دروس انتخابية من تجربتي مع الحزب الشيوعي (3من4)


محمد علي مقلد
2021 / 10 / 30 - 12:59     

الثورة والانتخابات
دروس انتخابية من تجربتي مع الحزب الشيوعي (3من4)
مناكفة مع الحزب والثنائي الشيعي


موقفي من الانتخابات منذ الدورة الأولى بعد الطائف ظل هو هو ولم يتبدل. ينبغي الترشح في مواجهة لوائح المحادل لتجميع أجواء اليسار والقوى المعارضة وصونها من التشرذم. ولم أتوهم للحظة أن بإمكاننا إحداث خرق انتخابي من دون اعتماد النسبية في احتساب النتائج. في دورة 2009 أعيد العمل بالقضاء كدائرة انتخابية، استمر حبيب صادق في عزوفه عن خوضها، فقررت الترشح للمشاكسة في منطقة النبطية. الحزب وحبيب صادق اتفقا هذه المرة بشأن الانتخابات، الحزب عمم على قواعده قراره بعدم الاقتراع لي، ووزع أحدهم منشوراً ضدي في ساحة النبطية. أما حبيب صادق فقد تصرف كأمين عام في حزب لا في مؤسسة ثقافية، فعزف عن الترشح وأومأ للأقربين بالتعامل سلباً مع ترشيحي بحجة تعاوني مع أحمد الأسعد.
في ربيع 2007 لم أعد مرتبطاً بعلاقة تنظيمية مع الحزب، لكن نشاطي السياسي صار مضاعفاً. بعد أن كنت قد أصدرت كتابي، اغتيال الدولة، في تموز 2006، وفيه فكرة واحدة تؤكد أن باب الحل للأزمة اللبنانية هو قيام الدولة، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والعدالة والديمقراطية. فكرة واحدة بدأت تتبلور منذ إلقاء محاضرتي في المجلس الوطني في عام 1994، ونشر وثيقة الجنوب، عام 1995، ثم صارت تزداد وضوحاً خلال حلقات نقاش للكتاب في المجلس الثقافي في بيروت وفي النبطية وفي منتدى صور الثقافي وفي الحركة الثقافية في أنطلياس وفي النادي الثقافي في طرابلس، وفي المكتبة الوطنية في بعقلين. خلايا نقاش شارك فيها رفاق لي معترضون على النهج السياسي المعتمد في قيادة الحزب، وأسسنا معاً حركة الإنقاذ في الحزب الشيوعي اللبناني. الفكرة هي : لا حل إلا بالدولة.
لا أذكر في أي شهر من عام 2008 التقيت أحمد الأسعد بناء لطلبه. عرض علي أن نتعاون في الانتخابات القادمة وأن أكون في عداد المكتب السياسي لحزب الانتماء اللبناني مع وجوه جديدة ذكر لي من بينها على سبيل التشجيع، إسم غسان جواد. أبلغته موقفي بصراحة ووضوح لا يقبلان التأويل بأنني قادم من تاريخ يساري، بعد خلاف مع الحزب، وسيكون من السهل رميي بتهمة نقل البندقية إن وافقت على الانخراط في عمل حزبي مع غير الحزب الشيوعي، وبأنني متمسك بهويتي اليسارية، إذ ليس خروجي من الحزب إلا بسبب الاختلاف على البرنامج السياسي. برنامجي للإنقاذ معروض في كتاب "اغتيال الدولة"، (أهديته نسخة منه)، وأنا أعمل الآن مع مجموعة من رفاقي في إطار حركة الإنقاذ في الحزب الشيوعي اللبناني، وبناء على ذلك، أنا على استعداد للتنسيق مع أي جهة توافق على هذا البرنامج وللتعاون الانتخابي على أساس هذا البرنامج، لكن من موقعي اليساري.
ربما أكون وحيداً، أو واحداً من قلة، ترشحوا مستبعدين احتمال الفوز بشكل قطعي. كان أحمد الأسعد يعتقد أنه سيحدث خرقاً للائحة وكان تقديري أن الحصول على خمسة بالمئة من أصوات الناخبين في الجنوب سيكون بمثابة انتصار كبير للمعارضة.
