-العرب- و -البربر-, خرافة أكل الدهر عليها و شرب (1)


كوسلا ابشن
2021 / 10 / 31 - 20:29     

عبر التاريخ إعتمد الإستعمار الإستطاني على الإيديولوجية التبريرية لشرعنة الإحتلال الإستطاني, من خلال خلق الأصول المشتركة للمستعمر (كسر الميم ) والمستعمر (فتح الميم), و الترويج لنظرية الأصل المشترك الوهمي, محاولة منه إنتاج قابلية قبول المحتل لدى المستعمر (فتح الميم) و تضليله بالأوهام اللاتاريخية و اللاواقعية, بهدف صناعة الزمن الإستطاني الإستعماري و التحول الهوياتي للأهالي. الخلفية الاستعمارية لبعض رواة الرواية التاريخية عمدوا الى تزييف تاريخ الشعب الأمازيغي, إما بالمشترك الوهمي أو بإنكار الوجود المستقل, و دونوا لتاريخ شمال افريقيا (بلاد الأمازيغ) من بداية الوجود الإستعماري.
غياب الأطروحة المضادة والمقاومة للأفكار التضليلية الخرافية في زمن الهيمنة الإديولوجية التضليلية و طغيان الإستبداد السياسي, و إنتهاك لابسط الحقوق المادية والفكرية للشعب الأمازيغي, فسح المجال لمنظري الإستعمار في التخيل والإبداع لإنتاج الروايات الخرافية لأصل الأمازيغ, و صناعة تاريخه المزيف. ومن الخلفيات الخرافية لصناعة الأصل "العربي" للأمازيغ, ما ذهب اليه الحكواتيون والإخباريون الأعراب أمثال ابن الكلبي و الطبري والمسعود وغيرهم, في إنتاج الرواية الخرافية لإثبات الأصل "العربي" للأمازيغ, من دون سند تاريخي, سواء وثيقة أو علامة آثرية, فجعلوا الرواية الأدبية مرجعية تاريخية و مصدر أنتروبولوجي و أركيولوجي و لغوي, فمجال الرواية هو الخيال الواسع, وهذا ما أبدع فيه هؤلاء الحكواتيون والأخباريون في إنتاج الهوية المشتركة وتاريخ الشعب الأمازيغي.
من هذه الحكايات ما ذهب إليه الطبري في قوله:" و زعم هشام بن محمد الكلبي, أن بقية بقيت من الكنعانيين بعد ما قتل يوشع من قتل منهم, وأن إفريقيس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب ابن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مر بهم متوجها الى افريقية, فاحتملهم من سواحل الشام, حتى أتى بهم افريقية, فافتتحها و قتل ملكها جرجيرا, وأسكنها البقية التي كانت بقيت من الكنعانيين الذين كان احتملهم معه من سواحل الشام. قال: فهم البرابرة, قال: وإنما سموا لذلك بربرا, ويذكر أن افريقيس قال في ذلك من أمرهم شعرا, وهو قوله: بربرت كنعان لما سقتها من أراضي الهلك للعيش العجب. قال: وأقام من حميرفي البربر صنهاجة وكتامة, فهم فيهم الى اليوم" تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك) الجزء الاول, ص. 442.
في نفس الموضوع يقول ابن خلدون" يقال: ان افريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب و افريقية, وقتل الملك جرجيس, وبنى المدن والأمصار, و بإسمه سميت افريقية, لما رأى هذا الجيل من الاعاجم و سمع رطانتهم ووعى اختلافها و تنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم, فسموا بالبربر" تاريخ ابن خلدون ( في أخبار البربر) الفصل الأول.
يفند ابن خلدون هذه الحكايات بقوله :" من الاخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن, أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن الى افريقية والبربر من بلاد المغرب. وان أفريقش بن قيس بن صيفي غزا افريقية وأتخن في البربر وأنه الذي سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم وقال: ما هذه البربرة, فأخذ هذا الاسم عنه ودعوا به من حينئذ, وأنه لما انصرف من المغرب حجز هناك قبائل من حمير واختلطوا بأهلها ومنهم صنهاجة وكتامة ومن هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والبيلي الى ان صنهاجة وكتامة من حمير..., هذه الاخبار كلها بعيدة عن الصحة, عريقة في الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص الموضوعة". مقدمة ابن خلدون, ص.12.
