محمد السعدي في كتابه بيني و بين نفسي


محمد جواد فارس
2021 / 10 / 31 - 23:49     


محمد السعدي في كتابه
بيني و بين نفسي
حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية



أن هذه المشانق

إن هذه القلوب التي اخترقها الرصاص الكالح

و التي تبدو باردة وجامدة

إنها لتحيا في آماكن آخرى

متدفقة الحيوية

إنهم يحيون في شبان آخرين

أيها الملوك



آنهم يحيون في أشقاء مستعدين لأن يتحدوكم ثانية

والت ويتمان



لعبت الحركة الوطنية العراقية بكل فصائلها وتوجهاتها الفكرية ،،شيوعية وديمقراطية و قومية ،دورا بارزا في حركة المجتمع العراقي ، منذ ان انتهت العرب العالمية الأولى 1914 -1918 وانتهت بهزيمة المشروع العثماني التركي الذي سيطر على العراق والمنطقة منذ عام 1534إلى 1918 و استمر حوالي 400 عام من التخلف و التعاسة في مستويات متعددة ، اصبح العراق الحضاري الى بلد خرب لا توجد أي افق لتطوره على كل الصعد في مجال الثقافة و الزراعة وغيرها من المور البانية لتطور المجتمع ، وبعد هزيمة الاتراك في الحرب ، جاءت معاهدة سايكس بيكو البريطانية – الفرنسية لتقسيم المنطقة بين المنتصرين في الحرب بريطانيا و فرنسا فكانت حصة البريطانيين العراق و بذلك تواجدت القوات البريطاني الغازية للعراق في البصرة الميناء الحيوي للعراق ومن هناك اكتسحت جنوب و وسط العراق و امتدت الى بغداد ، و كانت رغبة الإنكليز الهيمنة على مقدرات العراق وثرواته المعدنية خاصة تواجد النفط في منطقة كركوك ، في حقول بابا كركر المعروفة بغنا نفطها ، و عندما عرف العراقيين نوايا المستعمر الجديد هب الشعب العراقي في ثورة سميت بثورة النجف ، بتحريض من علماء الدين و بعض شيوخ العشائر العراقية ، عندما عرف بأن البريطانيون يهدفون الى لآحتلال العراق بدلا من تحريره شكلت جماعة النهضة الإسلامية في النجف ، حوصرت المدينة وجرى قتل شرس بين الثوار والمحتل ، وطوقت النجف وقطعت الطرق للوصول اليها لكسر الحصار الجائر ،و بعد عامين تجمع العرافيين من شيوخ العشائر العراقية و وندلعت الثورة في منطقة الرميثة مثل المجاهد الثائر شعلان أبو الجون و عبد الواجد الحاج سكر و محمد تقي الشيرازي و محمد حسن الصدر ومهدي الخالصي و الشيخ ضاري المحمود و محمود الحفيد و شيوخ عشائر أخرى ورجال دين ، وانتشرت الثورة التي بدءت في مدن وقصبات الوسط العراقي الى الشمال والغرب من العراق ، مطالبها كانت تتجسد بحكم وطني عراقي مستقل ، لقد كبدوا الثوار المحتل الإنكليزي خسائر جسمية ب الأرواح و المعدات التي كانت متطورة بالنسبة للثوار العراقيين الذين قاتلوا بالمكوار وهو عصاية وفي رأسها القير و كذلك الطوب . ومن خلال ثورة العشرين تنامى الحس الوطني لدى أبناء شعب العراق ، و بتأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا و انهاء حكم القيصر عام 1917 ، والإنجازات التي اقدم عليها البلاشفة بقيادة العبقري الذي قاد الى النصر الكبير لينين ، منها مرسوم السلام ، و كهربة البلاد ، وكذلك البدء في إقامة برنامج الاقتصاد الجديد ، و كذلك دعوة لينين الى شعوب الشرق للتخلص من النير الاستعماري الجاثم على صدر الشعوب ، ونهب ثرواته الوطنية ، كل هذا الأفكار وصلت الى بلاد الرافدين ، و كان لمكتبة مكنزي في بغداد والتي تبيع الكتب الماركسية ، وبالغة الإنكليزية لعدد غير قليل من المثقفين العراقيين ، الضالعين في اللغة الإنكليزية ، دورا مهما في تشكيل الحلقات الماركسية ومتابعة أخبار الحركة الشيوعية والعمالية العالمية ، ونهنا نضجت فكرة تجميع هذه الحلقات في حزب يدعوا للقضاء على استغلال الانسان لأخيه الانسان ، ومن اجل تحرر البلاد من الاستعمار البريطاني الذي اقام قواعد عسكرية في مناطق مهمة في العراق ، وبدء ب التنقيب على النفط ، كانت هذه المجاميع من أمثال حسين الرحال و عاصم فليح و زكي خيري ينشطون في هذا المجال ، حتى انظم اليهم يوسف سلمان يوسف (فهد ) وهو خريج مدرسة كادحي الشرق ولديه الاهلية لقيادة حزب شيوعي من طراز جديد على أن يكون لهذا الحزب برنامج واضح لمستقبل العراق ، أضافة الى نظام داخلي للحزب ، ومن المؤتمر الأول للحزب جرى الاتفاق على البرنامج والنظام الداخلي للحزب ، وانتخب فهد سكرتير للجنته المركزية ومكتبه السياسي الذي ضم زكي محمد بسيم و حسين محمد الشبيبي ، واصدر الحزب جريدته الناطقة بلسانه و التي توجة ب شعارها الاممي : يا عمال العالم اتحدوا ، وبشعار المتعارف عليه في كل الازمان التي مرت وهو : وطن حر وشعب سعيد ، ومن هنا يمكن ان نسجل بدء الحركة الشيوعية العراقية .

