سوء ادارة الغاز الطبيعي في العراق وخسائر العراق


عادل عبد الزهرة شبيب
2021 / 11 / 8 - 23:56     

في الوقت الذي لم يهيئ فيه العراق الغاز الطبيعي المنتج من حقوله لتزويد محطات انتاج الكهرباء , نجده يعمل على انشاء المزيد من محطات الطاقة التي تعتمد على الغاز حيث انشأ نحو 26 محطة تعمل بالغاز توزعت في بغداد والبصرة وكركوك وديالى والأنبار واربيل والسليمانية ودهوك والحلة وكربلاء والنجف والناصرية , فماذا يعني ذلك ؟ ويستورد الغاز الى هذه المحطات من ايران بمبالغ طائلة . وبينما يدفع العراق مبالغ كبيرة جدا في استيراد الغاز الطبيعي من ايران فإنه يحرق عشرة اضعاف الكميات التي يستورها من ايران . فماذا يعني ذلك ؟!!!.
تشير التقارير الى ان احتياطات العراق من الغاز تؤهله لأن يحتل المرتبة الرابعة في العالم , ويستورد العراق الغاز من ايران بأكثر من 850 ألف متر مكعب يوميا في الوقت الذي يحرق فيه اكثر من 30 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب يوميا وبدون احتساب احراق الغاز الحر .
تقوم السلطات العراقية بهدر مليارات الدولارات نتيجة حرق الغاز وعدم الاستفادة من هذه الثروة الطبيعية بسبب سوء الادارة والتخطيط والفساد واعتماد نهج المحاصصة الطائفية الذي يهمش ويبعد العناصر الوطنية الكفؤة والمؤهلة والمخلصة .
تاريخيا بدأ العراق بإنتاج الغاز الطبيعي بالتزامن مع انتاج النفط في عام 1927 عندما بدأ تدفق النفط من حقل (بابا كركر) في كركوك , ومنذ ذلك الوقت بدأ الغاز العراقي المصاحب يحرق هدرا دون الاستفادة منه .
يوجد في العراق مصدران للغاز الطبيعي : الأول هو الغاز المصاحب للنفط كناتج طبيعي والذي يتميز استثماره بقلة التكاليف اذ لا يحتاج الى عمليات تنقيب وحفر واستخراج كونه يأتي مصاحبا للنفط المستخرج ويحاج فقط الى مد الأنابيب والتسويق وان 70% من الغاز الطبيعي العراقي هو من الغاز المصاحب . اما المصدر الثاني للغاز في العراق فهو الغاز الحر الذي يتميز استثماره بالتكاليف العالية وذلك للحاجة لعمليات التنقيب والحفر والاستخراج ويشكل نسبة 30% من الغاز العراقي .كما تشير الاحصائيات الى ان احتياطي العراق من الغاز الطبيعي بلغ اكثر من 110 تريليون قدم مكعب يحرق منه 700 مليون قدم مكعب لعدم وجود البنية التحتية اللازمة وسوء الادارة والتخطيط وعجز الحكومات المتعاقبة وغياب الرؤى الاستراتيجية لديها . ونتيجة لزيادة انتاج النفط العراقي من 3 الى 4,5 مليون برميل يوميا , ارتفع معدل حرق الغاز من 13,3 الى 17,8 مليار متر مكعب .
وتفيد التقارير الى ان العراق يهدر حوالي 62% من انتاجه من الغاز بما يعادل ( 196000 ) برميل من النفط الخام يوميا , وفي هذا هدر مالي كبير وهو كاف لبناء صناعة غاز جديدة بالكامل .واشارت شبكة ( روداو ) الى ان شركة سيمنز الألمانية وجدت ان بإمكان العراق ان يوفر خمسة مليارات ومئتي مليون دولار تقريبا خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال تقليص نسبة الغاز المهدور وتوفير اكتفاء ذاتي من ناحية اخرى لما تحتاجه محطات توليد الطاقة الكهربائية التوربينية من وقود الغاز. ومن المفارقات التي تعبر عن سوء الادارة والتخطيط فإنه في الوقت الذي يقوم فيه العراق بحرق غازه الطبيعي يقوم باستيراد بديل المحروق من ايران بنحو 3,5 مليار دولار سنويا . فأي سياسة هذه ؟!!! .كما تشير التقارير الى ان العراق يشتري الغاز الايراني بأربعة اضعاف السعر الذي تطرحه دول اخرى نتيجة الفساد في ملف استيراد الغاز الايراني .
ان حوالي 85% من محطات توليد الكهرباء في العراق تعتمد على الغاز والمشتقات المصاحبة في الوقت الذي يحرق العراق غازه الطبيعي دون الاستفادة منه في محطات توليد الكهرباء . فإذا كان العراق لا يتوفر فيه الغاز الجاهز لتشغيل محطات الكهرباء فلماذا يقوم ببناء محطات غازية تكون كلفتها عالية عندما يستورد الغاز لها من ايران وتتحكم به ايران من خلال قطع امدادات الغاز بحجة الحاجة اليه ؟ ولماذا لا يستثمر العراق الطاقة الشمسية المجانية خاصة وان العراق يتمتع بأجواء مشمسه وطول ساعات النهار ؟!!!.
بحسب مجلة ( ايكونوميست) البريطانية فإن كمية الغاز المحروق المصاحب للنفط الخام المنتج في آبار البصرة تقدر سنويا بحوالي 12 مليار متر مكعب وهي كميات تفوق الاستهلاك السنوي لدولة النمسا بأكملها , فماذا يعني ذلك ؟!.كما تشير التقديرات الى ان كمية الغاز المحروقة تكفي لإمداد خمسة ملايين منزل بالطاقة الكهربائية واليوم يعاني العراق من عدم توفر الطاقة الكهربائية بشكل مستمر , فماذا يعني ذلك ؟!! .
في تقرير للبنك الدولي نشر في يوليو / تموز 2020 احتل العراق المركز الثاني عالميا للسنة الرابعة على التوالي بين اعلى الدول احراقا للغاز الطبيعي بعد روسيا وتبعته الولايات المتحدة ثم ايران .وتشير بيانات البنك الدولي الى ان العراق احرق عام 2016 ما مجموعه ( 17,73 ) مليار متر مكعب من الغاز ثم ارتفع ذلك في عام 1919 ليصل الى ( 17,91 ) مليار متر مكعب يحرق في الأجواء دون الاستفادة منه . وترى وزارة النفط العراقية ان هناك عدة اسباب وراء حرق العراق لغازه الطبيعي حيث ان زيادة انتاج النفط العراقي تتناسب طرديا مع ارتفاع احراق الغاز المصاحب , كما كان للحروب التي شهدها العراق خلال العقود الأربعة الماضية قد ادت الى تدمير منشآت استثمار الغاز المصاحب التي كانت قد بدأت في تشييدها في سبعينات القرن الماضي . ويرى البعض ان السبب في احراق الغاز الطبيعي المصاحب في العراق يعود الى التقاعس والاهمال والفساد وسوء الادارة والتخطيط . فإلى متى يستمر العراق بإحراق ثرواته الطبيعية دون الاستفادة منها في الوقت الذي يستورد فيه بديل الغاز المحروق من ايران بمبالغ طائلة مبالغ بها , وفي الوقت الدي يعاني فيه الشعب العراقي من الأزمات والانقطاع المستمر للكهرباء والماء اضافة الى ازمات البطالة المرتفعة والفقر والأمية وتردي الخدمات عموما وتردي الواقع الصحي والتعليمي ؟!!!!!!