هذه الحكايات مثل حكاية سيف ذي يزن ملك الإنس والجن التي تروى للأطفال. يبقى أفريقش وغزوه لشمال افريقيا مجرد رواية أدبية, من حكايات حكواتيي بغداد, ما دام ليس هناك دليل تاريخي, سواء مخطوطة أو آثار اركيولوجي يدل عن شخصية افريقش في افريقية و ما تركه في هذه المنطقة من آثار. الحفريات الآثرية في منطقة (افريقية) كشفت عن آثار الحضارة الحفصية قبل 9 آلاف سنة, فهي أبعد فترة بكثير عن فترة ما بعد يوشع اليهودي, وأبعد عن تاريخ خرافة جمع افريقش ما بقي من الكنعانيين, واتى بهم الى افريقية, فأين هي الآثار التي تركها افريقش في افريقية وأين المخطوطات التي دونت هذه الأحداث ( لنثبت حقيقة الوجود الافريقشية). كل ما كتبه الحكواتيون من حكايات حول الأمازيغ لا ترقى أن تكون وثيقة تاريخية و مرجعية تاريخية " للمؤرخين" في القرن 21, و عن من يتحدث عن إثبات الطبري, بأن الامازيغ هاجروا من بلاد الجزيرة العربية عبر الشام, بقول الطبري:" و زعم هشام بن محمد الكلبي ...", هذا الإثبات لا محل له من الإعراب, فكلمة زعم, ليست دلالة عن الإثبات, بل العكس فهي تثبت الشك واللاحقيقة. فخرافات الطبري و غيره من الحكواتيين, فندها ابن خلدون طولا و عرضا. و كثيرا ما يحاول مزيفي التاريخ المعاصرون الى الإستنجاد بخرافات الحكواتيون لإثبات الأصل "العربي" للأمازيغ, من خلال الروايات الأدبية و خرافة الأنساب لجموع الحكواتيون "العرب", التي فنتدها الحقائق العلمية, و من المفيد أن أعرض شهادة تاريخية لإبن خلدون: تاريخ بن خلدون (العبر و ديوان المبدأ و الخبر في أيام العرب والعجم والبربر" بقوله:" و أعلم ان هذه المذاهب كلها مرجوحة و بعيدة عن الصواب, فأما القول بأنهم من ولد ابراهيم فبعيد, لأن داود الذي قتل جالوت و كان البربر معاصرين له ليس بينه و بين اسحاق بن ابراهيم أخي نقشان الذي زعموا أنه ابو البربر إلا نحو عشرة أباء, ويبعد أن يتشعب النسل فيهم بهذا التشعب. و أما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق و أنهم نقلوا من ديار الشام و انتقلوا, فقول ساقط, يكاد يكون من أحاديث الخرافة, إذ مثل هذه الأمة المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض, لا تكون منتقلة من جانب آخر و قطر محصور, والبربر معروفون في بلادهم و أقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الاسلام. فما الذي يحوجنا الى التعليق بذه الترهات في شأن أوليائهم. و ... وأما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان, فمنكر من القول, وقد أبطله إمام النسابين و العلماء أو محمد بن حزم, وقال في كتاب الجمهرة: ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن و من حمير, وبعضهم ينسب الى بر بن قيس, وهذا كله باطل لا شك فيه, و ما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا اسمه بر أصلا, وما كان لحمير طريق الى بلاد البربر, إلا في أكاذيب مؤرخي اليمن".