يوم حضرت مع سائر المرشحين من خارج لائحة الثنائي اجتماعاً في دارة المرشح عباس شرف الدين في الغازية، اقترحت على رياض الأسعد أحد المرشحين المتمولين أن ينفق المبالغ التي يخصصها لحملته الانتخابية على نشاط جماهيري حاشد يعلن فيه جميع المرشحين في كل دوائر الجنوب انسحابهم من المعركة لإبقاء اللائحة معلقة في الهواء، وتذكرت شعراً لمحمد الماغوط يقول فيه، ما إن شرعت بقصتي حتى انسلّ(الرصيف الذي يقف عليه) بين الأرصفة كالأفعى وتركني معلقاً كالمشنوق. صفق أحدهم للاقتراح فيما رآه آخرون تبديداً لأحلام جميلة بل مستحيلة. من بين من اعترضوا كان مرشح الحزب الشيوعي اللبناني.
مشروعي للإنقاذ ينطلق من أولية النضال لإعادة بناء الدولة. ذلك يعني أن الخطر الأساسي، من وجهة نظري، يتمثل بما تتعرض له الدولة من تهديدات شتى، ومن بينها النهج الميليشيوي الذي تعزز نفوذه في ظل الوصاية السورية. وبما أن المعركة الانتخابية لا تقاس فحسب بالنتائج الرقمية، فمن الطبيعي، استناداً إلى برنامجي ومشروعي للإنقاذ، أن تتوحد الجهود ضد من يشكل خطراً على وحدة الدولة وبالتالي على الوحدة الوطنية.
قلت في مؤتمري الصحافي " إننا نخوض الانتخابات لا لنؤمن تغطية لنتائجها المقررة سلفاً، ولا لنزيد نسبة المقترعين فيها، بل نخوضها من موقع الاعتراض على قانون الانتخاب وآلياته ولمواجهة عزل الجنوب وانعزاله، ولحض قوى اليسار على جعل الانتخابات فرصة للتعبير عن حجمها وفرض نفسها بقوة على خارطة القوى اليسارية، إذ إن أول طريق الفوز في الانتخابات هو الخروج من حالة الانكفاء والانخراط بجرأة وشجاعة في عملية إعادة الاعتبار إلى صورة الجنوب الحقيقية".
كنت قد عبرت عن هذا الموقف في مقالات عديدة وجهت فيها أصابع الاتهام للشيعية السياسية بتهديد وحدة الدولة، فيما كان الحزب مصراً على التحالف معها. أما حبيب صادق فقد خاض معها صراعاً حاداً لكنه لم يقلب صفحة صراعه القديم مع الإقطاع السياسي ممثلاً بوالد أحمد الأسعد، مع أن الإقطاع السياسي الذي كان خصماً لليسار قبل الحرب الأهلية لم يعد يشكل خطراً على وحدة الدولة في ظل حكم الميليشيات.
خلال التحضير للانتخابات قرر أحمد الأسعد تنظيم مهرجان يعلن فيه أسماء المرشحين الذين يدعمهم وقد حصل ذلك في فندق الحبتور بحضور آلاف حضروا في حافلات من القرى الشيعية. اعتذرت عن المشاركة والحضور. عذري الصريح هو حرصي على أن أتقدم للانتخابات كمرشح يساري متعاون معه لا كمرشح في لوائحه. في اليوم التالي بدأ مرشحوه يتبرأون من صورهم المعروضة على الشاشات، بسبب ضغوط تعرضوا لها في مناطقهم. تصرف مرشحوه بالترشيح كما محازبوه بالسيارات التي وضعها تحت تصرفهم فأحرقت أو أحرقوها.
استقويت بصراحتي وطلبت منه حل حزبه، لأنني كنت متأكداً من أن معظم أعضائه مدسوسون إما للتجسس إما طمعاً بمال أو سيارة أو هاتف خلوي، ولأنني لست طامعاً بأصواتهم ولا توهمت احتمال الدخول إلى الندوة البرلمانية. وافق على الفكرة ووعد بتنفيذها بعد الانتخابات وقرر سحب مرشحه في منطقة النبطية احتراماً لرغبتي في أن أكون مرشحاً مستقلاً يحمل الصفة اليسارية ويعلن جهاراً تعاونه مع أي جهة معترضة على الثنائية الشيعية.