الفُقراء لا يدخلون الكليات الجيدة


امين يونس
2021 / 10 / 30 - 14:55     

سواء كانتْ فوضى مقصودة ، أو تخطيطاً مدروساً ، فأن قطاع التربية والتعليم في أقليم كردستان العراق وفي العراق عموماً ، يُعاني من تراجُعٍ مُحزِن ، ولا سيما بالنسبة للطبقات الفقيرة والتي نسبتها في تزايدٍ مُستَمِر . فلقد إنتشرِتْ المدارس الأهلية إعتباراً من مرحلة الروضة مروراً بالإبتدائية والإعدادية وصولاً للجامعة ، إنتشاراً غير معقول ، في السنوات الأخيرة . وعلى الرغم أن هذه المؤسسات الأهلية تُعّلِم بالإنكليزية ومناهجها متطورة إجمالاً ، وبناياتها ومرافقها نظيفة عموماً وعدد الطلاب قليل في الصفوف … إلخ . إلا ان أجورها مرتفعة كثيراً وزبائنها مُقتصرين على أبناء وبنات طبقة الأغنياء والمسؤولين الحكوميين وأحزاب السلطة . الذين يستطيعون إدخال أولادهم الى هذه المدارس هُم المترفين والذين رُبما يُشكلون 10% من المجتمع على أقصى تقدير .
ان الأحزاب الحاكمة ، تقوم مع سبق الإصرار ، بتهميش قطاع التعليم الحكومي على عدة مستويات : إهمال المُعّلَم وعدم الإرتقاء بقدراته التربوية والتعليمية ، وهدر كرامته من خلال إستقطاع جزء من راتبه أو تأخير دفعه / تدخُل الأحزاب الحاكمة في عمل الإدارات والنقابات / فوضى المناهج الدراسية / تقادُم البنايات وإفتقارها للمرافق الصحية النظيفة وعدم توفُر المختبرات وقاعات الرياضة والتربية الفنية ومستلزماتها جميعاً / الإزدحام في الصفوف … إلخ .
أنهم أي الأحزاب الحاكمة ، لا يقولون ذلك صراحةً .. لكنهم يدفعون بإتجاه التهميش المتصاعِد للقطاع العام حتى في مجال التربية والتعليم ، وترويج التعليم الأهلي أي القطاع الخاص " والذي هُم ليسوا بعيدين عن إمتلاكه كُلياً أو شراكةً مع بعض المستثمرين " .
لو كانتْ الفكرة هي جلب إستثمارات حقيقية من أجل تطوير التربية والتعليم ، وفتح مراكز بحوث راقية وخلق فُرص عمل من خلال شراكة رصينة بين الجامعات والمجتمع ، والإهتمام الفعلي بالأطفال والشباب وتهيئتهم وفق أُسُس علمية لقيادة المستقبل .. فليكُن ، وذلك شئٌ جيد . ولكن مؤسسات القطاع الخاص التعليمية حالياً ، هي مُجّرَد أماكن لإستقبال أبناء وبنات الأغنياء فقط من ناحية ، ومجالاً لكسب أموال طائلة لأصحابها من ناحية أخرى .
إذا سارتْ الأمور على هذا المنوال .. ففي خلال عشر سنوات قادمة ، فأن [ الطبقية ] السافرة ستبرز أكثر : غالبية عظمى من المجتمع من الحاصلين على تعليم ضعيف او التاركين للدراسة أصلاً ، وأقلية ضئيلة من الحاصلين على تعليمٍ جيد .
قبل ثمانين سنة ، كان الشيوخ والآغوات ، يرسلون أبناءهم وبناتهم الى المدارس في المُدن وفي العاصمة ، ويقولون للفلاحين والناس البسطاء : لا تدخلوا أولادكم الى المدارس ، فذلك حرام !! .
واليوم .. الأحزاب الحاكمة تقول للفقراء : المدارس الراقية والجامعات ، لا تصلح لكُم .
صحيح .. أن السيطرة على الجَهَلة هّيِن ، وسَوْق أنصاف الأميين أمرٌ سهل ، من قِبَل السُلطة … لكن إستفحال الفروقات الطبقية ، بيئة ممتازة ايضاً ، لظهور حركات رافضة للواقع المُزري .