تونس: غول العنف في مؤسسات تعليم المقهورين


بشير الحامدي
2021 / 11 / 9 - 16:46     

ظاهرة العنف ليست بجديدة في مؤسساتنا التعليمية وفي مجتمعنا بصفة عامة وفي كل المجتمعات. والظاهرة تتسع وتتقلص، وهو أمر طبيعي، باتساع وتقلص الدور الذي يوكل للمدرسة في المجتمع. ومدرستنا وللأسف فقدت، وهذا منذ عشريات الدور المفترض أن يوكل لها.
لم تعد المدرسة سلما للترقي الاجتماعي. لقد فقدت دورها هذا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي وصارت فضاء لإنتاج جيش من المقصيين "فائض بشري" لا تحتاجه سوق ماكينة الدولة الإنتاجية والبيروقراطية.
لم تعد المدرسة كفضاء وكمجال في أذهان مرتاديها من الناشئة المؤسسة التي يمكن أن تمثل حلقة وصل لابد منها للاندماجهم في المجتمع وتحولت إلى فضاء "عمومي" متروك لا ينتج سوى الشهائد التي لا قيمة لها ولا قيمة لحاملها.
لقد تحولت المدرسة، وتحديدا المدرسة العمومية، إلى فضاء لغير القادرين على تمويل تعليمهم، فضاء لا يرتاده سوى أبناء العائلات الفقيرة الذين لم تجد عائلاتهم غيره لتمكين أبنائهم من تحصيل قدر من التعليم "الرث" يعلمون جيدا أنه لا يؤدي لغير البطالة والتهميش.
إن ظاهرة العنف الذي غزى مؤسساتنا التعليمية يجب البحث عن أسبابه أولا هنا في الأوضاع التي أصبحت عليها مؤسساتنا التعليمية وفي حقيقة الأهداف التي أصبحت موكولة لهذه المؤسسات في ظل سياسات قائمة على إبعاد وتهميش وإقصاء الأغلبية.
هذه هي سياسة "مدرسة الغد" وماذا أنتجت
هذا هو منتوج سياسة عولمة التعليم وهذا ماذا أنتجت هذه السياسة في بلد مثل بلدنا:
مائة ألف منقطع كل سنة
مئات الالاف من أصحاب الشهائد المعطلين
فضاءات تعليمية خربة شبيهة بالسجون
إطار تعليمي بلغت نسبة التشغيل الهش فيه نسبا عالية (أكثر من 30 ألف بين معلمين وأساتذة)
إدارات مركزية وجهوية بيروقراطية ينخرها الفساد
برامج تعليمية مفرغة من كل محتوى بعيدة عن تمثل احتياجات المعنيين بها.
ماذا نتصور أن ينتج خراب بمثل هذا الحجم؟؟؟
لا شك لن تنتج غير العنف والجريمة وكل أنواع الانحراف!!!
ماذا نتصور أن تنتج المدرسة العمومية في بلد مثل بلدنا صارت كل القيم فيه تقريبا قيما تنتجها السوق وينتجها السماسرة والفاسدون والمهربون!!!
ماذا نتصور أن تنتج المدرسة في بلد مثل بلدنا صار فيه كل شيء منهار من الدينار إلى الفعل السياسي إلى الخدمات إلى القيم وكل الرمزيات!!!
الأستاذ والمعلم لم يعد لهما من مكانة أمام المهرب والسمسار وصاحب المال الفاسد.
القيم أيضا سلع وتسود حينما يسود أصحابها وفي مجتمعنا يسود الفساد ويسود أصحابه وها هي تسود قيمهم!!!
ماذا نتصور أن يسود؟؟؟
العنف
الجريمة
الفساد
وناشئتنا ليست بمعزل عن كل هذا الذي يجري في مجتمعنا ...
إنها تتطبع به وتتبناه ويصير موجهها.
إنهم يصنعون إنسانا على شاكلتهم ...
أخلاقا على شاكلة أخلاقهم ...
معايير للعيش على شاكلة معاييرهم...
فمن سنحاسب ولمن سنحمل المسؤولية!!!
لا أعتقد أن الأمر يتطلب اجتهادا كبيرا فالمساءلة والمحاسبة أبعد من أن يتحمل وزرها الضحايا ... والتلميذ الذي اعتدى على أستاذه هو نفسه ضحية ... إنها حرب الضحايا في ما بينهم والضحايا في صورة من الصور هم نحن العاجزون أمام كل هذه الانهيارات المتواصلة ...
فلا يجب أن نخطئ العنوان ولنتوجه أين يجب أن نتوجه

09 نوفمبر 2021