و الذي جعلني اسرد هذه المقدمة القصيرة التاريخية ، هو ان كتاب الرفيق محمد السعدي الموسوم (بيني و بين نفسي ) حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية ، هذا الكتاب يدخل في حقل المذكرات التي كتبت عن تاريخ الحركة الشيوعية منها كتاب الاكاديمي الفلسطيني حنا بطاطو والبرفسور طارق يوسف إسماعيل ، ومذكرات باقر إبراهيم وعدنان عباس ورحيم عجينة وتوما توماس واخرين ، كلها تشكل حسب اراء كتابها و امانتهم التاريخية سجل لما قام به الحزب خلال فترات طويلة قدم فيها الشهداء قرابين على مذبح الحرية ومن اجل الوطن الحر والشعب السعيد ، كتاب محمد السعدي ، الصدر لعام 2021 و الذي يحتوي على 397 صفحة من الحجم المتوسط و الصادر عن دار الرافدين في المتاب يتضمن عدد من العناوين عن الاحداث التي مرة في حياة المؤلف ، كتب مقدمة الكتاب الدكتور عبد الحسين شعبان و الذير يتسم بمعرفة كبيرة لمراحل مرة على الحركة الشيوعية العراقية منذ ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 ، وبالذات عاصر بعض الاحداث التي يرويها المؤلف ، ويشير عبد الحسين شعبان مع الإشادة بموقف المؤلف من نقده لتجربته يكتب :انه أي الكاتب ينتقد تجربته ، لاسيما مشاركته في التحقيق " الحراسة "ضد آخرين أو قبوله بفكرة تعذيب آخرين لا نتزاع اعترافات منهم سواء كانوا يعملوا لمصلحة الأجهزة ا لأمنية أم أنهم رفاق أتهموا بالتكتل أو الأحتجاج ضد ممارسات بيروقراطية وسياسات خاطئة ، كما حصل للضحية المغدور مشتاق جابر عبد الله من مدينة الثورة الذي كان اسمه الحركي (منتصر ) و الذي استشهد تحت التعذيب على أيدي رفاقه ، و ستار غانم ( سامي حركات ) الذي استشهد خلال تسلله إلى الداخل على يد المخابرات العراقية ، واحمد الناصري ( أمين ) الذي هو أحد الشهود الأحياء على ما حصل له و لرفاقه من سوء معاملة و تعذيب وسبق له أن روى قصته و مفارقات تعذيبه على أيدي البعثين و على أيدي رفاقه الشيوعيين . (انتهى النص ) . و من خلال قراءتي للكتاب و فصوله من بدايته وجدت ان الكاتب محمد السعدي ذو مصداقية عالية في صياغة الحدث و قد أشار الى الكثير من القضايا المهمة من خلال تجربته بالعمل السري ونزوله الى بغداد حتي القبض عليه ومعاناته من النفسية و الموافقة على العمل معهم ولكنه عندما وصل بلغ الرفاق بكل الاحداث التي جرت مشيرا الى ان هناك خرق للتنظيم من قبل المندسين كما هو الحال بالنسبة لابي بهاء و أبو طالب و كذلك السماوي أبو هيمن المتواجد حاليا في السويد ، الكتاب فيه معلمات كثيرة ومهمة عن التجربة الشخصية للكاتب و تتطلب الكثير من النظر في الأمور التي وردت فيه ، لذلك سيكون هذا الكتاب ومصادر أخرى العون لمن يهمهم دراسة الحركة الشيوعية العراقية و المراحل التي مرت بها واحي الجهد الذي قام به الرفيق محمد السعدي وهو سليل العائلة الشيوعية المناضلة و الذي ابر وجها هو خاله المقدم خزعل السعدي احد ابطال المقاومة ضد انقلاب شباط الدموي عام 1963 في الكاظمية ، أتمنى للكاتب المزيد من التقدم في المجال الثقافي .