إختلاف الرواة في سرد الرواية الأدبية عن اصل الامازيغ, نسبا و جغرافيا, راجع الى أسطورة الاصل "العربي" لإثبات وهم الأصل المشترك "للعرب" والأمازيغ, فقد ذهبت الأسطورة الى شعب لم يكن له وجود في التاريخ, وهو "العرب العاربة" و العرب العاربة حسب الحكوتيون هم العرب البائدة و الهالكة ولم يبقة منهم أحد و لم يعرف عنهم شيْ, فكيف عرف الحكواتيون ومعهم البربري عثمان السعدي, أن الأمازيغ من العرب البائدة الذين شبعوا الموت, و قد يكون الامازيغ (العرب البائدة) أعيدوا للحياة للبرهنة على العروبة البائدة, لكن هذا الوهم يفنده الأمازيغ أحفاد الإيغوديون, ويرفضون العروبة المزعومة و يناضلون من أجل حريتهم و تحرر بلادهم من العروبة القاهرة الإستعمارية.
لقد حاول مؤرخي الكولونيالية الأوروبية, البحث عن الأصل الأوروبي للأمازيغ, فالأصل المشترك بين الأمازيغ و بين الأوبيون, قادر على صناعة شرعنة الاستعمار الأوروبي لبلاد الأمازيغ, إلا أن فشلهم في إقناع الأخرين, دفعهم الى البحث عن الأصل الشرقي للأمازيغ إستنادا الى الآساطير اليهودية (المستحضرة أعرابيا), لإيجاد صيغة جديدة تؤثث لتبرير الاستعمار الأوروبي للمنطقة, صيغة بنيت على وهم أن الامازيغ ليسوا الشعب الأصلي للمنطقة و لم يؤسسوا دول و لم يبنو حضارة, فهم إستوطنوا المنطقة كما أستوطنها الفنيقيون والرومان والعرب و الوندال والترك وغيرهم, هذه المغالطات التاريخية هدفت الى تبريرالإستطان الأوروبي. و هذه فرضية التي تدعي أن شمال إفريقيا كانت أرض خالية من الوجود البشري الى أن إستوطنتها كل هذه الشعوب , هي اطروحة خيالية و اللاعلمية, فقد فندتها الحقائق العلمية التي أثبتتها الإكتشافات الأركيولوجية, بأن البشرية ترجع أصولها الأولى الى منطقة شمال إفريقيا (الإيغوديون) أو (هومو سبيان), قبل 300 ألف سنة, فالمنطقة مهد البشرية, وبقي نسل الإيغوديون في أرضهم ما يقارب 200 ألف سنة قبل أن تقرر بعض الجماعات منهم لأسباب مجهولة مغادرة موطنهم الأصلي, لتهاجر الى ما يعرف الأن بالشرق الأوسط و الى جميع بقاع العالم, وبقي أسلاف الأمازيغ في موطنهم الأصلي, وهو ما أكدته إكتشافات أثرية عديدة, ومنها ما عثر عليه في مغارة الحمام بمنطقة تافوغالت,عن أقدم جينات بشرية بإفريقيا, وأقدم حلي في العالم يرجع تاريخها الى 170 ألف سنة, و ما أكتشف مؤخرا من آثار تدل أن أسلاف الأمازيغ أول من صنع الألبسة قبل 120 ألف سنة. إستمرارية سلالة الأمازيغ أثبتها الواقع المادي مما قدمتها من حضارات في الإمتداد الزمني اللامنتهي المؤكد لمحلية الشعب الأمازيغي في موطنه الأصلي شمال افريقيا, من خلال الحضارات القديمة مثل, الحضارة العتارية ما بين 145 الف سنة الى 20 ألف سنة, التي أكتشفت بدزاير وفي محيطها الواسع الممتد من ليبيا حتى المحيط الاطلسي, طور فيها الانسان العطاري ادوات العمل والقنص, والحضارة القبصية التي أكتشفت بتانس و شرق دزاير, قبل 9 ألاف سنة. استمرارية أحفاد سلالة إيغود أبدعوا أروع اللوحات والجداريات التي زينت صخور و كهوف أرض إيمازيغن لقبل من 12 ألف سنة ق.م. وهي موزعة بين جميع بلاد الأمازيغ, فالنقوشات الصخرية بأهغار و تيسيلي و جبال الاطلس الى صحراء ليبيا (فزان), تحف فنية رائعة, ما زالت تقاوم التغيرات المناخية, و تخريب الكلاب الضالة. يقول إميل هوفمان في (معجم العصر الحجري) : "التحف الحجرية من مختلف المستويات الثقافية من العصر الحجري والفن الصخري يكشف ان المنطقة كانت دائما آهلة بالسكان", و هو يتحدث عن بلاد الأمازيغ.
