا للإنسان ويقترب بذلك من المثالية الأخلاقية، هذا التمييز في تقديم مفهوم المسئولية يعد واحدة من أهم عوامل نجاح سارتر في تحريك العقل الفلسفي وإنعكاس ذلك على المزاج السياسي والفكري لجيل اليسار ما بعد الحربين العالميتين ليس في فرنسا وحدها بل حتى في منظومة الفكر اليساري العالمي، من هنا نؤشر هذه الخصيصة والميزة التي يلاحظ فيها ليس فقط أبتعاده الحقيقي عن فلسفة الوجودية التقليدية من جهة ومن ضمنها الفكر الماركسي الذي حاول أن يصحح من مساراته الواقعية، كذلك أبتعاده عن الخط القومي المتشدد الذي يتمثل بسطوة الفكر الأوربي الذي ينعت عند بعض المفكرين بالتوجه الحضاري لمجتمعات النهضة الأوربية التي بررت وساندت الأستعمار الغربي للشعوب المقهورة والمضطهدة، وأسس من حيث لا يلاحظ الكثيرون من دارسي علم الأجتماع السياسي أفكار التسامح والتلاقح الحضاري بين الثقافات والحضارات الإنسانية بوحدة العامل البشري الحر المتساوي في صنع عالم الحداثة الفكرية والحضارية.
لفد ركزت رؤية سارتر للإنسان من خلال كونه موجود بما يعني أن التركيز على أهمية الوجود تعنى أيضًا أن المرء كذات لا يستطيع أن يضع «طبيعة» أو «ماهية» خاصه له، يوجد أولا ومن ثم يبدأ في استنتاج ما يترتب على هذه الطبيعة الإنسانية من نتائج، إنه سوف يكون على نحو ما يصنع من ذاته عبر الوعي والفعل "السمو" بهذه المكونات الوجودية التي أقوم بها، والمواقف التى اتخذها والأفكار التى اعتنقها هي التى تحدد «ماهيتي»، أي تحدد مَنْ أنا، بخلاصة أن قانون وجودية سارتر يتضمن المعنى التالي ( الإنسان كماهية لا يمكن أن يكون ذات حقيقية حتى تتعرف الذات على نفسها، وشرط أن يكون هذا التعرف عن طريق الحرية التي هي كمعطى أساسي يدفع بالوعي ليكون هو الحاسم في تشكيل الجوهر الحقيقي له).
هذا القانون يناقض تماما منهج هيجل الذي يقدم الذات كعنصر أساسي تتفاعل داخله الواقع بتناقضاته وتأثيرات الواقع والطبيعة ملخصا ذلك بما يسميه عملية الوحدة العقلانية (أن الميزة الأساسية للإنسان هي "الوعى بالذات" وأن هذه السمة "تجعله قادرا على الارتداد إلى ذاته"، وهى نفسها جوهر الفكر الذى يعنى الانعكاس أو الارتداد)، بين الوعي بالذات الهيجلية وبين التعرف على الذات السارترية تكمن المفارقة في تقدير دور الحرية، فعند هيجل الوعي يعني الذهاب إلى طريق الحرية عن طريق صراع المتناقضات، أما التعرف على الذات السارترية فتعني ضرورة وجود الحرية لفهم الصراع وإستيعابه على أساس وحدة الوجود بين نظام كلي يتحرك وفق قوانين كلية، فمتى ما كان الصراع ضروري فيخاض على أساس هذا بحرية، وإن لم يكن الصراع وجوديا وضروريا فيتحول إلى أستعباد وقهر مناقض لمبدأ الحرية الإنسانية الوجودية.
بقول الدكتور حسين علي في مناقشته لمفهوم الحرية السارترية إنها من جنس الرفض والتمرد الفكري ضد عبودية الإنسان (إذا نظرنا إلى هذه الفلسفة من خلال إطارها التاريخي، فسوف نعرف كيف أنها جاءت احتجاجًا ضد العبودية، ودفاعًا عن الحرية، ولكنها تتضمن فهمًا معينًا للعبودية والحرية، فهذه الفلسفة ترفض كل ما من شأنه أن يضطر الفرد إلى فعل معين، سواء أكان ذلك باسم قيم عليا أخلاقية أم سياسية، أو باسم التقاليد أو حتى باسم الضرورة الواقعية) ، إنها بمعنى أخر رفضا للفكرة الهيجلية القائمة على تناغم الحرية والعبودية كونها ضرورة طبيعية ووجودية وفق ما سماه نظرية العبد والسيد.
يرى سارتر بأن الحرية قدر الإنسان هذا القدر متاح دوما مع الإرادة والخيار، فالحرية ليست عرضا ولا هي إنفلات من جهة ولا فرض قسري من جهة أخرى، الحرية عند سارتر والبعض من الوجودين خيار يمكن التعامل معه أيضا بحرية فالإنسان يمكنه أن يكون حرا دوما لو أراد، لكن لا يجب أن تفرض الحرية قهرا لأنها تتحول إلى قيد أخر أو تترك بلا حدود فتتحول إلى صراع وجودي، الحرية السارترية حرية واعية ومنتجة بالمسئولية وبغر ما تستشعر المسئولية لا يمكنها أن تكون حرية وجودية حقيقية، الحرية فعل ونتاج الفعل هو الأهم عند سارتر وعليه من الضروري أن يصدر الفعل عن حريتنا وعن إرادتنا، فالفعل الإنسانى يفترض الحرية وهو تعبير عنها ينتظر تحققها ليفعل كما عند هيجل من أن صراع الوجود التأريخي هو صراع من أجل نيل الحرية التي من خلال الوعي بالذات وهو الأهم لتصبح الذات كائن متكامل يمكنه أن يعبر عن وجوده بتلك الحرية التي حصل عليها.