الفرضيات المتعدة الأنساب و الأصول التي لم تستقر على نسب واحد و لا أصل واحد و ذلك راجع الى تعدد الروايات و كتابها و زيف حكاياتهم الخرافية و كذبها في صناعة الاصل الأوروبي أو الأصل المشرقي للأمازيغ , تارة باسكي و تارة جيرماني وتارة ..., وتارة يمني وتارة كنعاني وتارة عماليقي و...ومرة من نسب ولد قيذار و مرة من نسب بن عيلان و ... . لم يجمع حكواتي النظام الاستعماري عن النسب الواحد و لا عن الأصل الواحد للامة الامازيغية, فالإستعمار الأوربي أراده من أوروبا, والإستعمار الأعرابي أراده مشرقي, و السبب في ذلك أن الرويات الإستعمارية هي وسيلة تضليلية لإنتاج الأصل المشترك لتبرير الإحتلال سواء الإحتلال الأوروبي أو الإحتلال الأعرابي.
الإكتشافات الآثرية المادية (وليس الأساطير الخرافية), هي التي تتحدث عن أصالة الأمازيغ وحضارتهم القديمة المؤكدة لأزلية الوجود الأمازيغي في موطنه الأصلي (شمال افريقيا), وفي هذه الصدد يقول ابن خلدون في قدم الوجود الأمازيغي (تاريخ ابن خلدون) بقوله: " لم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل وإلى الاسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يُعرف أولها ولا ما قبلها" و هذه شهادة من القرون الوسطى تؤكد أن الأمازيغ لم يأتوا لا من الشرق و لا من الغرب مادام ابن خلدون يعترف بجهل ومن بدايتهم, فزمنهم الوجودي, هو زمن الإنسان العاقل الوجودي في موطنه الأزلي ببلاد شمال افريقيا, وجود البشرية من المهد الى خلودها الأبدي.
العقل الأمازيغي يتعامل مع الحقائق العلمية و منها الإكتشافات الآثرية, التي تؤكد إستمرارية سلالة إيغود في شمال إفريقيا عبر كل الفترات التاريخية, و من خلال حضاراتها القديمة منذ العصور الحجرية القديمة, الى عصور القرون الوسطى. السلالة الإيغودية في سيرورتها التاريخية تشكلت هويتها الإثنو-ثقافية (الأمازيغية), قبل العشرات الآلاف من السنين من التكيف مع الطبيعة, وتطوير أساليب حياتها الى الوصول الى عهد الإستقرار و بناء التجمعات السكنية و تأسيس التجمعات البشرية مع بداية الزراعة و تدجين الحيوانات و تربية المواشي. هذا التطور حصل في شمال افريقيا موطن الامازيغ الأصلي, فهم لا شرقيون ولا غربيون. لتبقى حكايات الحكوتيون والروايات الأدبية تتعمق في الخيال الواسع ( مازيغ أخو كنعان في هجرة الى الشمال...), و تتجرد من المنطق, الذي يؤكد أن الإنسان يستقر في الأرض الخصبة المتوفرة على المياه والغابات الوافرة بالحيوانات و يستمر حياته فيها. هذه العوامل المتوفرة في شمال افريقيا, كانت حاسمة في إستمرارية سلالة إيغود في موطنها الأصلي, و آثارها المادي عبر الأزمان شاهد عن أصالتها الأزلية, فالمنطق والعلم يستبعد أن يكون الأمازيغ قدموا من الشرق ما دام شروط الحياة متوفرة في موطنها شمال افريقيا, بل العكس فبعض القبائل الأمازيغية في فترات لاحقة من ستهاجر الى الشرق بسبب التغير المناخي في موطنها (جنوب بلاد الامازيغ), و التي أصبحت جرداء و قاحلة ( الصحراء الكبرى) بسبب التصحر, وهذا حدث في التغير المناخي الأخير (بين عشرة آلاف سنة و خمسة آلاف).
يتبع